سيدهش زائربراغ اليوم حتما بالتغييرات التي جرت في شوارعها ومحلاتها والألوان الجميلة لأبنيتها مقارنة بالحقبة الشيوعيّة غير انه سيلمس بأن شعبها لم يتغير كثيراً فهوما زال شعباً ودوداً وحضارياً رغم طغيان القيم المادية.
براغ:يرتبط اسم العاصمة التشيكية quot;براغ quot; بالوعي السياسي والثقافي والاجتماعي من خلال عدة مفاهيم ومصطلحات، فالاسم دخل القاموس السياسي الدولي الحديث من خلال استخدام مصطلح quot;ربيع براغ quot; للإشارة إلى حركة سياسية أرادت في عام 1968 إصلاح النظام الشيوعي من الداخل دون دبابات فأخفقت في ذلك الأمر الذي أدى لاحقا وبالصلة مع التغييرات التي جرت في موسكو إلى سقوط النظام الشيوعي بكامله في حركة سياسية أطلق عليها في عام 1989 تسمية quot; الثورة المخملية quot;.
المدينة تتواجد في الوعي الاجتماعي من خلال الآثار العديدة التي تحتضنها أما في الوعي الثقافي فان اسم المدينة يقترن عربيا باسم الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي أمضى فيها نحو 30 عاما من عمره ودوليا بفرانز كافكا وبفاتسلاف هافل، وأيضا بقلعتها الشهيرة وبمسرح اللاترنا ماجيكا الذي يجمع بين المسرح والسينما بشكل أخاذ.
القادم إلى براغ الآن يلمس التغيير الكبير الذي حصل فيها، فالمدينة التي يعيش فيها أكثر من مليون ومئتي الف نسمة لم تعد كما كانت زمن الحقبة الشيوعية أي رخيصة وآمنة فأسعار الفنادق وأجور النقل وأسعار الخدمات والبضائع المختلفة تكاد تكون متشابهة بالأسعار السائدة في العديد من العواصم الغربية بالنظر إلى تنامي قوة العملة التشيكية ووصولها إلى نحو 20 كورونا للدولار الواحد و25 مقابل اليورو غير أن ارتفاع الأسعار لم يقابله ارتفاع موازٍ في مستوى الخدمات، كما هو الأمر في العواصم الغربية بمعنى أن الأسعار في براغ أصبحت غربية فيما ظلت الخدمات فيها أوروبية شرقية.
مسألة الأمان التي كانت تشتهر بها براغ في الحقبة الشيوعية تراجعت بشكل ملحوظ قي ظل الانفتاح الداخلي والخارجي والحد من صلاحيات قوى الأمن، ولذلك فان على السائح أن يأخذ حذره منذ الدقائق الأولى لخروجه من مطار روزينه الدولي، في براغ الآن الكثير من سائقي التاكسي لا يزالون ينظرون إلى السائح على انه فريسة سهلة للاحتيال عليه وتحقيق الربح السريع منه من خلال مطالبته بسعر يزيد عن القيمة الحقيقية أو الحصول على الأجرة بالعملة الصعبة، لكن مقابل حساب سعر اليورو أو الدولار بسعر ارخص عما هو سائد في السوق أما الأسلوب الأخر الذي يلجا إليه بعض السائقين فهو اللعب بعداد السيارة بحيث يتحرك بسرعة جنونية تؤدي إلى تضاعف المبلغ المترتب ولذلك تنبه مختلف وكالات ومكاتب السياحة الأجنبية زبائنها مسبقا إلى هذه الممارسات التي يقوم بها سائقو المطار وبعض السائقين داخل المدينة والتي أساءت إلى سمعة المدينة وأهلها.
إن تجاوز امتحان سائقي التاكسي بنجاح يجعل القادم في وضع أفضل نفسيا، فالفنادق تتعدد داخل العاصمة بحيث يمكن للسائح الاختيار، حسب إمكانياته بدءا من 50 يورو ولغاية 200 يورو وربما أكثر لليوم الواحد.
الحذر ضروري أيضا في الفنادق فالعديد من السياح اشتكوا من تعرض أغراضهم للسرقة حتى داخل الفنادق أو في مطاعمها، غير أن ذلك لا يعني بالمقابل أن المدينة تعيش حالة من الفلتان الأمني.
التقاط نفس بعد عناء السفر سيمنح القادم الفرصة للإطلاع على مدينة جميلة تعتبر الآن في عداد المدن العشر الأولى في أوروبا التي يقصدها السياح فالمدينة التي تتمدد بجانب نهر الفلتافا الواسع تقدم بجسورها وقرميد أسطح منازلها وشوارعها الضيقة بانوراما ساحرة تجعل المدينة تكسب قلوب زائريها منذ اللحظات الأولى فالتاريخ يطل من كل زواية وحجر في شوارع المدينة القديمة من خلال مختلف أنماط البناء المعمارية مثل فن بناء عصور النهضة والباروك والباروك الجديد والقوطي والكلاسيكي الحديث.
