استطاعت مدينة أصيلة المغربية أن تتحول إلى قطب ثقافي وسياحي مهم، بفضل روح المبادرة التي تميز سكانها وأهاليها.

الدار البيضاء: أصلية.. قلادة مدن الشمال المغربية، التي ترصع ضفة المحيط، هذه المدينة الهادئة، التي يفوح من كل ركن فيها رائحة الثقافة والفن، الذي يمتزج مع الجمال الطبيعي، ليرسم لوحة تشكيلية تأًسر كل من وقعت عينه عليها.

مدينة أصيلة يطلق عليها أيضا اسم أرزيلا

وشهدت أصيلة، الرابضة على شاطئ المحيط الأطلسي بوداعة وسكون، على مدى ثلاثة عقود من الزمن، تحولات مهمة على مستوى البنيات التحتية، والمرافق العمومية، وأشكال العمران، كما أنها استطاعت أن تتحول إلى قطب ثقافي وسياحي مهم، بفضل روح المبادرة التي تميز سكانها وأهاليها، إذ يحج إليها آلاف المثقفون كل سنة.

ويعود تاريخ نشأة مدينة أصيلة، التي يطلق عليها أيضا اسم أرزيلا، إلى أكثر من ألفي سنة، إذ سكنها الأمازيغ قبل الفنيقيون والقرطاجنيون، إلى أن تحولت إلى قلعة رومانية محتلة تحمل اسم quot;زيليسquot; على بعد أربعين كيلومتر جنوب quot;طنجةquot;.

وفي القرن العاشر الميلادي، قدم إليها النورمانديون من صقلية واستقروا بها، واحتلها البرتغاليون سنة 1471 م ليشرفوا من خلالها على سفنهم التجارية عبر المحيط الأطلسي.


وبعد معركة الملوك الثلاثة التي وقعت سنة 1578 م، والتي سقط فيها ملك البرتغال سان سيباستيان صريعا في معركة وادي المخازن، استطاعت المدينة أن تتخلص من الاحتلال البرتغالي على يد أحمد المنصور السعدي سنة 1589 م، لكنها سرعان ما سقطت في يد الإسبانيين الذين استمر احتلالهم لها إلى غاية سنة 1691، وهي السنة التي أعادها السلطان مولاي إسماعيل إلى نفوذ الدولة العلوية.

وتعتبر المدينة العتيقة لأصيلة فضاء ساحرا بدروبها الضيقة، وأزقتها الأنيقة، وبمنازلها المتشحة بالبياض في تراص جميل، وأبوابها ونوافذها المتلفعّة بزرقة مُشعة واخضرار براق، وبجدارياتها المزينة برسوم فنانين تشكيليين من مختلف المدارس والأجيال، وبالأسوار المحيطة بها التي يعود تاريخها إلى عهد البرتغاليين.

ويمكن الدخول إلى أحياء المدينة العتيقة عبر ثلاثة أبواب هي باب القصبة، وباب البحر، وباب الحومر، وتوجد بداخلها قيسارية لمنتجات الصناعة التقليدية، وساحة quot; القمرةquot; التي تقام بها سهرات الهواء الطلق خلال الموسم الثقافي للمدينة، وساحة أخرى تشرف على البحر يسميها الأهالي ساحة quot;الطيقانquot; تؤدي إلى بريج quot;القريقيةquot; الشهير، الذي يطل على المحيط، والذي يمكن من خلاله الاستمتاع بغروب الشمس ومشاهدة ميناء المدينة وإلقاء نظرة على ضريح سيدي أحمد المنصور، أحد المجاهدين الذين تصدوا إلى الاحتلال البرتغالي.

وتتميز أحياء المدينة القديمة بنظافتها الفائقة وبالتنافس الكبير بين سكانها في تزيين واجهات بيوتهم بالأغراس والنباتات، وهو الأمر الذي يمكن أن يتيح لأحدهم فرصة الفوز بجائزة البيئة، التي يجري الإعلان عن نتائجها خلال الموسم الثقافي.

ويتحول كورنيش المدينة ليلا إلى المقصد الأول للزوار، علما أن الحركة تكون متثاقلة في الصباح، قبل أن يترفع إيقاعها في بعد العصر.

ويعد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج من أبرز زوار المدينة، التي تعد أفضل الأماكن للراحة النفسية، والابتعاد عن ضجيج وصخب الحياة في المدن الكبرى.
يقول حميد التطواني، أحد سكان المدينة، quot;تمتلأ المدينة عن آخرها في فصل الصيف، إذ أن عدد زوارها يرتفع، خاصة مع انطلاق الموسم الثقافي، الذي تحضره شخصيات ساميةquot;.

وأوضح حميد، لـ quot;إيلافquot;، أن quot;لهذه المدينة ميزات عديدة، أكثرها إثارة للاهتمام هي أن سكانها يهتمون كثيرا بالجانب البيئي، لهذا تجد المنازل كأنها لوحات تشكيلية، كما أن الثقافة والقراءة تحتلان حيزا مهما في البرنامج اليومي للسكانquot;.

وما زالت مدينة أصيلة إلى حد الآن تعيد تهيئة فضاءاتها لتساير طموحاتها في أن تصبح عاصمة للثقافة العربية بامتياز، حيث الأشغال الآن جارية لتهييء ساحة محمد الخامس بتصميم جديد.