اثار إقدام حشد غاضب في بلدة لبنانية على الاقتصاص من مصري يشتبه في انه قتل مسنين وحفيدتيهما، عبر ضربه حتى الموت ومن ثم سحبه والتمثيل بجثته امام اعين رجال الشرطة موجة استنكار في الاوساط السياسية والشارع على حد سواء.
بيروت: قتل المصري محمد مسلم (38 عاما) يوم أمس الخميس بعد وصوله إلى بلدة كترمايا اللبنانيَّة (25 كلم جنوب شرق بيروت) برفقة رجال الأمن لتمثيل الجريمة التي ارتكبها بحق مسنين وحفيدتيهما البالغتين من العمر سبعة وتسعة أعوام.
واستنكرت سفارة جمهورية مصر العربية في بيروت، في بيان quot;جريمة قتل المواطن المصري محمد سليم مسلم بعد ان اصبح في قبضة العدالة، والتمثيل بجثته، والذي بثته ونشرته وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، في مشهد يتنافى مع الوجه الحضاري للشعب اللبناني الشقيق، على خلفية كون المواطن المصري مشتبها به في جريمة قتل اخرى، مع تأكيد السفارة إدانتها للجريمة البشعة التي ارتكبت بحق الابرياء الاربعة من المواطنين اللبنانيينquot;. واكدت السفارة على quot;الثقة التي توليها للدولة اللبنانية وسلطاتها المعنية، وبقيامها بما يستلزمه امر هذه القضية من اتخاذ الاجراءات التي من شأنها إحقاق العدالة وتطبيق قواعد القانونquot;.
... بعيدًا عن القانون
مئات الأشخاص الغاضبين أخرجوا المشتبه فيه بالقوة من سيارة الشرطة التي اقتادته إلى المكان، بحسب لقطات صورت بالفيديو وبثتها محطات التلفزة المحلية. وبعد تجريده من ملابسه باستئناء سرواله الداخلي وجرابيه، أقدم الحشد على طعنه وضربه حتى الموت.
واظهرت لقطات مصورة كيف قام الحشد بتعليق جثة محمد مسلم بحبل وقضيب حديدي على عامود للكهرباء في وسط البلدة. الجثّة التي كانت تنزف، بقيت معلّقة لحوالى نصف الساعة وسط هتافات وزغاريد النساء.
حكم الإعدام الذي نفذه أهالي البلدة الغاضبون تمّ أمام أعين رجال الأمن اللبناني، الذين وقفوا عاجزين، بينما سارعت عدسات الفضوليين من الناس إلى التقاط صور للجثّة بهواتفهم الخلويَّة.
وأفادت معلومات أمنيَّة بأنَّ المصري الجنسيَّة كان مشتبها في إقدامه على اغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من عمرها في البلدة نفسها. أضاف المصدر انه توجه الاربعاء الى quot;يوسف أبو مرعي (75 عاما) ليطلب منه التوسط لدى عائلة الفتاة للزواج منهاquot;. وبموجب القانون اللبناني تتوقف الملاحقات بحق مرتكب جريمة الاغتصاب اذا تزوج ضحيته. وقال المسؤول نفسه إن quot;الرجل السبعيني رفض ذلك ما دفع محمد مسلم الى طعنه حتى الموت قبل ان يقتل زوجته كوثر (70 عاما) وحفيدتيهماquot;.
وأثبتت تحاليل الحمض النووي الجمعة ان الدماء التي وجدت على قميص الرجل، والسكين التي عثر عليها في منزله، تتطابق على الضحيتين.
رئيس الجمهوريَّة يوجّه بمعاقبة المرتكبين
الحادثة أثارت موجة استنكار في الاوساط السياسية والشارع على حد سواء، بينما تباينت الآراء حولها في الصحف المحليَّة.
