على خلفية الدعوات إلى تعديل الدستور الكويتيسألت إيلاف عددًا من الناشطين السياسيين الذين رأوا ضرورة التعديل إذا كان القصد منه فقط تطويره إلى مزيد من الحريات والديمقراطية وتحسين العمل التشريعي خصوصًا أن الدستور نفسه أجاز تعديله كلخمس سنوات.

الكويت:على فترات متباينة تنطلق دعوات من نواب أو نشطاء سياسيين على الساحة الكويتية إلى تعديل أو تنقيح الدستور لها أهدافها، وأسبابها، وأسانيدها وتوجهاتها السياسية، والنتيجة أنها لا تجد أصداء أو تتحطم هذه الدعوات على صخرة رفض النواب للمبدأ نفسه، والرفض لأغراض في نفوس النواب ومخاوف من المحاسبة. والدستور الكويتي أسسه ابو الدستور الشيخ عبدالله السالم عام 1962.

ويتضمن مادة تجيز إمكانية تعديله بعد مرور خمس سنوات من صدوره، والآن بعد مرور أكثر من خمس وأربعين عاما لم يمس أو تطرأ عليه أي تعديلات، وعلى الرغم من الدعوات إلى تعديله إلا أنها تكون دائما مشوبة بالحذر وتنظر بريبة من الأهداف الرامية من وراء هذا الطرح، وهناك مخاوف يبديها الشارع السياسي والمهتمين بشأن الحريات والديمقراطية من نشطاء سياسيين وأيضا المواطنين.

وقد شهدت السنوات الأخيرة إطلاق مثل هذه الدعوات كما أقيمت مؤتمرات ونظمت ندوات حول هذه الإشكالية، ولكن دونما نتيجة أو طحين. وفي الأسبوع الماضي أطلق النائب بمجلس الأمة على الراشد دعوته لتعديل الدستور، وأعلن أنه بصدد إعداد مسودة لتعديل الدستور بعد مشاورات مع عدد من النواب المهتمين بهذا الشأن من خلال تصريحات للصحافة المحلية، وأنه بدعوته هذه إعتبرها تبرئة لذمته أمام الوطن والتاريخ وناخبيه.

وقد طرحت quot;إيلاف quot; في هذا التحقيق هذه الإشكالية على بعض الناشطين السياسيين والكتاب على الساحة الكويتية.

تبرئة ذمة

في البداية، قال النائب علي الراشد في تصريحاته الصحفية quot;أن مسألة تعديل الدستور بمثابة مبادرة لتبرئة الذمة أمام من انتخبوني وأوصلوني إلى قبة البرلمان وإلى أهل الكويتquot;، لافتا إلى quot;أن التاريخ سيشهد على هذه المبادرة حتى وإن لم تطبق على أرض الواقع، لطــــالما كان هناك من يعارض هذه الفكرة كونهم يحسبون الدستور قرآنا منزلاquot;.

ولفت الراشد إلى quot;أن المعارضين لتعديل الدستور لا يزيدونني إلا همة وإصرارًا، ولاسيما أن هناك مؤيدين لفكرتي التي قد تكون إيجابياتها ملموسةquot;. ومؤكدًا أنه سيأخذ جميع وجهات النظر والأفكار بالاعتبار في ما خص الموضوع، quot;خصوصًا وان عملية تعديل الدستور تحتاج إلى قرار جماعي نابع من قناعات وأسسquot;.

رفض المبدأ

ومن جهته، قال النائب السابق صالح الفضالة ورئيس منظمة برلمانيون كويتيون ضد الفساد وعضو المجلس الاعلى للتخطيط: في العام 1983 تقدمت الحكومة لتعديل الدستور، وقدمت 16 مادة للتعديل وكنت آنذاك عضوا بمجلس الامة ومقررًا للجنة التشريعية المعنية بالتعديل، وبالتالي رفض المجلس مبدأ التعديل نفسه وليس التعديل، وجاء رفض المجلس انطلاقًا من نص المادة 175 من الدستور الكويتي والتي تنص على التالي quot;الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت ومبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز إقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة، أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواةquot;.

