تتّجه الأنظار إلى لبنان الذي يشهد الكثير من التطوّرات الخاصّة في قضيّة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري،وتتفاوت التحليلات والقراءات لمستقبل هذا البلد المتعدّد الطوائف حولآخر التطوّرات التي شهدتها الساحة السياسيّة اللبنانيّة خلال الآونة الأخيرة مع استمرار حالة الجدل المثارة حول طبيعة عمل المحكمة الخاصّة بلبنان، وتلك التصريحات المثيرة للجدل التي أعلن فيها الشيخ حسن نصرالله عمّا وصفها بالأدلّة التي يمتلكها حزبه وتثبت تورّط إسرائيل في حادث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

بيروت: تفرد مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركيّة تقريراً مطوّلاً تنشر من خلاله ثلاثة موضوعات لثلاثة من أبرز كتّابها، وفيها يأخذون نظرة أعمق في تلك القضايا الشائكة.

وفي أولى المحاور،دار حديث ذلك الموضوع الذي أعدّه الكاتب البارز، ستيفن هيديمان، تحت عنوان quot;الصفقة الحقيقية للبنانquot;، وقال في مجمل حديثه إنّه وفي الوقت الذي لا يُحتمل أن تؤدّي فيه النتائج التي ستكشف عنها عمّا قريب المحكمة الخاصّة بلبنان إلى إدخال البلاد في حالة من الفوضى السياسية أو العنف، فإنّه من الممكن أن تشهد المراحل النهائيّة تسوية يتمّ التوصّل إليها من خلال وساطة ويكون هدفها الحفاظ على النظام السياسي الحالي من دون تغيير.

ثم تابع هيديمان حديثه في هذا السياق بقوله إنّ هذا ليس للتقليل من المخاطر الحالية، فالنظام السياسي في لبنان هشّ بما فيه الكفاية، وحدوده مع إسرائيل متقلبة بما فيه الكفاية. لكنّ كل العلامات الواضحة تشير إلى أنّ ما نشهده الآن، بالتكامل مع سياسة حافة الهاوية والمسرح السياسي الذي يحدد شكل العملية السياسية في لبنان، ليست الفترة التي تسبق الكارثة، وإنّما المراحل النهائية لتسوية يتم التوصل إليها عبر وساطة ويكون هدفها المحافظة على النظام السياسي الحالي من دون تغيير.

ثم شدد الكاتب في هذا الجانب على ضرورة أن تحظى تلك التسوية بدعم من جانب الولايات المتحدة، حتى إن تمّ ذلك بصورة ضمنية. ثم يشير الكاتب إلى أن الوسطاء الرئيسيين في تلك التسوية هما المملكة العربية السعودية وسوريا. ويقول هيديمان في هذا الجانب إن السعوديين ينظرون إلى دورهم على أنهم يدافعون عن مصالح مجتمع لبنان السنّي، وإحداث توازن بين حزب الله وسوريا وايران في شؤون لبنان الداخلية. في حين ينظر السوريون إلى دورهم على أنهم وسيط القوة الرئيس للبنان في جميع المسائل المحلية، وقد سبق لهم أن استغلوا تلك الأزمة وأزمات أخرى سابقة لاسترداد النفوذ الذي سبق وأن فقدته سوريا عقب اغتيال الحريري عام 2005.

وفي الوقت الذي قد لا تكون فيه التفاصيل النهائية للتسوية معروفة لبعض الوقت، إلاّ أنّ الكاتب يرى أن خطوطها العريضة واضحة. وأن احتمالية الحاجة إلى إبرام صفقة كانت واضحة منذ شهر أيار -مايو عام 2009 على الأقل، عندما كان لمجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية السبق في الكشف عن اهتمام المحكمة الخاصة بلبنان بتنظيم حزب الله.

ويشير هيديمان إلى أن سعد الحريري ربما يأمل في استغلال المحكمة لانتزاع اعترافات بشأن مسألة الأسلحة الخاصة بحزب الله. ثم يمضي الكاتب بعدئذٍ ليستبعد احتماليّة حدوث ذلك. ويختم بقوله أنّه وبالرغم من محاولات نصرالله الصارخة لدرء الأمر الذي لا مفرّ منه، إلاّ أنّ مسار الأحداث الأكثر ترجيحاً هو أن الشروط الصارمة للصفقة التي يتم التفاوض عليها تحت رعاية سعودية وسورية سوف تُعقد.

