خلال عملية مطاردة راؤول موت (يمين)

تنفست بريطانيا الصعداء السبت مع إسدال ستار الختام على فصول درامية استحوذت على انتباه الأمة وأخافتها أسبوعا بأكمله.

شهدت مقاطعة نورثامبريا بأقصى شمال شرق انكلترا، وجارتها المتاخمة كمبريا جريمتا قتل جماعي مروعة اختلفت فيها الأحداث الا ان النتيجة كانت واحدة. بطل الدراما الأخيرة قاتل عملاق الجثة مفتول العضلات يدعى راؤول موت، كان سجينا وشن حربًا على الشرطة بعد نيله حريته انطلاقًا من ظلمها له، حسب موت، ومن اعتقاده ان شرطيًا اختطف منه صديقته أثناء فترة سجنه.

وخلال حملته المسعورة ضد الشرطة أولا والجمهور العريض ثانيا، شهدت بريطانيا أكبر حملة مطاردة من نوعها بدأت بتدفق قوات الشرطة والقنّاصين على المنطقة من ست مقاطعات، ثم انضمت اليها quot;وحدة القوات الخاصةquot; التابعة للجيش والمسماة في بريطانيا quot;الخدمات الجوية الخاصةquot; (SAS)، إضافة الى العربات المدرعة والمروحيات المزودة بآخر ما توصلت اليه تكنولوجيا السبر الحراري.

وطوال أيام المطاردة التي غطت أكثر من 150 كيلومترًا مربعًا أغلقت قوات الأمن عمليًا قرية روثبيري بأكملها بعدما وصلتها معلومات عن وجود القاتل قريبًا منها، وحظرت على سكانها الخروج من منازلهم يومين على الأقل، ثم سمحت لهم بالخروج ولكن داخل القرية نفسها، وليس الى المناطق المحيطة بها. واستمر هذا الوضع العسير المثير سبعة ايام انتهت بمحاصرة القاتل على ضفة نهر قريب من القرية لفترة ست ساعات انتهت بإطلاقه النار على نفسه.

فصول الدراما
اطلق سراح راؤول موت (37 عاما)، وهو من سكان نيوكاسيل، من سجن quot;دارامquot; بعد فترة قصيرة فيه أمضاها مداناً بالاعتداء الجسدي. وفور خروجه بدأ بالبحث عن كريس براون (29 عاما) وهو شرطي نما الى علمه أنه quot;اختطفquot; منه صديقته سامانثا ستوبارت التي يُعتقد أنها والدة ابنته.

وفي الثالث من الشهر يعثر موت على براون ويطلق عليه النار فيرديه قتيلا في قرية بريتلي، وبعد قليل يطلق النار مرتين على سامانثا نفسها فيصيبها بجراح خطيرة في بطنها في القرية نفسها. الشرطة تعلن أن الحادثين وقعا بدافع الثأر الشخصي وتبدأ حملة واسعة للقبض على موت. ولاحقا في اليوم نفسه يطلق المجرم الهارب النار على شرطي في غرب نيوكاسيل ويتصل لاحقا بالشرطة عبر رقم الطوارئ 999 معلنا أنه سيتصيّد أفرادها الواحد بعد الآخر.

أكبر مطاردة من نوعها
من هنا تبدأ المطاردة الدرامية الأكبر من نوعها في تاريخ بريطانيا الحديث من حيث تعدد القوات والأسلحة والتكنولوجيا والرقعة المتصلة بها. وتعلم الشرطة لاحقا أن موت ارتكب نهبا مسلحا في مطعم صغير بقرية روثبيري فتصبح هذه القرية هي بؤرة عملياتها.

وبعد يومين تعثر الشرطة في الأحراج المحيطة بالقرية على خيمة مهجورة قالت إنها تعود الى موت. وفي هذا الوقت تستعين بالقوات الخاصة وبعربات الجيش المدرعة ومروحيات السبر الحراري في خطوة لا سابق لها.

وفي اليوم التالي تعلن عثورها على ثلاثة هواتف محمولة وتستخدم التكنولوجيا المتاحة لتتبع تحركاته حتى لحظة هجره أو فقده هذه الهواتف وأيضا لاعتقال شخصين بتهمة التستر عليه والتآمر معه لارتكاب جريمة قتل، موت نفسه يعلن أنه يعتبر الآن الجمهور العريض هدفًا مشروعًا له بالإضافة الى أفراد الشرطة مثيرا موجة من الهلع في قرى المقاطعة وبلداتها.

ومساء الخميس يبلغ بعض سكان روثبيري أنهم شاهدوا شخصا يشبه موت في شوارع القرية فتعود الشرطة بعملياتها اليها. وبعيد السابعة مساء الجمعة تعلن انها تحاصر القاتل الهارب على ضفة نهر قرب القرية، وأنه يضع فوهة مسدسه على أعلى عنقه مهددًا بإطلاق النار على نفسه في حال محاولتها القبض عليه. ويستمر التفاوض معه لإقناعه بتسليم نفسه حتى الواحدة والربع من صباح السبت حين يطلق النار على نفسه وينقل الى مستشفى نيوكاسيل حيث يعلن الأطباء وفاته رسميًا.

في غضون ذلك، اعلنت لجنة التحقيق المستقلة في الشرطة البريطانية السبت فتح تحقيق داخلي اثر انتحار حارس ملهى ليلي راوول موت (37 سنة) وهو اب لثلاثة اطفال، وطلبت الشرطة من quot;اللجنة المستقلة للشكاوىquot; التابعة لجهاز الشرطة صباح السبت التحقيق في الحادث كما تنص عليه القوانين لان شرطيين اتصلوا بموت قبل مقتله.

واعلن ناطق باسم quot;اللجنة المستقلة للشكاوىquot; ان التحقيق يهدف الى تحديد ما اذا كانت السلطات بذلت فعلا كل ما في وسعها لتفادي مقتل المشتبه فيه، واوضح ان المحققين سيجمعون خصوصا شهادات اشخاص حضروا المفاوضات بين الشرطيين وموت.

ما أشبه الليلة بالبارحة
هكذا وللمرة الثانية في حوالي 40 يومًا تعيش بريطانيا حالة من الصدمة. وكانت الأولى مع حادثة القتل الجماعي التي ارتكبها سائق تاكسي في عدد من مناطق مقاطعة ويست كمبريا بأقصى شمال غرب انكلترا، وقتل فيها 12 شخصا، بمن فيهم شقيقه التوأم، وجرح 11 آخرين قبل أن ينتحر. وكان بين ضحاياه القتلى من اختارهم بقرار مسبّق لتسوية خصومات معهم، ومنهم من قتله عشوائيا.

وما يزيد من شدة الصدمة هو أن الأحداث الأخيرة اتخذت مسرحها في نورثامبريا المتاخمة لكمبريا وتشكل المقاطعتان حدود انكلترا مع اسكتلندا. والمفارقة هي أن هذه المنطقة عموما اشتهرت بأنها أجمل مناطق بريطانيا وأكثرها أمانًا مقارنة بإحصاءات الجريمة في بقية مناطق البلاد. أما المفارقة الأخرى التي لا يعلمها البريطانيون فهي أن الاسم الإنكليزي quot;Moatquot; بالعربية اسم على مسمى في هذه الحالة تحديدا.