على الرغم من ان الانتخابات السودانية نظمت بموجب اتفاق سلام صيغ لتوحيد البلاد فان الوضع في الخرطوم يكشف الانقسامات العميقة في الدولة المنتجة للنفط.

الخرطوم: في وسط العاصمة السودانية نظم حزب المؤتمر الوطني الحاكم عملية انتخابية سلسة يستخدم فيها عروض فيديو ولافتات ومتطوعين يرتدون قمصان دعائية وصفوفا طويلة من أفراد الشرطة وضباط الامن أمام مراكز اقتراع تشهد اقبالا على التصويت. ومن يقود سيارته لمدة 40 دقيقة فقط من وسط الخرطوم سيرى مشهدا مختلفا.

فبالمرور عبر المناطق الفقيرة مترامية الاطراف في ضواحي الخرطوم -والتي تأوي مئات الالاف من اللاجئين من الجنوب ومن اقليم دارفور وأجزاء أخرى من السودان- قد لا يعرف المرء ان البلاد تشهد أول انتخابات متعددة الاحزاب منذ نحو ربع قرن. فأي بارقة من حمى الانتخابات ربما كانت تلوح في الافق أخمدها انسحاب ياسر عرمان مرشح الرئاسة عن الحركة الشعبية لتحرير السودان في اللحظة الاخيرة.

وتقاطع الحركة الشعبية لتحرير السودان معظم الانتخابات في شمال البلاد وتشكو من ان حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر حسن البشير يزور الانتخابات. وقال رجل من المقيمين في مخيم مانديلا بالعاصمة رفض ذكر اسمه quot;انه أمر مخجل انه (عرمان) لم يخض الانتخابات. الان لن أعطي صوتي لاحد.quot;

وقال ناخب يدعى مواويا أحمد ماسا وهو يجلس في كوخ معتم لبيع الشاي في سوق مخيم مانديلا quot;غالبية الناس هنا لا يدلون بأصواتهم. الجميع في سباق مع الزمن لكسب الرزق. الجميع يعرفون انها دائرة مغلقة لحزب المؤتمر الوطني.quot;

وتغطي بضع لوحات دعائية ممزقة للحركة الشعبية لتحرير السودان الواح الكوخ في السوق المتربة لكن يصعب العثور على شخص واصبع السبابة في يده اليسرى ملون بالحبر الاخضر الدال على ادلائه بصوته في الانتخابات.

وقال ماسا وهو طبيب جراح انتقل الى الخرطوم من منطقة بيبور في ولاية جونجلي بجنوب السودان قبل عشر سنوات أثناء الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب quot;قد أدلي بصوتي غدا أو مساء اليوم لكنني سأكون في العمل معظم الوقت.quot; وكانت كلمة quot;بكره (غدا) هي الرد المعتاد من اصحاب الاكشاك الاخرين في السوق لدى سؤالهم متى يعتزمون الادلاء بأصواتهم.

وقال أبو عبيد مولا وهو جالس الى جانب ماسا في كوخ الشاي المعبق بدخان يتصاعد من موقد بخور quot;لا أعتزم التصويت لاي أحد.quot; وأضاف مولا الذي ترجع أصوله لمنطقة جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان التي كانت احدى الساحات الرئيسية في الحرب الاهلية quot;اذا أمكنهم حل مشكلة الاسكان هنا قبل الانتخابات..سأصوت. واذا لم يستطيعوا فلن أفعل.quot;

ولطالما شخص المحللون أحد أسباب الضعف الرئيسية في النظام السياسي بالسودان بتركيز السلطة والثروة في أيدي النخبة القاطنة وسط الخرطوم على حساب المناطق والتجمعات السكانية المحيطة. وأسهم الاحساس العميق بالاستياء بشأن الهيمنة المركزية والتهميش في تغذية الثورات في الجنوب والشرق ثم أخيرا في اقليم دارفور غرب السودان. وانتهت الحرب الاهلية التي استمرت في السودان عقدين من الزمن بتوقيع اتفاق سلام عام 2005 نظمت بموجبه الانتخابات الحالية.

والان يشعر الناجون من الكثير من تلك الصراعات والذين يقيمون في أكواخ مبنية بالطين والقرميد على مشارف الخرطوم بنفور بنفس الدرجة من الانتخابات الجارية. واصطف الناخبون لساعات في وسط الخرطوم في اليوم الاول للانتخابات واتهم مؤيدو المعارضة حزب المؤتمر الوطني بحشد أنصاره ونقلهم بالحافلات الى وسط المدينة في استعراض للقوة.

ومر رجلان وامرأة بخطوات عملية التصويت ببطء في مركز اقتراع في مدرسة مصعب بن عمير بمخيم مانديلا قبل ان تغلق مراكز الاقتراع أبوابها يوم الاثنين. وأدلى اقل من ربع الناخبين المسجلين في المدرسة وعددهم 3419 ناخبا بأصواتهم على مدى يومين.

ونقل مسؤولون احصاءات مماثلة في مركزي اقتراع بمدرسة فاطمة الزهراء في مخيم مايو المجاور. وقال مسؤول في مخيم مانديلا quot;الاقبال (على الانتخابات) ضعيف. لكن هناك الكثير من التجاهل هنا. الناس لا يعرفون الكثير عن الانتخابات. التصويت يجري بسلاسة.quot; وخارج السوق يجلس جيمس (بوند) كوتش قبالة كوخه وأمامه كومة من الملابس المتسخة. وهذا الجندي الجنوبي المتمرد سابقا اصبح في الستينيات من العمر الان ويكسب قوته بغسل الملابس.

ويقول quot;اذا كانت هناك خانة في الاستمارة لسلفا كير فسأدلي بصوتي له.quot; ولسوء الطالع أن سلفا كير زعيم الجبهة الشعبية لتحرير السودان يخوض الانتخابات في جنوب السودان وليس في الخرطوم كمرشح لرئاسة الجنوب فقط. وقال كوتش quot;انها انتخابات مهمة ولذلك ربما أدلي بصوتي على أي حال. ربما غدا.quot;