معارضة التنقيح

واوضح quot;أننا ننطلق من هذه المادة، وكما يعلم الجميع أن هذا الدستور ليس قرآنا منزلا، ومن ثم ما لم يكن لمزيد من الحرية والديمقراطية والمساواة، فإنه يصطدم بنص المادة 175 من الدستور، وعليه نحن ضد عملية تنقيح الدستور في هذه الآونة خوفا من أن ينفرط عقد الدستور في ظل وجود نوعية ما من بعض أعضاء مجلس الامة، وبالتالي يتحول مجلس الامة من مجلس تشريعي إلى مجلس شورى، ومضيفًا أن موقفه منذ البداية ضد تنقيح الدستور وحتى عام 1983، والآن لا أظن بل أجزم أن المشكلة ليست في الدستور بقدر ما هي مشكلة في أعضاء مجلس الأمة، بمعنى أن الدستور الكويتي صالح لهذا الزمان والمكان، لكن المشكلة تكمن في بعض أعضاء مجلس الامة الذين لا تنطبق عليهم صفات رجال دولة.

دستور عقيم

واضاف أن الدستور الكويتي هو من الدساتير العقيمة، بمعنى أنه حتى يتم تعديل الدستور لابد من توافق الإرادتين أولا الإرادة الأميرية، ثانيا، الإرادة الشعبية حيث لابد من أن يقر ثلثي أعضاء مجلس الامة بمبدأ تنقيح الدستور، ويقر ايضا صاحب السمو بهذا المبدأ ومن ثم يجري التعديل، ولكن إذا إختلفت الإرادة الاميرية عن اللإرادة الشعبية فلا يتم إقرار هذا التعديل والعكس صحيح.

تعامل مخجل

ومن جانبه، رأى الكاتب الليبرالي سامي النصف أن الحقيقة التي تم التعامل بها مع الدستور مخجلة وذلك خلال الخمسين عاما الماضية، حيث زايد بعضهم حتى على الآباء المؤسسين الذين اوجبوا تنقيح الدستور بعد مرور خمس سنوات من التجربة لسبب بسيط وهو أن دستور الكويت فصل في الكويت، بمعنى أنه لم يكن دستورًا مجربًا سابقًا في بلد آخر ولم يتم تنقيحه هناك.

الديمقراطية الكويتية

وقال: quot;فليعطنا أحد دستور في أي بلد من بلدان العالم أو حتى عبر التاريخ منع تنقيحه، وكل دساتير العالم تعدل تباعًا طبقًا لحاجيات المواطنين في كل بلد، فضلاً عن أنه قد لا يكون الأمر مقبولاً لو أن الطريقة التي مورس بها العمل السياسي في الكويت أصبحت القدوة الحسنة في المنطقة حينئذ قد يدعي البعض أنه ليس هناك حاجة للتعديل، وواقع الحال أن الديمقراطية الكويتية وهي الاقدم عربيًا وخليجيًا في الممارسة أضحت أقرب ألى القدوة السيئة للآخرين حتى شهدنا وراقبنا توقف المطالبات بالديمقراطية في المنطقةquot;.

ممارسات سلبية

ورأى أن هناك ممارسات من جانب النواب تحتاج إلى المحاسبة كحال الإثراء غير المشروع لبعض النواب والتراشق بالألفاظ السيئة، مما إنعكس بصورة سلبية على سمعة المجلس في الكويت وخارجها مما يجعلنا نحتاج إلى تعديلات تتضمن أدوات محاسبة مثل إنشاء لجنة للقيم البرلمانية، إضافة إلى أن الزيادات السكانية الواضحة مابين بداية الستينات وهذه الأيام تجعلنا نطالب بزيادة عدد النواب والوزراء، وهو بالتبعية يحتاج إلى تعديل دستوري.

