ملف خاص
رحلة في عالم المثليين العرب

يُعامل المثليون في مصر كأي مجموعة خارجة عن القانون. فالمجتمع ينبذهم والأمن يعتقلهم والقانون يحاسبهم مما يدفعهم لإبقاء علاقاتهم في الظل حرصاً على سلامتهم وحفاظاً على حياتهم الأسريّة والمهنيّة.

القاهرة: للمثليين في الخارج جمعيات ومنظمات تدافع عنهم، نال البعض منهم في دول كثيرة حقوق كاملة لدرجة السماح بالزواج لهم، ووصل البعض الآخر الى الحصول على جزء كبير من الحقوق، لكن المثليين في مصر وضعهم مختلف.

فبالرغم من تواجدهم وإنتشارهم بأعداد كبيرة إلا انهم يُعاملون شأنهم شأن أي جماعة خارجة عن القانون اومتطرفة، المجتمع لا يتقبلهم والامن يلاحقهم والقانون يعاقبهم. وبالرغم من التقدم الذي شهده مجال الدفاع عن الحريات وتوسع دائرة الجمعيات المنادية بالحقوق، الا انه لم يسجل حتى الان جمعية واحدة تتحدث بصوتهم.

القليل من الضوء

لكن الملاحظ في الفترة الاخيرة أن كلمة quot;سريةquot; أصبحت لفظاً غير دقيقاً لوصف حياة المثليين في مصر، بالنظر إلى واقع بدأ يفرض نفسه من قبل شباب قرروا كسر التقاليد والخروج عن المألوف وتحدي عادات المجتمع.

فقد بات مألوفا مصادفة مثليي الجنس في الشوارع والميادين والاسواق وكثير من الاماكن العامة بعد ان كانت تتم لقاءاتهم في الاماكن المغلقة، واصبح غير لافت رؤية شابين يبدوان كعشيقين على كورنيش النيل، أو رؤية مراهق يتدلل ببعض حركات الانوثة في الشارع آملاً في سماع كلمة غزل أو إعجاب من آخرين من نفس جنسه.

quot;بيد ان ذلك لا ينصرف على جميع المثليينquot;، كما يقول quot;شريف quot; أحد المثليين، مضيفا في حديث مطول لإيلاف quot;لا زال الحاجز بيننا وبين المجتمع قائم، ولهذا نضطر الى اللقاء بعيدا عن عيون الناس، المجتمع لا يتقبلنا ويعاملنا كمجرمينquot;.

ويضيف الشاب الذي يتولى منصباً مرموقاً في أحد المصارف الاجنبية بالقاهرة انه يلتقي مرة اسبوعيا برفيقه في شقة بالاسكندرية لقضاء اوقات سعيدة، على حد تعبيره، quot;هذه الشقة ليست ملكي ولا ملك رفيقي، بل ملك زميل يشاركنا نفس الميولquot;.

ويرى شريف ان الخبرة السابقة او المنصب الاجتماعي ومدى حساسيته سببا كافيا لابقاء هذه العلاقات في الظل، قائلا quot;التعامل الامني معنا والخبرات المريرة السابقة، مثل ما حدث لزملاء لنا في قضية المركب quot;كوين بوتquot; الشهيرة وسجنهم، دفع المثليين الى العزلة والتكتم على حياتهم، لذلك اماكن تجمعاتنا محدودة وتقتصر على اماكن معينة، في مقاهٍ اونوادٍ اوجامعات او فنادقquot;.

وكانت مباحث الآداب قد داهمت في 11 أيار/مايو2001 ملهى quot;كوين بوتquot; واعتقلت 52 رجلا أدين الكثير منهم بتهم مختلفة منها quot;الفجور في التصرفاتquot; وquot;السلوك الفاحشquot;، وقد تعرض المعتقلين وفق منظمات حقوقية للضرب خلال الاستجواب وأجبروا على الخضوع لفحوصات شرجية quot;لتأكيد مثليتهمquot;.

والمثلية في مصر لا تقتصر على شريحة او طبقة معينة، على حد قول شريف quot;اعلاميون ومشاهير ومهندسون وأطباء ومدرسون ورجال أعمال، وحتى رجال الدين منهم أصحاب الميول الجنسية المزدوجه، ولذلك يتكتمون على ميولهم حفاظاً على حياتهم الاسرية والمهنيةquot;.

ولم يقدم شريف عدد محدد للمثليين في مصر، لكنه أكد أن عددهم كبير، quot;عددنا كبير جداً وبالرغم من ذلك الا اننا نعرف بعضنا البعض جيدا، ونعرف كيف نصل الى بعض من خلال المنتديات والمجموعات وشبكة الانترنتquot;.

ولم تصل ايلاف الى رقم محدد عن عدد المثليين في ظل التضارب بين الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية، ففي الوقت الذي اكدت فيه دراسة للمركز القومي للبحوث أن %12 من الشباب في مصر لديهم ميول quot;جنسية مثليةquot;، قالت احصاءات غير رسمية أن عددهم يتعدى الآلاف، فيما قدرت صحيفة quot;اوبزرفاتورquot; الفرنسية عددهم بحوالى 10 آلاف من أعمار مختلفة وشرائح اجتماعية متباينة.

لكن المثليين يرون ان أعدادهم تتجاوز 100 ألف على مستوى الجمهورية، بحسب تصريح لاحد المثليين حاول تأسيس رابطة غير رسمية تحت اسم quot;الاحباءquot;. وأكد رئيس هذه الرابطة التي تتخذ من مقهى بالقاهرة مقرا لها أن القاهرة توجد بها أكبر نسبة من المثليين ويقترب عددهم من السبعة آلاف، منهم من هو معروف في أوساط دائرة المعارف والأهل بينهم، وبعضهم يحتاط بالكتمان، وتأتي الجيزة ويليها الإسكندرية ثم البحيرة وبعض مراكز الدقهلية والشرقية وسوهاج والمنيا وبني سويف وأسوان وقنا.

وأظهر الموجز العالمي لوباء الإيدز لعام 2009 الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة المشترك بشأن الإيدز ومنظمة الصحة العالمية، أن 6.3% من الرجال الذين يمارسون الجنس مع مثلائهم من الرجال في مصر أصيبوا بمرض الإيدز.

وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني خاص للمثلية إلا ان ممارساتهم تدرج ضمن اتهامات الدعارة والفجور، وتصل العقوبة عن هذه التهمة حسب القانون المصري إلى 3 سنوات، أو غرامة 100 جنيها. وكثيرا ما دخلت السلطات المصرية في مواجهات مع منظمات حقوقية دولية بسبب القبض على مثليين. لكن لم يؤثر الضغط الدولي على الموقف الحقوقي المصري تجاه المثلية الجنسية باعتبارها فكرة تتنافى مع قيم المجتمع وتقاليده المحافظة، ولم يسجل تدخلا للمنظمات الحقوقية المصرية حتى ولو بالشجب والادانه لتعامل السلطات مع المثليين.

ولا يبدو ان سياسة الحكومة في التعامل مع المثليين في مصر ستتغير في المستقبل القريب، حيث اكدت مصر رفضها بقوة لأي توصيات تصدر عن اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان، quot;إذا ما كانت لا تتوافق مع خصوصيتها الثقافية والاجتماعيةquot;. وقال مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية في تصريح له مؤخرا quot;إننا على سبيل المثال سوف نرفض أية توصية بخصوص المثلية الجنسية لأن هذا ضد تقاليدنا وديننا وثقافتنا، فيما سنقبل توصيات وسوف ندرس أخرىquot;.