تعيش كلّ منطقة في باكستان حكاية خاصّة مع كارثة الفيضانات التي وصفت بأنها أسوأ من موجة تسونامي عام 2004. وتعرّض الرئيس الباكستاني إلى انتقادات شعبيّة واسعة بسبب أداء الحكومة ولأنّه لم يوقف جولته التي كان يقوم بها في أوروبا في أوج الفيضانات. ويواصل المجتمع الدولي الاستجابة لنداء الامم المتحدة لمساعدة المنكوبين فيما تصدّرت السعوديّة قائمة المانحين.

إسلام آباد: تسببت الأمطار الموسمية والفيضانات الناتجة عنها في اختلاق المشاكل العديدة في معظم المناطق الباكستانية. وقد قتل نتيجتها أكثر من 1900 شخص في حين جرفت الفيضانات مئات القرى وأصابت قطاع الزراعة بأكبر الخسائر، في حين تشرّد أكثر من 140 مليون نسمة. ويقال إنّها أكبر آفة في السنوات الأخيرة أسوأ من تسونامي عام 2004 ومن زلزال باكستان عام 2005.

كل منطقة باكستانية لها حكايتها مع هذه الفيضانات والأمطار، فيما تؤدّي وسائل الإعلام دوراً بارزاً في نقل صورة المناطق المنكوبة إلى أهالي باكستان والعالم معًا... لكنّ التجاوب مع نداء الإغاثات لتقليل معاناة المتضرّرين من جانب الحكومة أقلّ بكثير مقارنة بتجاوب العالم مع متضرّري زلزال عام 2005 والذي خلّف أكثر من 150 ألف قتيل و600 ألف مشرّد.

وهنا ننقل صورة لمدينة كلكت عاصمة المناطق الشمالية الباكستانية ndash; كلكت بلتستان حاليًّا- وأكبر المدن الباكستانية في الشمال. هذه المدينة تقع بين جبال شاهقة متوّجة بالثلوج، في حين يمر نهر كلكت وسط المدينة. والمنطقة المطلة على النهر من أجمل مناطق كلكت. وقد أدّت الأمطار الحالية إلى فيضان هذا النهرالأمر الّذيأدّى إلى ارتفاع المياه وتجاوزها على المناطق القريبة وقد جرف النهر الكثير من المنازل والفنادق والبساتين والمزارع الواقعة على شاطئه.

كما أن الانجرافات الأرضيّة التي حدثت على طريق قراقرم ndash; طريق الحرير- تسبّبت بانقطاع مدينة كلكت والمناطق الشمالية عن بقية المدن الباكستانية. وهذا الوضع مستمرّ منذ أكثر من عشرين يومًا. وبعد جهود مضنية بدأ المرور يعود إلى الطريق جزئيًّا؛ إلاّ أنّه لا توجد أيّ رحلات مباشرة بين كلكت والمدن الأخرى.

وحكى كفاية الله أحد أهالي كلكت ويعيش قرب مطارها الذي لا يشهد لا هبوط أو لا إقلاع الرحلات الجوية بسبب الضباب والسّحب والمطر، معاناة الشعب قائلا: quot;انتهى الوقود... انتهت المواد الغذائية... لا توجد كهرباء منذ عشرة أيام ويقال إنّ دائرة الكهرباء تحتاج إلى نحو أسبوع آخر لتصليح خطوط الكهرباء... لا يوجد حطب... لا يوجد غاز... بعد أسبوع كامل جاءت المياه اليوم لكنهاغير صالحة للشرب بسبب توحلها... انتهت الشموع في السوق فلم يبق سوى الظلام...quot;.

وعندما سألت quot;إيلافquot; عن سبب عدم تلقّي الردّ من الهواتف الجوالة، أكد كفاية الله: quot;لا توجد كهرباء فأين يشحنون الجوالات؟ لقد توقفت الهواتف عن العمل بسبب نفاذ شحنتهاquot;. وردًّا على سؤال: كيف يعمل جواله؟ صرّح بأنّه شحنه في سيارة؛ بيد أن بطاريّته أيضًا أوشكت على الانتهاء. كما أنه أشار إلى أن الذين يملكون مولدات الكهرباء بدأوا بتجارة جديدة quot;يشحنون البطارية لنصف ساعة ويأخذون 30 روبيةquot;،أي شحن دقيقة واحدة بروبية واحدة.

