قلب ونِك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار في بريطانيا الموازين في أول مناظرة تلفزيونية تشهدها البلاد.
لندن: عندما وقف ليلة أمس زعيم العمال البريطانيين غوردون براون، وزعيم المحافظين ديفيد كامرون، ونِك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار جنبا الى جنب في مناظرة انتخابية متلفزة على الهواء مباشرة، كان التاريخ في البلاد يصنع على أكثر من شكل.
فبدءا، كانت هذه هي المرة الأولى التي تستعير فيها المؤسسة السياسية البريطانية تقليد المناظرة الرئاسية الأميركي المتبع منذ حوالي 50 عاما. وللمرة الأولى أيضا أتيح للجمهور توجيه أسئلته مباشرة لزعماء الأحزاب الرئيسية مجتمعين سواء كان ذلك في لقاء متلفز أو غيره. ورغم أن لقاء الزعماء نفسه يحدث كل أربعاء داخل البرلمان في جلسة خاصة تعرف باسم laquo;مساءلة رئيس الوزراءraquo;، فهو يظل شأنا برلمانيا مغلقا أمام الجمهور، إضافة الى أن الأسئلة في تلك الجلسات - وإلى حد كبير أجوبته - تكون معدة سلفا.
ثم كانت هناك سوابق أخرى منها أن زعماء الأحزاب أنفسهم أتيحت لهم في هذه السابقة التاريخية الفرصة لعرض برامجهم والدفاع عنها وتفنيد برامج الآخرين ومساءلتهم على نحو مباشر وأمام أعين الجمهور ومسامعه. ويذكر أن مناظرة الخميس اجتذبت أكثر من 10 ملايين مشاهد. ومن تلك السوابق أن المؤسسة السياسية البريطانية أقرت، للمرة الأولى منذ مولد حزب الديمقراطيين الأحرار ناتجا لاندماج الحزب الحر وحزب الديمقراطيين الاجتماعيين في العام 1988، بأن هذا الكيان الوليد laquo;حزب رئيسيraquo; ويجوز لزعيمه الوقوف كتفا لكتف مع الحزبين التقليديين laquo;العمالraquo; وlaquo;المحافظونraquo;.
وكانت التوقعات التي بلغت شبه الإجماع عليها وسط المراقبين والمحللين قبل المناظرة نفسها هي أن المحافظ كامرون سيخرج منتصرا على غوردون، أولا بسبب الثقل الحزبي وراءه، وتصدره استطلاعات الرأي بفارق لا بأس به أمام العمال وفارق هائل أمام الديمقراطيين الأحرار ثانيا، ولشبابيته وحسن مظهره ثالثا (رغم آن كليغ يشاركه في هذا)، وتعوده على الظهور عبر الشاشة أوقات أكثر من الزعيمين الآخرين، رابعا.
وكانت التوقعات أيضا هي أن براون سيرتكب خطأ فادحا على نحو ما، يتصل إما بتعرية ثغرة مكلِّفة في برنامجه الانتخابي أو بسهو في القول أو زلة في اللسان تطيح ببقية فرصه القليلة في قلب الموائد على المحافظين. وبالنسبة لكليغ، فقد قيل إنه الزعيم الذي يشعر بالعبء الأخف في المناظرة بسبب خفة وزن حزبه على أية حال، وإنه ربما كان، من حيث لا يقصد، عاملا مساعدا لبراون أو كامرون أو كليهما.
ثم كانت المفاجأة. فقد اختطف الديمقراطي الحر laquo;الخفيف الوزنraquo; الأضواء بالكامل، بسبب أدائه laquo;القوي السلسraquo; مقارنة بخصميه. وقد تمكن، على سبيل المثال، من انتزاع عبارة laquo;اتفق مع نِكraquo; سبع مرات من براون. ولم ينجر الى فخ محاولة laquo;استرضائهraquo; من جانب خصميه عندما بدا لهما إنه يسرق مزيدا من الضوء بمرور الوقت، بل مضى للإعلان بجرأة: laquo;انظروا اليهما، كلما تجادلا حول شيء اتضح انهما ينتهجان السياسة نفسها إزاءهraquo;!
وقد عكست استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت بعد المناظرة هذا الأمر بشكل لا مراء فيه، مشيرة الى خروج كليغ منتصرا بفارق هائل على براون وكامرون في أعين الناخبين. فقد أظهر استطلاع أجرته فور انتهاء المناظرة قناة التلفزيون المستقلة laquo;آي تي فيraquo;، التي استضافت هذا اللقاء الأول في استوديوهاتها بمانشيستر، أن كليغ يتمتع بنسبة 43 في المائة من المشاهدين الذين يقولون إن أداءه كان الأفضل، بينما حصل كامرون على 26 في المائة وبراون على 20 في المائة.
وأعطى استطلاع أجرته مؤسسة laquo;يو غافraquo; كليغ الصدارة بنسبة 51 في المائة يليه بهامش بعيد وهو 29 في المائة وبراون بهامش أبعد هو 20 في المئة. بل أن صحيفة laquo;تايمزraquo; نشرت، في وقت كتابة هذا المقال، نتائج استطلاع على موقعها الإلكتروني يعطي كليغ نسبة 61 في المائة وكامرون 21 في المائة وبراون 17 في المائة. وعموما فقد تراوحت بقية الاستطلاعات العديدة المتتالية بين 17 و22 في المائة لبراون، و25 و30 في المائة لكامرون، و37 و61 في المائة لكليغ.
ومن جهتهم اتفق laquo;قارئو لغة الجسدraquo; الذين استضافتهم محطات التلفزيون والإذاعة يمنة ويسرة لتحليل المناظرة من وجهة نظرهم الى إشارات الأيدي وووضع الساقين والكتفين الى آخره، على أن كليغ كان laquo;مرتاحاraquo; وأن كامرون كان laquo;متوجساraquo; وبراون laquo;ناشفا كالحطبraquo;. وبلغ الأمر بصحيفة رصينة هي laquo;اندبندانتraquo; أن يتصدر صفحتها الأولى العنوان الرئيسي laquo;كليغ يحطّم هيمنة الحزبينraquo;.
على أن هذا النصر المدوي لزعيم الديمقراطيين الأحرار في أول مناظرة تلفزيونية من نوعها في تاريخ بريطانيا لا يعني البتة أن حزبه في طريقه لفوز أكثر من تاريخي بانتخابات السادس من مايو (ايار) المقبل. وهذا، على الأقل، لأن الناخبين laquo;التقليديينraquo; يضمنون إما حصول المحافظين أو العمال على الأغلبية البرلمانية. لكن خروج كليغ مظفرا بذلك الشكل يؤكد، بما لا يدع مجالا كبيرا للشك، أن البلاد في طريقها لبرلمان معلّق للمرة الثالثة في تاريخها السياسي الحديث، إذ شهدته فقط بعد انتخابات 1929 و1974.
وبلغت قوة احتمال البرلمان المعلق هذا حد أن الجنيه الاسترليني انخفض في تعاملات صباح اليوم (الجمعة) بنسين أمام الدولار من 1.55 إلى 1.53 دولار.
التعليقات