توافق عدد من الخبراء على ان مجلس التعاون الخليجي هو افضل المنظومات العربية خصوصًا أنّ أهدافه قد تحققت جزئيًا، على الرغم من أن قوانينه ونظمه بحاجة إلى تعديل لكي تصبح أكثر الزامًا، متمنين أن يتم تعزيز التعاون في المجال العسكري أوّلاً ليلحق به الاقتصادي والسياسي.

الكويت: مرت الذكرى التاسعة والعشرين على تأسيس مجلس التعاون بين دول الخليج العربية -أو مايعرف بمجلس التعاون الخليجي- بهدوء شديد ومرور الكرام إذ لم تتناوله الوسائل الإعلامية في الدول الأعضاء الست من صحافة وإذاعة وتليفزيون بالقدر الكافي أو بمستوى الحدث. ويعتبر المراقبون أن مجلس التعاون الخليجي من أنجح الأنظمة الإقليمية العربية التي عرفها العالم العربي في العصر الحديث، مقارنة بالمحاولات الوحدوية الفاشلة مثل الوحدة بين مصر وسوريا العام 1958 والتي لم تستمر سوى ثلاث سنوات فقط ، وأيضًا التجمعات الإقليمية مثل مجلس التعاون العربي الذي لم يستمر بين مصر والعراق والأردن، والإتحاد المغاربي العربي الذي يتعثر في خطواته بسبب الخلافات المغربيةndash;الجزائرية.

والآن بعد مرور ثلاثة عقود تقريبًا على تجربة مجلس التعاون الخليجي ماهو تقييم الخبراء الإستراتيجيين لهذه التجربة؟ وما هي أبرز إنجازاته؟ وهل حقق كل طموحات المواطن الخليجي؟ وما هي أبرز المعوقات والتحديات التي تواجهه؟ وماذا عن الخلافات السياسية والحدودية التي قد تطرأ بين الحين والآخر بين بعض الدول الاعضاء؟ وما هو المنظور المستقبلي لهذا التجمع الخليجي؟
هذه التساؤلات وغيرها طرحتها إيلاف على بعض الخبراء والمتخصصين في السياسة والشأن الخليجي. فماذا قالوا؟

الأكثر إنجازًا

في البداية قال الكاتب والمحلل السياسي سامي النصف إن القضية أكثر تعقيدًا من أن نقيسها بمقياس النجاح المطلق أو الفشل المطلق. وإذا أردنا أن نقارنها بالتجمعات الإقليمية الأخرى التي كانت في المنطقة مثل حلف بغداد إلى مجلس التعاون العربي والإتحاد المغاربي العربي، وحتى إنجاز الجامعة العربية سنجده أكثر فعالي من هؤلاء مجتمعين. وإذا ما قارناه بالإتحاد الأوروبي سنجد ان الأخير إحتاج إلى ما يقارب النصف قرن حتى وصل إلى ما هو عليه. وبالتالي وفي هذا المقياس الواقعي نجد أن إنجاز مجلس التعاون يظل ضمن المعطيات المحيطة إنجازًا جيدًا. وأكثر من ذلك لو إستعجل الحكام الخليجيون بالدفع بوحدة إندماجية لربما تخلّت الشعوب عن تلك الوحدة المستعجلة، كما حدثت في الوحدة المصرية ndash;السورية العام 1958 التي لم تستمر سوى ثلاث سنوات.

واقعية ومصارحة

ومن جانبه قوم الخبير الإستراتيجي عبدالكريم الغربللي هذه التجربة quot;بشيء من الواقعية والصراحة بعيدا عن الطموحات التي ليس لها حتى الآن على الأقل مايدعمها: فعلى مستوى القانون الذي ينظم العمل بين الدول الأعضاء الست فهو يحتاج إلى تعديل وتطوير لكي يصبح أكثر إلزامًا للدول الاعضاء، وذلك من خلال تعديل نظامه الأساسي بحيث تكون قراراته ملزمة للدول الأعضاء متى اتخذت على مستوى القمة وعلى حساب النظام الأساسي المتفق عليه وبما لا يتعارض مع دستور كل دولة، فضلاً عن ضرورة توفير برامج تنموية مرحلية لقياس التقدم المنجز من عدمه. إذ لا يعقل أننا ما زلنا نتحدث عن شبكة مواصلات بين دول المجلس بما فيها القطارات ومشاريع أخرى مازالت على الورق على الرغم من مضي فترة زمنية طويلة وتوافر قدرة مالية كبيرةquot;.