تاريخ المدينة يعود إلى القرن الرابع عشر وقد شهدت التطور الأكبر في عهد الملك كارل الرابع ولذلك سميت العديد من مرافق المدينة باسمه ففيها جامعة كارل وجسر كارل وساحة كارل.
ويحتل جسر كارل أو تشارلز مكانة مهمة بين جسور المدينة بالنظر إلى جمال تماثيله وطوله وعراقته وكونه يربط بين ساحة المدينة القديمة التي تحتضن تمثالا كبيرا للمصلح الديني التشيكي الأبرز يان هوس وبين ساحة مالا سترانا التي يمكن منها الصعود سيرا على الأقدام إلى قلعه براغ التي بنيت في القرن التاسع الميلادي والتي كانت مقرا للملوك والأمراء ورجال الدين ثم أصبحت مقرا لرئيس الجمهورية.
وتعتبر القلعة الموجودة على لوائح اليونسكو المحمية عالميا حسب المصادر التشيكية وبعض الموسوعات الدولية أنها الأكبر في العالم كونها مقامة على 4300 متر مربع في منطقة مرتفعة تطل على براغ أما أهم معلمها فهي كاتدرائية القديس فيت وبازيلكا القديس جورج والقصر الملكي القديم وقصر بيلفيدير أو ما يسمى بالقصر الملكي الصيفي وقصر لوبكوفيتس وقصر روزينبيرغ والقصر الملكي الجديد وبرج داليبور والشارع الذهبي والمنزل الأعلى لبورغراف ومدرسة الفروسية ومربط خيل قيصري وحدائق ملكية ومتحف للعرائس إضافة إلى وادٍ مائي ووادي الآيل.
وبالنظر إلى عدم وجود أي تهديدات أمنية تطال رئيس البلاد فان التحرك في داخل فناء القصر مسموح للجميع دون قيود تذكر، وليست هنالك أي إجراءات استثنائية يمكن أن يشهدها السائح في حال وصوله إلى قلعه براغ ولذلك يمكن له متابعة تغيير مناوبات حرس القلعة بشكل هادئ أو التطلع مطولا في عيون حراس القصر دون أن يسمع منهم أي كلمة لا سلبا ولا إيجابا أما محيط القلعة فيمنح الزائر الفرصة لمشاهدة براغ بشكل بانورامي ساحر ولذلك لم تكن مصادفة اختيار الرئيس الأميركي باراك اوباما ساحة قلعه براغ المعروفة هنا بقلعه هرادتشاني لإلقاء كلمة مهمة فيها في ابريل من العام قبل الماضي أطلق خلالها مبادرته حول عالم خالٍ من السلاح النووي.
وتمتلك براغ العديد من الآثار والأماكن الأخرى التي تستحق المشاهدة ومن أولها الساعة الفلكية الموجودة على جدار بلدية براغ في الساحة القديمة والتي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر إضافة إلى مسرح اللاترنا متاجيكا ونافورة كرشيجيكوفا والمسرح الوطني والمتحف الوطني وساحة الفاتسلاف الشهيرة ومتحف الشموع والمسرح الأسود ومتحف الشيوعية ومتحف الشكولاته ومتحف أدوات التعذيب والعديد من المرافق السياحية والأثرية الجميلة.
زائر براغ اليوم سيندهش حتما بالتغييرات التي جرت في شوارعها وأبنيتها ومحلاتها والألوان الجميلة لأبنيتها مقارنة بالحقبة الشيوعية غير انه سيلمس بان شعبها لم يتغير كثيرا فهوما زال شعبا ودودا وحضاريا رغم طغيان القيم المادية أما بعض السائقين والعاملين في المطاعم والنشالين وبائعات الحب المتخم بهن ليل براغ فهم جزء من الواقع وليسوا كل المدينة والمجتمع.
لقد أحب شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري براغ ولذلك أمضى فيها نحو 30 عاما من عمره بين عامي 1961 ــ 1991 كتب خلالها عشرات القصائد وكان يتردد فيها بشكل شبه يومي إلى واحدة من أهم مقاهيها واشهرها وهي مقهى سلافيا ولذلك شهدت براغ قبل عدة أعوام تأسيس مركز للجواهري لتخليده فيما يتم السعي الآن عراقيا لإطلاق اسم الجواهري على هذا المقهى الذي كان يتردد إليه وربما خط فيه أيضا بيت شعره الشهير الخاص ببراغ حيث قال لها quot; أطلت الشوط من عمري أطال الله من عمرك quot;.
التعليقات