وصل البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى مالطا في زيارة رعوية مهمة تأتي عشية ذكرى توليه عرش الكنيسة الكاثوليكية. كما تتسم هذه الزيارة الأولى التي يقوم بها البابا إلى مالطا بأهمية خاصة، حيث تعد الأولى التي تلي عاصفة الفضائح المتعلقة بتوّرط بعض القساوسة في اعتداءات جنسية.
المؤمنون يستقبلون البابا في مالطا |
تأتي الزيارة التي يقوم بها البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى جزيرة مالطا على يومين، وهي الزيارة الرسولية الدولية الرابعة عشرة التي يقوم بها البابا منذ بداية حبريته والثالثة لحبر أعظم إلى أرخبيل المتوسط، مصحوبة بتداعيات وخيمة سببتها فضيحة الكهنة الجنسية.
وفي هذا الإطار، تشير quot;التايمزquot; إلى أنه وفي الوقت الذي لا يُبدِي فيه العالم اهتمامًا بزيارة يقوم بها البابا إلى مالطا، إلا أن ما يحدث الآن داخل أروقة الفاتيكان يجعل من تلك الزيارة محورًا للاهتمام. وتلفت الصحيفة اللندنية في الوقت ذاته إلى أن تلك الزيارة، وهي أول نشاط خارجي للبابا منذ أن تم الكشف عن فضيحة الانتهاكات الجنسية التي عصفت بالكنيسة الكاثوليكية، ستتم على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام، التي سبق وأن اتهمها بعض من أنصاره بشن حملة ضده وضد ديانتهم.
ثم تمضي التايمزquot; لتقول إن لعبة quot;الإلقاء باللوم على الآخرينquot; التي انتهجها الفاتيكان خلال الأزمة - بعد أن نسب كل ما يمر به من مشاكل إلى المثليين، ومحرقة اليهود، والإيرلنديين، وحتى الشيطان - تكشف عن وجود أزمة أوسع في النطاق في طريقة تعامل الكنيسة مع الاتهامات التي تحدثت عن تآمرها للتستر على ممارسة الجنس مع الأطفال من قِبل رجال دين. ثم تشير الصحيفة إلى أن المسؤولين بالفاتيكان سارعوا على مدار الأيام القليلة الماضية لإيجاد إستراتيجية متماسكة، في محاولة من جانبهم للسيطرة على الفضيحة التي ألحقت أضرارًا لا حد لها بالمؤسسة الدينية.
وفي تلك الجزئية، تنقل الصحيفة عن أندريا تورنيلي، كاتب سيرة البابا بينيديكتوس السادس عشر والأحبار الآخرين الجدد، قوله :quot; لا تتمثل المشكلة في التداعيات المؤسفة التي نجمت عن المنهاج الذي تعامل من خلاله الفاتيكان مع تلك الأزمة. بل إن المشكلة تكمن في عدم وجود هذا المنهاج من الأساسquot;. ومن جانبها، تقول الصحيفة إنه وفي الوقت الذي يواجه فيه البابا اتهامات بالتستر على انتهاكات جنسية قام بها كهنة بحق مجموعة من الصبية الصغار وقت كان رئيسًا لأساقفة ميونخ في الفترة ما بين 1977 و 1982، وبعد أن أصبح في وقت لاحق رئيسًا لمجمع عقيدة الإيمان في الفاتيكان على مدار 24 عامًا، لم يكن هناك ردّ منسق على تلك المزاعم. ثم تقول الصحيفة إنه وفي حال حدوث كارثة في العلاقات العامة بعالم الشركات ( كتلك التي يشهدها الفاتيكان حاليًا)، فعادة ما يتم اللجوء إلى إنشاء قسم خاص بإدارة الأزمات، بيد أن بيروقراطية الفاتيكان القديمة، وثقافة السرية المتبعة هناك منذ قرون، غير مجهزة لتلبية المتطلبات الخاصة باستراتيجيات الاتصال.
