أسهمت الأزمة اليونانيَّة في تسرب مشاعر الدفء إلى علاقة البلاد مع تركيا، ما قد يتيح تقليص تركيا لنفقاتها العسكريَّة لليونان، جارتها ومنافستها، أن تحذو حذوها وتخفض دَينها الكبير، لكن الحكومة التركيَّة المنبثقة من التَّيار الاسلامي ليست صاحبة القرار وعليها أن تبحث الأمر مع العسكريين.

أنقرة، أثينا: وصفت مجلة تايم الأميركية الأزمة اليونانية بكونها أسهمت في تسرب مشاعر الدفء إلى علاقة البلاد مع تركيا، مشيرة إلى زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الجمعة الماضية على رأس وفد كبير إلى أثينا، وذوبان الجليد بين الجارين المتخاصمين.

وأضافت تايم أن أردوغان اصطحب معه أكثر من ثلاثمائة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال، مما اعتبره قادة البلدين بداية لتعاون تاريخي جديد. وبينما قال أردوغان في مؤتمر صحافي مشترك إن المؤرخين سيدونون أن حضارتين عريقتين أو دولتين فاعلتين بدأتا طريقهما نحو السلام والصداقة، رد نظيره اليوناني جورج باباندريو بوصف اليونانيين والأتراك بكونهما شعبين اشتركا معًا في تناول الخبز.

ومضت تايم إلى أنه على الرغم من أن الأوقات العصيبة لأي أزمة اقتصادية شأنها القرع على طبل القومية، فإن باباندريو كسر حاجز الأنباء الاقتصادية التي تشغل بلاده ليعلن عن تقاربها مع عدوها التاريخي.

وفي اجتماع مشترك ضم عشرة وزراء أتراك من مرافقي أردوغان، عقد الطرفان 21 اتفاقية ثنائية في مجالات تراوحت بين السياحة والهجرة غير الشرعية والتعاون الاقتصادي. وقال رئيس الوزراء اليوناني إن ما وصفها بقمة البلدين من شأنها أن ترسي قواعد السلام والتعاون بينهما، على الرغم من مشاكل الماضي واختلافاته.

وأشارت تايم إلى أن ماضي البلدين يلقي بظلال ثقيلة على الجارتين، حيث خضعت اليونان لأربعمائة عام من الحكم العثماني، وحيث خطت الدولتان الحديثتان تاريخًا عصيبًا ونكدًا في القرن العشرين تمثل في الحرب والتطهير العرقي وعدم الثقة المتبادلة.

وبينما تشترك تركيا واليونان في عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ما انفك البلدان يتصادمان في اشتباكات جوية فوق بحر إيجه، في ظل نزاعهما بشأن حدود المياه الإقليمية. وأما بؤرة الصراع الأكبر بين البلدين فتتمثل في قبرص حيث ينقسم شعبيهما، وحيث العقدة الكأداء أمام السعي التركي الدؤوب للانضواء في الاتحاد الأوروبي.

ومضت المجلة إلى أنه على الرغم من أن قمة الجمعة بين أنقرة وأثينا اتصفت ببعض أجواء المشاعر الدافئة وغير الواضحة والبعيدة عن اتخاذ القرارات الصلبة الثابتة، فإنها اتسمت في الوقت نفسه بالصراحة ما بين قائدي البلدين، مشيرة إلى المخاوف الجدية التي أعلنها باباندريو بشأن احتمال قيام تركيا باحتلال إحدى الجزر اليونانية

إلى ذلك، تساءل الجامعي جنغيز اكتار quot;ماذا ستكون فائدة الجيش التركي الرابعquot; اذا انجزت انقرة واثينا المصالحة بينهما؟. وقال داود اوغلو في بداية نيسان/ابريل quot;نريد بناء علاقاتنا وفق مفهوم جديدquot;، لافتا الى انه بحث مع دروتساس خفض النفقات العسكرية للبلدين. واضاف انه حين يبني البلدان معا quot;مستقبلاً مشتركًا، فإن موجبات الدفاع ستزول لدى الجانبينquot;.

واعلن دروتساس ان البلدين سيجهدان لمعالجة الخلافات بينهما حول الاراضي. وقال اكتار المتخصص في الاتحاد الاوروبي في احدى جامعات اسطنبول ان quot;خفض (النفقات) العسكرية لدى الجانبين سيكون على جدول الاعمال خلال زيارة اردوغان، والجميع سيكونون رابحينquot;.

وخاضت اليونان وتركيا نزاعات استمرت قرونا وكاد البلدان ان يخوضا مواجهة جديدة العام 1996 بسبب السيادة على جزر صغيرة في بحر ايجه. وثمة خلاف بينهما ايضًا في شأن قضية قبرص. واقر اخيرًا وزير الدفاع اليوناني ايفانغيلوس فينيزيلوس الذي تواجه بلاده ازمة مالية غير مسبوقة بان quot;كلفة التسلح تقيد اليونان في ضوء التهديد التركيquot;.

وللعام 2010، رصدت اليونان ستة مليارات يورو لنفقاتها الدفاعية ما يوازي 2,8 في المئة من اجمالي ناتجها الداخلي، وهي نسبة من بين الاعلى في الاتحاد الاوروبي. وفي تركيا التي تحتل المرتبة الثانية داخل الحلف الاطلسي لجهة عديد جنودها، شكلت هذه النفقات 1,8 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي العام 2008. ويعزو الجيش التركي قسمًا من نفقاته العسكرية الى التصدي للمتمردين الاكراد.

وكان وزير الشؤون الاوروبية التركي عجمان باغيس قد اعتبر في نهاية اذار/مارس ان quot;احد اسباب الازمة الاقتصادية في اليونان يكمن في محاولاتها منافسة تركيا على صعيد نفقات التسلحquot;، داعيًا الى عمليات خفض متبادلة.

لكن المحللين يذكرون بان هيئة اركان الجيش في تركيا هي التي تبت هذا الامر، وليس السياسيين. واوضح المحلل سيدات لاجينر ان quot;الحكومة والبرلمان لهما الكلمة الاخيرة على الورق، ولكن في الواقع وحتى الاونة الاخيرة، كان الجيش وحده هو الذي يقررquot;.

ولاحظ اكتار ان quot;العسكريين هم اليوم اسياد هذا المجال، ولكن ثمة تطور يسلك الاتجاه الصحيح (...) انظروا كيف يتم تعديل الدستورquot;. وسبق للجيش التركي صاحب النفوذ القوي ان اطاح باربع حكومات خلال نصف قرن، لكن المعطيات تغيرت بالنسبة اليه منذ تولى حزب العدالة والتنمية الحكم العام 2002.

فمنذ عام، اتهم عشرات العسكريين الكبار بالتامر على النظام. واطلقت الحكومة عملية اصلاح للدستور من شانها زيادة الرقابة على العسكريين في اطار نزاع ضمني بين سلطة سياسية منبثقة من التيار الاسلامي وهيكلية عسكرية تعتبر نفسها المدافع الاول عن العلمانية في تركيا. وعلق اكتار quot;بات الجيش اكثر فاكثر تحت رقابة السلطة المنتخبة (...) ومن غير الوارد ان يقرر الجيش وحده في موضوع النفقات العسكرية في ضوء انسحابه المتزايد من الحياة السياسيةquot;.