وعلى الرغم من أنّ الخسائر في الأرواح في هذه المنطقة أقلّ مقارنة بالمناطق الأخرى؛ إلاّ أنّ الخسائر الماديّة لا تقلّ عن أيّ منطقة أخرى؛ لأنّ مديريّة غذر وسكردو وديامر شهدت دمارًا لا مثيل له.

وفتح رئيس الوزراء جيلاني صندوقًا للتبرّعات في المصرف الوطني الباكستاني الذي له أكثر من 1400 فرع في البلاد لتقديم التبرعات؛ إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن بعض الفروع لم يتلقّ ولا تبرعًا واحدًا. وكان يتوقّع أنّ حملة التبرعات ستزداد حيوية مع بداية شهر رمضان، لكن ذلك لم يحدث.

أمّا على الصعيد الدولي فإن معظم المساعدات التي وصلت ولا تزال تصل هي عينية وليست نقدية، فيما تتصدر السعودية قائمة المانحين وتليها الولايات المتحدة. ويشار إلى أن المملكة هي الدولة الأولى التي أطلقت حملة شعبية على مستوى البلاد لجمع التبرعات لمتضرّري الفيضانات والملك عبدالله هو أكبر مانح حيث أعلن التبرع بـ20 مليون ريال من جيبه الخاص، بينما تبرع الرئيس الباكستاني بـ 2.5 مليون روبية!!!

ويرى محللون أنّ الفساد المالي هو أكبر سبب في تقاعس العالم من تقديم المساعدات النقدية. وقد أكّد قيادي سياسي بارز أن quot;المجتمع الدولي لم يعد يثق بحكومة زرداري بسبب ماضيه والفساد المستشري في الدوائر الرسمية، مضيفًا أنّ السيل بلغ الزبى حيث تباع الوظائف بالأموال، ناهيك عن الرشاوى والفسادquot;.

ومن هذا المنطلق صرح وزير الإعلام لإقليم خيبر بختونخواه ndash; إقليم الحدود الشمالية الغربية سابقًا- ردًّا على التقارير الصحفية عن الفساد في توزيع المساعدات، بأنّ الحكومة الإقليمية لم تتلقّ أي دعم نقدي حتى الآن، مضيفًا أن الدول والمنظمات التي لها تحفظات على الفساد في توزيع المساعدات، لتتقدم إلى الأمام للعمل بنفسها في المناطق المنكوبة والحكومة الإقليمية لن تعترض على تواجدها.

ويشار إلى أن الرئيس زرداري تعرّض لانتقاد شديد من الشعب الباكستاني والجالية الباكستانية في بريطانيا ووسائل الإعلام خلال زيارته إلى أوروبا أوائل هذا الشهر. وقد أبرزت وسائل الإعلام البريطانية أن زرداري هو quot;السيد 10 في المئةquot;. واشتهر بهذا اللقب خلال الحكومة الأولى لبينظير بوتو عام 1990 حيث كان يقال إن زرداري يطلب quot;10 في المئةquot; من جميع الصفقات والمقاولات الرسمية.

كما أنّ بعض الصحف المحلية أشارت إلى حدوث المخالفات في توزيع المساعدات، إذ تساءلت إحدى الصحف عن اختفاء التمور التي أرسلتها السعودية وأين ذهبت، في حين هناك استياء شديد من تعامل الحكومة المركزية مع الوضع. وقد أشارت الصحف إلى أنه تم إنشاء مخيمات مزورة ليزورها رئيس الوزراء جيلاني.

من جهة أخرى هناك تنافس بين الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة والمنظمات الإغاثية الإسلامية في المناطق المتضررة حيث أرسلت الولايات المتحدة 19 مروحية عسكرية مع 1000 عنصر من مشاة البحرية لمساعدة المنكوبين؛ لأنّ الغرب يرى أن نشاطات الإسلاميين في ساحة المساعدات قد تضرّ بالمصالح الغربية ولا سيما بالحرب على الإرهاب. وذلك بسبب احتمال أن يتمكّن الإسلاميون من كسب بعض المتضررين إلى جانبهم مع إمكان انضمام البعض منهم إلى المجموعات المسلحة.

على كل حال، فإن الوضع الراهن في المناطق المتضررة من الفيضانات مأسوي. والتقاعس الدولي في تقديم المساعدة قد يؤدّي إلى كارثة إنسانيّة أكبر ممّا حدث؛ لأنّ التقارير بانتشار الأمراض المعدية بدأت تفد من المناطق المنكوبة.