بيروت: من اللحظة الأولى لوقوع حادث منطقة عيون أرغش في أعالي جبل لبنان الشمالي، فوق غابة الأرز التي تعلو مدينة بشري لجهة البقاع والهرمل، بدا واضحًا أن ثمة رسالة سياسية كان على رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع أن يتلقاها، وأداتها تحديدًا مخابرات الجيش اللبناني، وفحوى الرسالة إن الذهاب بعيدًا في التصدي للنفوذ السوري العائد بقوة إلى لبنان سيضع جعجع وحزبه في مواقف حرجة عاجلاً أم آجلاً، وقد لا يتمكن حلفاؤه من نجدته، سواء في quot;تيار المستقبلquot; أو قوى 14 آذار/ مارس عمومًا، ولا حتى الموقع التوافقي الوسطي الذي يمثله رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومن يؤيدونه، ويكون أعمى سياسيًا من لا يلاحظ في لبنان هذه الأيام اختلالاً في الموازين مقارنة بالمرحلة السابقة التي استمرت خمس سنوات بدءًا من العام 2005.

تقفز إلى الذهن هنا عبارة لسياسي فاعل من قوى quot;الأغلبيةquot; ( إذا كانت لا تزال أغلبية فعلاً) قال لـ quot;إيلافquot; قبل أشهر إنه في الوضع الحالي إذا توسع خلاف بين رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره quot;المستقبلquot; من جهة، والقيادة السورية من جهة أخرى فتتدخل المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى وربما غربية لدى دمشق لإصلاح ذات البين ومعالجة الموقف، أما توسع الخلاف بين جعجع والقيادة السورية فيعني إن على أنصار الرجل التحضر لمرحلة تكون فيها علاقتهم مع المخابرات والأجهزة القضائية المرتبطة بها.

كلام منطقي ظهر أثره في الواقع من خلال اصطحاب القوة العسكرية خلافًا للعادة في مثل هذه العمليات كاميرا تصوير فيديو ليبث بالصورة لاحقًا عبر شاشات التلفزة خبر دهم بعض الأمكنة في عيون أرغش وتوقيف أربعة أشخاص كانوا مسلحين، قبل إطلاق اثنين منهم، والعثور على بعض الأسلحة مع كميات من مادة الحشيشة.

وسرعان ما انطلقت حملة إعلامية مضادة من جانب حزب quot;القواتquot; سخفت الموضوع كليًّا، وروت إن الحادث فردي، والسلاح أيضًا فردي من بقايا الحرب، وإن مطلقي النار حرس ( نواطير) للمنطقة المهجورة في الشتاء، وأن ثمة خلافًا مزمنًا على الحدود والمشاعات بين مالكي عيون أرغش من آل طوق البشروايين وجيرانهم من آل أمهز وغيرهم، أما المخدرات التي حكي عنها فهي تبن حشيشة رماه بعض المزارعين البقاعيين في المنطقة.

وساعد وزير الدفاع الوطني الياس المر في إضفاء الطابع الشخصي على المسألة قائلاً من مقر البطريركية المارونية في بكركي إن quot;لا خلفيات سياسية لحادث عيون أرغش ولا أحزاب معينة تقف وراءه، منتقدًا quot;اعطاء الموضوع حجمًا أكثر من اللازمquot;.

إلا أن الرسالة السياسية إلى جعجع وصلت، وفهمها وإن آثر عدم التطرق إليها إعلاميًا ربما لمعالجتها وإعادة تقويمها على مستويات متعددة، فهو لا يمكنه بحسب المرسلين أن يواصل سياسة quot;إحراجquot;، في حين يبدي رئيسا الجمهورية والحكومة سليمان والحريري كل ليونة مع ما تتطلبه إقامة علاقات quot;مميزةquot; بدمشق مرورا بما تتمسك به من تأييد لسلاح المقاومة، أو quot;حزب اللهquot; الذي تختلف طريقة التعامل معه بين الرئيسين.

ويلاحظ في هذه الحقبة جنوح لدى الرئيس سليمان إلى إعلان تأييده إعلاميًا هذا السلاح والتمسك به، بينما يبقى الحريري في موقع القائل بأن هذا الموضوع يخضع للبحث على طاولة الحوار، في حين انتقل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط في هذا الشق تحديدًا إلى تأييد وجهة النظر الداعية إلى إبقاء هذا السلاح الذي يشكل quot;خط التماسquot; بين منطقين واصطفافين في لبنان.