دورات للنواب

واضاف أن التجربة المعاشة أثبتت أن هناك إنحراف في إستخدام أدوات كالإستجواب مما يجعلنا في حاجة إلى وضع ضوابط دستورية، ولإستخدامه بوضع حد أدنى لعدد المستجوبين فلا يجوز لنائب فرد يمثل نسبة 2% من عدد النواب بمجلس الأامة أن يعطل العمل التشريعي لأسباب خاصة به قد يهدف منها إلى الاكتساب المالي وغيره، كما أثبتت التجربة أيضا إلى الحاجة الماسة إلى دورات إعداد وتأهيل للنواب الجدد، كما أثبتت نفس التجربة حاجتنا لفرض مؤهلات معينة للعاملين مع النائب، بمعنى أن يكون فريق عمله يضم مختصين بالإقتصاد، والتشريع، والمحاسبة، والإعلام، والسياسة، حيث أن أداء النائب مرتبط سلبا أو إيجابا بأداء الفريق المحيط به.

رافضون في السلطتين

وأكد النصف أن أكثر النواب طلبا للإصلاح في السلطة التنفيذية هم الاكثر رفضا للإصلاح في السلطة التشريعية ومحاربة الفساد التشريعي، عبر مواقفهم الرافضة لتعديل الدستور، لأن ما يقال في التصريحات شيء، ومايهدف إليه من تلك المقولات شيء آخر، بمعنى أنه كما ذكرت الشيء المسموح به هو تعديل الدستور لمزيد من الحريات، لكن الخوف الحقيقي لبعض هؤلاء المعارضين لتعديل الدستور هو محاربة الفساد التشريعي وإستحداث أدوات محاسبة للنائب، وهذا مايخشونه خاصة البعض الذي يستفيد ماليا من عدم وجود أدوات محاسبة.

إضافة إلى أن التعديلات قد لا تكون لها صلة على الإطلاق بالحريات عندما نتحدث مثلا عن زيادة عدد النواب والوزراء، وإستحداث أدوات تأهيل وتدريب، وهنا لا دخل بالحريات لا سلبا ولا إيجابًا، وبالتالي دائمًا يرفع شعار الحريات بالتعديل إنما هي قضايا تنظيمية حتى 20% من نسبة التعديل تعتمد على المواد التي ستطرح وهي مواد تنظيمية، ومحاولة الحد من الفساد التشريعي والإثراء غير المشروع للنواب.

دعم تعديل الدستور

ومن ناحيته، قال الناشط السياسي ناصر الشليمي نائب رئيس الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني: quot;إننا في تجمع قوى 11/11 والذي يضم تحت عباءته 19 جمعية وتجمع سياسي من بينها الأداء البرلماني ندعم توجه تعديل الدستور إذا كان لمزيد من الحريات، ومزيد من إعطاء النواب صلاحيات، فضلاً عن أن المشرعين للدستور الكويتي أوصوا بمراجعته كل خمس سنوات وهذا وفق المذكرة التفسيرية.

لكن الدعوة التي أطلقها النائب على الراشد غير مقبولة بتاتا ومرفوضة شكلا وموضوعا لسب وهو ان ما طرحه الراشد بشأن تعديل الدستور لا يمت بصلة لمزيد من الحريات بل بهدف تكبيل الحريات وتقليم أظافر البرلمان، لأن النائب علي الراشد طلب أن يمنح الوزراء حق المشاركة في التصويت على طلب طرح الثقة على وزراء زملائهم وهذا فوق التخيل وغير منطقي، فكيف لوزير سيطرح الثقة في زميل له بالحكومة، فضلا عن ما ذكره الراشد هو تقليص المساءلة السياسية quot;الإستجوابquot; بحيث لا يقدم النائب إستجوابه إلا بموافقة عشر نواب آخرين وهذا يتعارض مع مبدأ الصلاحيات الممنوحة للنواب.