أما الموضوع الثاني، فكان تحت عنوان quot;حملة حزب الله ضد المحكمة الخاصة بلبنانquot;، وقد تساءلت كاتبته، راندا سليم، في بداية الحديث عن الأسباب التي جعلت حزب الله يقرر الإعلان الآن عمّا وصفها بالأدلة التي تثبت تورط إسرائيل في عملية اغتيال رفيق الحريري، في الوقت الذي تشير فيه التقارير الإعلامية منذ العام 2008 إلى أن لائحة الاتهام قد تتضمن عناصر من حزب الله في تلك الجريمة.

كما تساءلت سليم عن سر قيام نصرالله بدور محامي الدفاع الرئيس في تلك القضية. ثم تقول الكاتبة إنّه وفي الوقت الذي تجنّب فيه مسؤولو حزب الله، ومنهم نصرالله، الحديث في العلن عن المحكمة الخاصة بلبنان منذ نيسان- أبريل عام 2009، إلا أن نصرالله استغل مقابلة أجراها في الثلاثين من آذار- مارس الماضي مع محطة المنار الفضائية ليعلن البدء عن حملة حزبه الرسمية ضد المحكمة من أجل نزع شرعيتها.

وترى الكاتبة أن مسؤولي حزب الله يعتقدون في مخيلتهم أن المحكمة الخاصة بلبنان تعد جزءًا من معركة في حرب دائرة بين محور المقاومة الذي يقوده حزب الله وبين إسرائيل. فالهدف الرئيس من وراء إدانة المحكمة لعناصر من حزب الله في جريمة الاغتيال هو تحقيق ما فشلت في تحقيقه المعركة التي نشبت بين الحزب وإسرائيل في صيف عام 2006.

وتلفت راندا في السياق ذاته إلى أنّ المخاطر التي تحدق بالحزب في هذا الشأن تعد مخاطر كبيرة، وأنّ إدانة أي من مسؤوليه و/ أو معاونيه قد يؤدي إلى خسارة الحزب بشكل كبير لسمعته التي يحظى بها في لبنان، والمنطقة العربية، والعالم الإسلامي الكبير. كما سيزيد ذلك من خطر اندلاع عنف كبير بين السنة والشيعة في لبنان. وترى الكاتبة أن قضية حزب الله ترتكز أساساً على الحجة القائلة بأنّ إجراء تحقيقات غير عادلة لا يمكن أن يؤدّي إلى الحقيقة بشأن قتلة الحريري.

وتمضي راندا لتقول إن هدف حزب الله من البداية هو عدم تقديم أدلة قاطعة تثبت ادعاءاته ndash; لأنه لا يمتلك مثل هذه الأدلة- وإنما يسعى لإثارة قدر كاف من الشكوك حول التحقيقات وأن مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان سيفشل في إثبات دعواه بالمحكمة. وختمت الكاتبة بتشديدها على أهمية الدعم الذي يتوجب على الولايات المتحدة أن تقدّمه للبنان، وبخاصة للقوات المسلحة اللبنانية، التي تعد المؤسسة اللبنانية الوحيدة القادرة على ضمان النظام الداخلي حال نشوب حرب أهلية نتيجة للإعلان عن لائحة الاتهام.

أما الموضوع الثالث فهو مقابلة أجرتها المجلة مع المتحدّثة باسم المحكمة الخاصّة بلبنان، الدكتورة فاطمة العيساوي، التي أكدت بدورها في مستهل الحديث على أن لبنان مطالب بأن يتعاون مع المحكمة في جميع مراحل الإجراءات، وذلك وفقاً لوثائق تأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ثم تابعت بقولها: quot;وهو ما يعني أن الحكومة ملتزمة بأن ترد على أي طلب من المحكمة بشأن المعلومات، أو التعاون أو التأجيلquot;.

وتعقيباً على تلك التقارير التي قالت إن المحكمة معرضة لضغوط من مصادر خارجية، نفت العيساوي ذلك جملةً وتفصيلاً، وأشارت إلى أن المحكمة الخاصة تعمل وفقاً لنظامها الأساسي ووفقاً لقواعد الإجراءات والإثبات وتماشيًا مع أعلى المعايير القضائية الدولية. ومضت لتقول إن تلك القواعد وعبء الإثبات هي الأمور التي تتحكم في توقيت إعلان المحكمة عن لوائح الاتهام وكذلك الإجراءات، وليس النفوذ الخارجي. وبسؤالها عن موقف المحكمة حيال التصريحات التي أدلى بها نصر الله أخيرًاوقال فيها إنّه سيكشف عن أدلة تثبت ضلوع إسرائيل في اغتيال الحريري، قالت العيساوي إنّه من غير المناسب بالنسبة إلى مؤسسة قضائية أن تُعلِّق على تصريحات الساسة.