اهداف محققة جزئيًا

ومن جهته، رأى الأكاديمي والمحلل السياسي د.عايد المناع أن أهداف المجلس قد تحققت جزئيا وأصبح بإمكان المواطن أن يتملك في دول الخليج متمتعًا بحرية الإنتقال. ورأى أن مجلس التعاون الخليجي هو أفضل من المنظومات العربية المشابهة مثل الإتحاد المغاربي العربي إذ إنه مازال على قيد الحياة، ومازال القادة والوزراء والمسؤولين يلتقون في قمم وإجتماعات مستمرة، وبالتالي قد تكون حركة المجلس نحو تحقيق أهدافه بطيئة جدًا، ولكنها ليست متوقفة وهذا في حد ذاته إيجابي، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد صيغة إتحادية سياسية في شكل فيدرالي أو كونفيدرالي.

حلف عسكري

من جهة أخرى بيّن النصف أن واقع الحال يوضح أن الإنجاز الخليجي كبير وقد توج بتسخير الدول الخليجية أرضها وماءها وسماءها لتحرير الكويت أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهذا الامر لا يعني أن الدول الخليجية لا تحتاج إلى مزيد من التعاون. ولربما من الأفضل أن يتم تعزيز التعاون في المجال العسكري كما حدث في أوروبا عندما أسس حلف الناتو كبداية عسكرية للتقارب بين دول غرب أوروبا ثم لاحقها مشروع السوق الاوروبية المشتركة التي قاربت بين تلك الدول إقتصاديا، ثم في نهاية المطاف جاءت الوحدة الأوروبية التي ابقت خصوصية كل دولة. فلا زالت بريطانيا تحكم بأحزابها وقياداتها نفسهاوالحال كذلك مع فرنسا وأسبانيا وغيرها. ولهذا الطلب أن يترجم باشكال متعددة منها الحلف العسكري أو قيام عمليات تنسيق تامة بين جيوش الدول الست في ما يخص شراء المعدات والتدريب وإجراء مناورات سنوية كما هي الحال إبان حلفي الناتو ووارسو.

تنسيق وتوحيد

وإتفق الغربللي مع النصف بشأن الجانب العسكري وقال: quot;مازال مجلس التعاون الخليجي يحتاج إلى خطوات أكثر حزمًا، أي سرعة في التنسيق والتوحيد في الإستراتيجية والعقيدة القتالية كي تلبي الإحتياجات الأمنية لدول مجلس التعاون بشكل عام بمعنى ألا تفكر كل دولة بمفردها. مضيفًا أن الوحدة السياسية أمل كل مواطن في دول مجلس التعاون، وأن تكون هناك وحدة خليجية بين دوله الست تحت علم واحد ودستور واحد يلبي الإحتياجات الديمقراطية وحرية الفكر وضمان المشاركة الشعبية المباشرة في الحكم من خلال أنظمة ديمقراطية وإنتخابات حرة ومباشرة، وبذلك يضمن إستقرار هذه الدول على المدى المتوسط والبعيد.

قوة عسكرية ضاربة

ومن ناحيته، أشار المناع إلى أن دول الخليج ليست مثل الأتحاد الأوروبي وأعضائه فالمجموعة الاوروبية لا يجمعها غير المصلحة حيث تختلف لغويا ودينيا وتارخيا وخاضت حروبا في الحربين الأولى والثانية بين بعضها البعض. أما هنا فكل العوامل والقواسم المشتركة بيننا تجمعنا لكن تفرقنا المصالح السياسية، وإذا تحققت الوحدة الإقتصادية أولا وتحققت للشعوب الخليجية مصالحها الإقتصادية سنجدها تحرص على قيام الوحدة، لكن هناك حاجة ملحة وضرورية إلى قوة عسكرية ضاربة وذلك لأن هذه المنطقة إستراتيجية وحيوية ومستهدفة، وبالتالي لابد أن يكون لها دور كبير في حمايتها.