فلاش سياسي

ورأى الشليمي أن دعوة تعديل الدستور الأخيرة، مشبوهة-على حد قوله- تسلب صلاحيات البرلمان وطرحها فلاش، وهو لم يتقدم رسميا بذلك، ومضيفًا كنت أتمنى من النائب على الراشد أن يتبنى قضية إشهار الاحزاب في الكويت تبنٍ كامل، وبدلا من أن يطرح تعديل مواد الدستور أن يعمل على تفعيل بعض مواد الدستور مثل المادة 43الخاصة بشأن تكوين جماعات سياسية والتي لم يصدر بها قانون حتى الآن، وأعتقد أن هذه المادة تدخل ضمن إطار المادة 43 من الدستور، وايضا لو تبنى الرجل تقنين العمل السياسي أفضل من تعديل الدستور بمعنى أن الكتل والجماعات السياسة والبرلمانية غير رسمية ولا تتعاطى ضمن برامج محددة يمكن للنائب التصويت عليها.

دائرة إنتخابية واحدة

وأمل الشليمي من النائب الراشد تبني قانون تحويل الكويت إلى دائرة إنتخابية واحدة، وهذه كلها قضايا أعتقد أنها تحل الإشكالية الموجودة حاليا وتنزع فتيل الأزمة مابين السلطتين، بحيث يكون العمل السياسي ضمن إطر قانونية ودستورية، ومتوقعا أن مثل هذه الدعوات لن تلقى القبول وأن ما أعلنه النائب الراشد ما هو إلا بالون إختبار سياسي خصوصًا أنه محترف إطلاق مثل هذه البالونات السياسية.

أمر مشروع

وفي منظور الناشط السياسي د. ساجد العبدلي أن مسألة تعديل الدستور أمر مشروع داخل الدستور نفسه، وقد نص صراحة على أنه من الممكن تعديله إلى مزيد من الحريات والديمقراطية، وكان محددا بكل وضوح المواد التي لا يمكن مسها أو تعديلها وهي مواد الخاصة بالحكم والإمارة، وهي مواد لا أحد يفكر في تغييرها في أي مبادرة أو طرح لتعديل الدستور، وكل ماعدا ذلك هو عرضة لأن يكون محل تغيير وتطوير إلى ماهو أفضل، وهذا حقيقة لا تتناقض مع المنطق والموضوعية.

فالدستور الكويتي في نهاية المطاف ماهو إلا إجتهاد بشري بعد هذا العمر الطويل، وقد مضى عليه أكثر من 45عاما، وكل إجتهاد بشرى بعد هذا العمر الطويل يكون عرضة لأن يكون قد صار قديما، وبحاجة إلى تطوير وتجديد ووفق هذه القواعد التي طرحها النائب علي الراشد فلا أعارضها من حيث المبدأ، من أي نائب يطرح فكرة تعديل الدستور .


مزيد من الحرية

وتابع إذا أطلقنا على فكرة النائب على الراشد أحكاماً مسبقة ضد هذا الطرح وأقررنا أن هذا الرجل أصبح الآن موال للحكومة أو تحركه أطراف تريد ضرب المعارضة، إلا أن ما هو على المحك الآن هو إن كان المشروع ملائما أو بالفعل يدفع لمزيد من الحريات والديمقراطية، وإن كان ضمن ما أقره الدستور نفسه من ضمن التعديل والتطوير، فلا توجد مشكلة على الإطلاق.

معارضة قوية

وتوقع العبدلي لمبادرة الراشد أن الفريق المعارض والضاغط بعكس هذا الإتجاه سيكون أقوى داخل المجلس لأسباب متعدّدةعلى رأسها أن فكرة تعديل الدستور لا تزال فكرة مخيفة للجميع، والكثير من الناشطين السياسيين، فضلاً عن عامة الناس بمجرد الإقتراب من هذه الفكرة سيكون تفجير للديمقراطية وتدمير لدولة المؤسسات وهذا كلام غير صحيح، ومعتبرًا أن تعديل الدستور وتطويره إلى مزيد من الحريات والديمقراطية يأتي على رأس الحلول لدفع عجلة الكويت سياسيا إلى الإمام.