بيروت: لم يبق لبنانيّ ولا حتى مواطن عربي إلا وكوّن في ذهنه حكمًا على المتسبب في كارثة الطائرة الأثيوبية التي سقطت في بحر متلاطم شديد الموج بعيد إقلاعها في رحلة من مطار بيروت إلى أديس أبابا قبل 15 يومًا، وسط عاصفة رعديّة وهوائيّة قويّة، فقضى جميع ركّابها التسعين، وهم 54 لبنانيًا و26 أثيوبيًا ومن جنسيات أخرى وتمزقت الطائرة ثلاثة أو أربعة أجزاء.
ومنذ ذلك اليوم، ثار جدل وكثرت تكهنات عززها التأخر في العثور على الطائرة وصندوقها الأسود، وبالتالي انتشال الضحايا الذين بقوا في معظمهم مربوطين إلى مقاعدهم في قعر البحر، في حين عثر على جثث ضحايا كانوا فيأغلبيتهم من ركاب الدرجة الأولى وفريق الطائرة الأثيوبي.
بدوره أثار التأخر في العثور على جسم الطائرة الذي هوى على بعد أربعة كيلومترات من بلدة الناعمة عاصفة من التأويلات والإختلافات في التفسير طغت على غيرها من قضايا في الإعلام اللبناني، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من السفن وأجهزة الإنقاذ اللبنانية الأجنبية شاركت في عملية التفتيش بعيدًا من مكان سقوط الطائرة، وأن بعض وسائل الإعلام كان في بعض الأيام يعطي الأولوية للسبق الصحافي على حساب الدقة، غير مقدر كما يجب آلام أهالي الضحايا المفجوعين.
في أي حال، لن يمر أكثر من شهر ونصف الشهر قبل تحديد المسؤوليات علميًّا ورسميًّا، بعدما تم العثور على الصندوق الأسود الذي يكشف كل تفاصيل الرحلة التي انقطعت بفاجعة إنسانية كبيرة قبل أن تبدأ، وقد نقل هذا الصندوق إلى فرنسا على الفور كي تشرف على التحقيق الجهات الدولية المختصة، وبينها الشركة المصنعة لطائرة البوينغ 737 التي تعتبر حديثة.
الإستفتاء الأسبوعي لـ quot;إيلافquot; تناول هذه القضية المأسوية بسؤال عمن يتحمل مسؤولية سقوط الطائرة الأثيوبية في بيروت، فكان جواب أغلبية المشاركين بنسبة 39.83 في المئة، أي 2845 مشاركًا من أصل 7143أنه quot;القضاء والقدرquot;، في حين رأى 18.55 في المئة أي 1325 مشاركًا أن خطأ ارتكبه قائد الطائرة الأثيوبي أدى إلى الحادث، واعتبر 15.44 في المئة أي 1103 مشاركين أن السبب هو خلل في طائرة البوينغ، وألقى 14.07 في المئة، أي 1005 مشاركين باللوم على الطقس الرديء و12.11 أي 865 مشاركًا على برج المراقبة.
جدير بالذكر أن نظرية من دون مستندات مقنعة سرت لمدة إثر وقوع الكارثة فحواها إن الطائرة تعرضت لعملية إرهابية بتفجير من داخلها أو بصاروخ لكنها ما لبثت أن تهاوت وسحبت من التداول عمليًا بعدما نفت ورود هذا الاحتمال مراجع متعددة .
وكانت الرواية الرسمية الأولى وردت على لسان وزير الأشغال العامة غازي العريضي ووزير الدفاع الياس المر، وفيها ان برج المراقبة طلب من قائد الطائرة ان يسلك مسارًا معينًا تفاديًا للعواصف، إلا أن القائد سلك اتجاهًا معاكسًا، وظلت أسباب عدم التجاوب مع تعليمات البرج مجهولة حتى اليوم، وستكشفها محتويات الصندوق الأسود إذا كانت صحيحة.
علمًا أن خبراء قالوا بأن غيومًا قد تنشأ خلال الطقس العاصف quot;اذا دخلتها الطائرة فإن احتمالات الخروج منها شبه معدومة، هذا النوع يحتوي على مطبات هوائية هائلة ترفع الطائرة ثم تهبط بها بسرعة هائلة بين 3 و5 آلاف قدم، ما قد يؤدي الى تحطم المحرك واشتعال الفيول. واذا كان الطيار لم يستجب لتعليمات برج المراقبة، فإن ذلك يكون اما بسبب عطل تقني واما بسبب عجزه عن الرد. وما حصل أن برج المراقبة لم يتلقَّ أي نداء استغاثة أو أي إشارة حتى، بل إن الطائرة اختفت فجأة عن راداره بعد دقائق من انطلاقها، ولا يمكن التحليل في الأسباب قبل أن تكشف المعطيات رسميًّا .
لكن خبراء آخرين قالوا بأن الطقس الرديء فوق البحر الأبيض المتوسط لا يمكن ان يسقط طائرة بمثل هذه السرعة، وrdquo;البوينغ 737rdquo; مجهزة تقنيًّا ضد كل انواع الصواعق والعواصف التي تكون عاتية في اوروبا واميركا ومصحوبة بأمواج برقية ورعدية هائلة، وهذه لم تمنع يومًا رحلات الطيران. من الناحية النظرية، على الاقل، الطائرة الاثيوبية تملك جهوزية كاملة في التعامل مع الصواعق، وليس هناك ادلة كافية على ان احوال الطقس هي سبب الكارثة.
ومعروف ان حركة الطيران من مطار بيروت وإليه لم تتوقف ليلة سقوط الطائرة الاثيوبية، ولم يفد أي من الطائرات القادمة او المقلعة من مطار بيروت ان العواصف الرعدية في المنطقة، وفي محيط المطار بالذات، كانت من النوع غير العادي.
ويجدر التوقف هنا عند قول شهود عيان لمحطات تلفزيونية انهم شاهدوا كتلة ملتهبة في الجو قبالة بلدة الناعمة الساحلية، على بعد كيلومتر واحد تقريبًا من الشاطئ تستدير على نفسها قبل ان تهوي عموديًا في البحر. آخرون قالوا ان الكتلة المشتعلة استدارت على نفسها قبل ان تهوي. وقد ذكر بعضهم ان الكتلة اياها انفجرت في الجو ثم سقطت.
في اي حال، يمكن القول ان الفريق المولج التحقيق لا يزال في مرحلة التحقيق الاولى، في انتظار فك رموز الصندوق الاسود بعد اكتمال أجزائه والمعطيات تاليًا وترجمتها إلى تقرير مفصل، وهي عملية سيتولاها الفريق الفرنسي.
التعليقات