آثار سلبية

وحول تجميد مشروع الوحدة النقدية الخليجية رأى النصف أن المعضلة الإقتصادية أثبتت أن الإستعجال بالوحدة النقدية لها آثارها السلبية، ونعلم الآن أن هناك إشكال كبير ضمن الإتحاد الأوروبي على خلفية الأزمات الإقتصادية التي تعصف باليونان ومرشحة كلا من أسبانيا والبرتغال باللحاق بها، وهذا الأمر جعل الدول الخليجية وبحكمة بالغة تؤجل عملية الوحدة النقدية، مضيفًا quot;لهذا السبب أرى أن ما هو متاح وما هو ضروري جدًا أن تقدم الوحدة العسكرية قبل الوحدة الإقتصادية أو السياسية بحيث تأتي بعدها الوحدة الإقتصادية في يوم ما، ثم الوحدة السياسية في نهاية المطافquot;.

التكامل الإقتصادي

وفي منظور الغربللي، يجب ان تدرس خطوات التكامل الإقتصادي بطريقة موضوعية علمية، وأقصد بالذات مشروع العملة الخليجية الموحدة الذي صرف النظر عنه من واقع التجربة التي عاشها الإتحاد الأوروبي وبالذات في اليونان والمرشحة لإنتقالها إلى أسبانيا والبرتغال وإيطاليا.

سياسات مستقلة

وفي ما يتعلق بالخلافات الخليجيةndash;الخليجية التي قد تطرأ بين بعض أعضاء المجلس بيّن النصف أن الدول الأعضاء الست لها سياسات مستقلة وتطلعات وقد تتفق في كثير من الأمور وقد تتباين على القليل منها، والجميل في هذه التباينات الخليجية أنها لا تتسبب لا بحروب بينها ولا بسحب سفراء ولا بإغلاق حدود ولا بتوقف التجارة البينية، ولا تمنع اللقاءات السياسية بين القادة، وفي الأغلب وإن لم نقل في جميع الأحيان تنتهي الخلافات بحلول.

مفهوم الأسرة الواحدة

وبدوره أكد الغربللي أن الخلافات في الرأي أو وجهات النظر بين الدول الست لا ترقى لأن تكون مصدر إنزعاج كما يتمنى أعداء العروبة والإستقرار بدليل أنه مهما حدثت الخلافات سواء على مقر المصرف المركزي الخليجي أو شخصية الأمين العام الجديد للمجلس، وايضا مشروع الوحدة النقدية الخليجية، كل ذلك تم إحتوائه بمفهوم البيت الواحد والأسرة الواحدة بعيدًا من النزاعات، ومتمنيًا ألا تحدث مثل هذه الامور من خلال المشاركة الشعبية والديمقراطية وعدم الإنفراد بالرأي وإتاحة الفرصة للشعوب بأن تمارس مسؤوليتها.

التعاون والتنسيق

وبشأن منظوره لمستقبل مسيرة مجلس التعاون الخليجي يعتقد النصف أنه نظرا لأن الدول الخليجية دولاً صغيرة بالنسبة إلى جيرانها فلن تجد إلا التعاون والتضامن والتوجه إلى تنسيق المواقف في سياساتها الخارجية والدفاعية كوسيلة وحيدة للدفاع عن الذات، وعلى دولنا الخليجية أن تبدأ بتقديم التضحيات القطرية في سبيل إنجاح العمل الجماعي الخليجي.

لا تغيير

أما الخبير الإستراتيجي الغربللي فرأى أنه لا يلوح بالأفق أي تغيير كبير في إستراتيجية المجلس quot;إلا إذا حدثت مثل ما تمنيت أن يحدث من تغيير في نمط إدارة الحكم في مجلس التعاون ومشاركة الشعوب في إتخاذ القرارquot;.

مزيد من التقارب

وأعرب المناع عن تفاؤله لمستقبل الخليج، مؤكدًا أنه ليس أمام القادة الخليجيين إلا التفكير بالمزيد من التقارب، معتبرًا أن هذه الأمة مجزأة وعرضة للإستهداف مالم يتم شملها وتوحيد أجزائها والتضحية بالمصالح الآنية والذاتية لكل دولة.