وفي تصريحات أدلى بها مؤخرًا حول هذا المعنى، قال الأب فيديريكو لومباردي، الناطق باسم البابا: quot;لسنا جهة متعددة الجنسيات. فلا يعتقد الكرسي الرسولي أنه من الضروري الرد على كل وثيقة يتم انتزاعها من سياقهاquot;. وعند سؤاله خلال مؤتمر صحافي نادر مع الصحافيين عمَّا إن كانت هناك اجتماعات عاجلة في الفاتيكان حول فضيحة الانتهاكات الجنسية، قالت الصحيفة إن لومباردي بدا مرتبكًا. وبسؤاله عما إن كان يشعر بأن الفاتيكان محاصر، رد بقوله :quot; نصدر توضيحات عندما يتطلب الأمرquot;.
والحقيقة ndash; كما أوضحتها الصحيفة ndash; هي أن الأخبار المتعلقة بتلك الانتهاكات الجنسية تظهر بصورة يومية تقريبًا، وأن الأب لومباردي، 68 عامًا ، يزاول مهام عمله بصعوبة، في الوقت الذي لا يمتلك فيه أي إستراتيجية واضحة أو توجيه من القيادات العليا في الكنيسة. وعوضًا عن ذلك، تُرفَض الأخبار التي تتحدث عن وقوع انتهاكات على يد كهنة باعتبارها quot;قيل وقال تافهquot; أو quot;لغوquot;. وقد شهدت الضجة التي أثيرت حول الفضيحة أبعادًا أخرى، في أعقاب التصريحات الجدلية التي أدلى بها الكرادلة والأساقفة ( بربطهم تلك الأخبار على سبيل المثال بوجود مؤامرة يهودية ). وقد اعترف هذا الأسبوع مدير تحرير صحيفة أوبسرفاتوري روماني، الناطقة باسم الفاتيكان، جيوفاني ماريا فيان، بأن الفاتيكان يعاني من مشاكل في تبادل المعلومات.
ثم تمضي الصحيفة لتلفت في هذا الإطار إلى ذلك التصريح الذي أدلى به الأب لومباردي، عندما عُيِّن ناطقًا باسم البابا، حيث قال :quot; لا أعتقد أن دوري هو شرح تفكير البابا أو توضيح الأشياء التي يُصرِّح بها بالفعل بطريقة واضحة وثرية للغايةquot;. وهو ما علَّقت عليه الصحيفة بالقول quot;إن هذا النهج المسترخي يبدو غير كافي بشكل خطرquot;. وأكدت في غضون ذلك أيضًا أن الأب لومباردي واجه كوارث في العلاقات العامة، تحت مظلة البابا، الذي تسبب في إزعاج المسلمين، واليهود، والأنغيليكيين، طيلة الخمس سنوات التي قضاها في منصبه حتى الآن.
كما اعترف لومباردي بعدم تحدثه إلى البابا بشأن فضيحة الانتهاكات، وإنما تطرق للموضوع مع الكاردينال بيرتوني. وإضافة إلى ذلك، قالت الصحيفة إن البابا لا يتواصل بشكل طبيعي، مثلما كان سابقه، يوحنا بولس الثاني، كما لم يبدأ ككاهن أبرشية، على اتصال بشؤون الحياة اليومية. ويعتبر أسلوبه ناء وأستاذي، ويستمع لعدد قليل من المستشارين، وليس لديه أناس من جميع مناحي الحياة لتناول الغداء أو العشاء، مثلما كان يفعل يوحنا بولس.
وفي الختام، تؤكد الصحيفة على أن مزيدًا من الرحلات الصعبة إلى كلٍ من البرتغال وقبرص وبريطانيا واسبانيا، ستكون في انتظار البابا، بعد انتهائه من زيارة مالطا. وتقول إنه لن يقوى على الارتقاء إلى مستوى التحدي الذي تواجهه كنيسته الآن. في ما يشير صديق البابا السابق والزميل اللاهوتي، هانز كونغ، إلى أنه لا يعتقد أن الفاتيكان سيكون قادرًا على تحقيق الإصلاح المطلوب.
التعليقات