وفي الرسالة أيضًا التي تلقاها جعجع إن تركيبة المؤسسات الأمنية والقضائية التي أنزلت به وبحزبه أشد العقوبات والملاحقات منذ بداية التسعينات حتى العام 2005 لم تتغيّر في الجوهر والتوجه، بل بقيت هرميتها كما هي وإن تغيرت بعض أسماء المسؤولين في بعض القطاعات، ويمكن لهذه الأجهزة التي كانت شديدة الإلتصاق بسياسات دمشق في لبنان، أن تعيد ما كان من ملاحقات إذا سنحت الظروف مرة أخرى، وإذا لم يحصن حزب quot;القواتquot; نفسه بمزيد من التحالف مع اللبنانيين المسلمين الآخرين، وبعدم التحوّل رأس حربة وحيدة ونافرة ومخالفة كليا للأجواء السائدة، من غير أن يعني ذلك رفع العلم الأبيض، خصوصًا أن جعجع هو أكثر من يعرف أسلوب المخابرات في التعامل مع quot;الخصومquot;، وإلى أين يمكن أن تؤدي مواجهة غير متكافئة معها، وبالتالي لن يفتح quot;معركة إعلاميةquot; معها حتى لو توافرت بين يديه كل الأسباب والمبررات.

على هذه القاعدة يرجح أن يتراجع الجدل بين quot;القواتquot; وquot;حزب اللهquot; خصوصًا في الأيام الآتية، علمًا أن جعجع تحدث عنquot; حملة من خارج الحدود تشن عليناquot;quot;، معتبرًا ان quot;من يقوم بهذه الحملة هم من العملاء الذين لم يشبعوا عمالة طوال 10 سنوات، والعمل السياسي لبعض قائم على التظلم والتجني وفبرآة الاخبارquot;، ودعا الى ان quot;تكون المواجهة سياسية وشريفة وجديةquot;.
مضيفاً: quot;في حال اراد البعض الاقتصاص من القوات فليكن بالحق، والقوات تؤيد تطبيق القانون بكل حذافيره وترفع الغطاء عن اي فرد كانquot;. وسأل :quot;من اين استحصلت هذه الوسائل على معلوماتها ولا سيما أن الشباب الذين اُلقي القبض عليهم ما زالوا حتى الآن في مديرية المخابرات في اطار التحقيق معهم؟ وهذا مؤشر واضح الى التجني الذي تتعرض له القوات من خلال
تسريب اخبار مغلوطة اذ إن هذا يُعد اعتداء على سير المحكمة والتحقيقquot;، لكنه لاحظ ان quot;هناك جهات أمنية رسمية لبنانية مسؤولة عن تسريب المعلوماتquot;.

وطرح تساؤلات متعدّدة حول quot;المنطق المتبع بتوجيه التهمquot;، فقال: quot; كشف عن شبكات تجسس لمصلحة اسرائيل في لبنان ترتبط ثلاث او اربع منها بأشخاص في حزب الله، فهل نتهم على الفور حزب الله بالعمالة مع اسرائيل؟ وهل حزب الله مسؤول مثلاً عن الحوادث والمشاكل التي تحصل في حي الشراونة في بعلبك؟ واذا وجدنا في النبطية مثلاً ١٠ اطنان من الحشيشة فهل اتهم كل اهالي النبطية؟ هذا سيكون تجنيًا عليهمquot;. وأضاف quot;طالبنا مرارًا قيادة الجيش بوضع مركز ثابت للجيش في هذه المنطقة في ظل الاشكالات التي تحصل بين ابناء عيون ارغش وجيرانهم، وهو يتدخل دائماً عند كل اطلاق للنارquot;.

أما النائب علي المقداد، وهو عضو في كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله)، فقال: quot;إننا وأهالي دير الأحمر وعيناتا وبشوات وعيون أرغش عائلة واحدة، وهناك تواصل دائم في الأفراح والأتراح وليس هناك أي مشاكل على الرغم من أن بعضهم لهم آراء سياسية مختلفةquot;. وتساءل عن أسباب وجود الأسلحة في هذه المنطقة من النوع الثقيل والمتوسط، والتي لا توجد إلا عند مجموعات مدربة ومجهزة، إضافة إلى الكمية الكبيرة من المخدرات. وقال: quot;لولا حرصنا والحكمة لكانت المنطقة تعيش حالة غليان، لكن التصرف الحكيم بعيدًا من التجييش فوّت فرصة الغرض من الاعتداء وهو تعكير صفو السلم الأهليquot;.

وقال العضو في الكتلة نفسها النائب وليد سكرية إن quot;منطقة عيون أرغش جرى اعتمادها في فصل الشتاء لتخزين المخدرات والأسلحة لأنها تكون خالية من السكان في هذا الوقت، ومعروف ان هذه المنطقة تعود للقوات اللبنانية أو لمتعاطفين مع القواتquot;، وسأل: quot;هل ان طبيعة الحادثة وكمية المخدرات التي ضبطت هي للتجار أو للقوات اللبنانية؟quot;، وأمل في ان يأخذ التحقيق مجراه.

وتحدث عن مناظير ليلية قيل إنها ضبطت في منطقة عيون أرغش، فقال :quot; لا أظن انها كانت متوافرة في الثمانينات أيام تسلح القوات اللبنانية، واذا كانت حديثة فمعنى ذلك ان هناك عملية دخول سلاح واستعدادات لأعمال قد تكون عنفيةquot;.