وأدان رئيس الجمهوريَّة ميشال سليمان quot;قتل المتهم بجريمة كترماياquot; واعطى توجيهاته الى وزيري الداخلية زياد بارود والعدل ابراهيم نجار quot;بوجوب ملاحقة المرتكبين وإنزال العقوبات الصارمة بحق المقصرينquot;، حسبما ورد في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية. واعتبر سليمان quot;إنه رغم بشاعة الجريمة التي نفذها المتهم وقبضت عليه القوى الامنية في اقل من 24 ساعة، فان التصرف الذي حصل يسيء الى صورة لبنان خصوصا ان الدولة لم تقصر في كشف الفاعلquot;.
وزير العدل... الحادثة طعنة للدولة ومؤسساتها
من جهته، قال نجّار quot;مهما كان جرح الاهالي عميقا لا شيء في العالم يمكن أن يكون اساسا قانونيا لردة الفعل الجماعية التي حصلتquot;. اضاف أن ردة الفعل هذه quot;ستنعكس سلبا على صورة لبنان في العالم وستحطم ما تبقى من هيبة للقضاء والقانون والامن في لبنان وتعطي اشارات يرفضها العقل البشريquot;. تابع أن quot;السلطات القضائية تمتلك أسماء عشرة اشخاص من الذين قاموا بهذه الجريمة البشعة (...) وثمة اجماع على ضرورة الملاحقة وان يقوم القضاء بواجباتهquot;.
ورأى نجار quot;الحادث لا يقل خطورة عما سبقه من أعمال همجيةquot;، في اشارة الى مقتل المسنين وحفيدتيهماquot;. وقد عثر عليهم مقتولين بطعنات سكين. واكد الوزير اللبناني ان الحادث quot;يجب الا يمر مرور الكرام (...) ودولة المؤسسات لا يمكن ان تقبلquot; بذلك.
الأهالي: ماذا تنتظرون في لحظة غليان؟!
وقال احد سكان كترمايا quot;سنفعل الامر نفسهquot;. وأضاف آخر quot;ماذا تتوقعون عندما تجلب الشرطة المشبوه في لحظة ينتظر فيها الاهالي الجنازة ويغلون غضبا؟quot;.
إجراءات مسلكيَّة بحقّ الضباط
واتخذ مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي بحق الضباط المعنيين quot;اجراءات مسلكية بسبب ارتكابهم خطأ جسيما في سوء تقدير الموقف الميداني ولعدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمشتبه فيه في هذه الجريمةquot;.
quot;زمن الهمجيَّةquot;
وتباين أسلوب تعاطي الصحف المحليَّة مع الحادثة. صحيفة quot;لوريان لوجورquot; التي تصدر باللغة الفرنسية عنونت quot;زمن الهمجيةquot;، بينما علقت صحيفة الاخبار ان quot;هذا العمل الوحشي لا مثيل له الا في دول تحكمها شريعة الغابquot;. واضافت ان quot;حشدا قتل من الناس محمد سليم مسلم وقتلوا معه العدالة وهم يفاخرون بتحقيقهاquot;. واشارت الى ان quot;النيابة العامة لم توقف أحدا حتى ساعة متأخرة من ليل امس (الخميس) ولم يصدر عنها او عن وزارة العدل ما يوازي حجم الجريمة وبشاعة الصورة المذلة للبنان وللدولة ومؤسساتهاquot;.
هل من مبرّر لسقوط المحرّمات؟
لكن ماذا لو أنَّ جريمة أخرى وقعت في بلدة أخرى، هل يقوم الأهالي بالاقتصاص بأنفسهم؟ يقول ملمح شاوول استاذ علم الاجتماع إنَّ quot;الثأر راسخ في الاوساط الريفية اللبنانيةquot;. يضيف quot;لكن ما جرى هو انتقام في وضع حلت معه دولة القانونquot; بجرائم بقيت من دون عقاب منذ سنوات. وتابع ان quot;الناس يقولون quot;اذا الدولة لا تستطيع معاقبة المذنبين فسنحقق العدالة بانفسناquot;، مؤكدا ان quot;المشكلة ان الكثير من المحرمات تسقط بذلكquot;.
التعليقات