في وقت دخلت الأزمة السياسية العراقية شهرها السادس وسط عجز القوى السياسية عن الاتفاق على حكومة جديدة، دعا الرئيس العراقي جلال طالباني الأحزاب والكتل البرلمانية ووسائل الإعلام إلى الابتعاد عن أجواء التوتر والتصعيد والتحريض وكيل الاتهامات والإصغاء الى صوت الحوار الأخوي بين الشركاء السياسيين واعتماد المنافسة السياسية المشروعة بغض النظر عن تباين الرؤى والمواقف.

جاء ذلك في نداء وجهه الرئيس طالباني الى العراقيين اليوم وقال فيه ان الانتخابات النيابية التي جرت في اذار (مارس) الماضي كانت quot; مأثرة اجترحها شعبنا، وخطوة مهمة أخرى نحو ترسيخ دعائم العراق الجديد المتحرر من أغلال الاستبداد والقهر الفكري والواحدية الحزبية، العراق المزدهر بتنوع انتماءاته القومية والدينية والمذهبية والفكرية، والمنفتح على الحوار وتنافس الآراء في أجواء الحرية والتعدديةquot;.

واضاف ان quot;من حق العراقيين الذين رسخوا المسيرة الديمقراطية، متحدين قوى الظلام والإرهاب، أن يطالبوا نوابهم المنتخبين، والنخب السياسية عموماً، بأداء الواجب والنهوض بأعباء المسؤولية والاتفاق على أسس ومقومات تشكيل هيئات السلطة للسنوات الأربع القادمة بغية قطع الطريق على المتربصين بالعملية السياسية الجارية، من الإرهابيين وسائر العابثين بأمن البلد، ومنعهم من استغلال ما يحدثه التلكؤ في استكمال الخطوات الدستورية من ثغرات لزعزعة الاستقرار وإشاعة جو البلبلة والفوضى السياسية والحيرة والارتباكquot;.

وشدد طالباني على أن الإسراع في تشكيل حكومة الشراكة الوطنية غدا ضرورة ملحة لمعالجة الملفات الساخنة في مجال توفير الخدمات وإطلاق الاستثمارات ومنع تعثر وتباطؤ وتأثر التنمية الاقتصادية. وقال quot;وأياً كان التباين في الطروحات والرؤى حول تشكيل الحكومة، فإن التوفيق بينها ينبغي أن يكون ضمن الضوابط التي ينص عليها الدستور،وفي إطار الحوار الأخوي بين الشركاء في العملية السياسية، لكننا لاحظنا بقلق في الآونة الأخيرة أن الحوارات بين الفرقاء أخذت تخرج أحياناً عن تلك الأطر متعدية إياها إلى التجريح وتبادل الاتهامات بين الأخوة والحلفاء الذين شاركوا معا في مقارعة النظام الدكتاتوري، وفي إرساء أسس العراق الجديد، ونحن على ثقة أنهم سيساهمون معاً في إدارة دفة البلد خلال المرحلة القادمةquot;.

وطالب الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية والعاملين في وسائل الإعلام quot; بتفادي كل ما من شأنه مفاقمة التوتر في البلد، واشاعة مشاعر الجفاء بين أبنائه، فالكلام الجارح يغدو شرراً في البيئة الساخنة التي تمر بها بلادنا، والاتهامات الباطلة من طرف تستدعي ردوداً قاسية من آخر ما يدخلنا في دوامات صراع غير صحي نحن في غنى عنهquot;. واكد انه في الظرف المعقد الراهن الذي تمر به البلاد quot; لابد من الامتناع عن أي فعل أو قول قد يؤدي إلى تقويض أو تعطيل العملية السياسية، أو إيقاف وعرقلة المسيرة التفاوضية، ناهيك عن التحريض على العنف أو أي عمل مناف للدستورquot;.

واشار الرئيس العراقي الى ان هذه الدعوة إلى صفاء القلوب لا تعني وقف السجالات الديمقراطية الهادفة إلى بلوغ الحقيقة وتثبيت مبدأ التنوع الفكري، لكنها ترمي إلى الابتعاد عن تعكير أجواء ليست صافية أصلاً، والنأي عن النبرات الجارحة وكيل التهم الظالمة أو القاسية وانما هي تعني العودة إلى جو حوار الأخوة والشركاء الطامحين جميعاً ومعا إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في البلد وتعزيز دعائمه الدستورية والسعي إلى رخاء ورفاهية أبنائه.

ويأتي نداء طالباني هذا في وقت تشهد الساحة السياسية العراقية أزمة دستورية حالياً بسبب خرق المهلة التي حددها الدستور بعد فشل البرلمان بانتخاب رئيسه ونائبيه ورئيس للجمهورية وتأجيل جلسته لمرات عدة ما حدا برئيس الجمهورية المنتهية ولايته إلى الطلب من القضاء العراقي إبداء الرأي في دستورية المرحلة المقبلة ورد مجلس القضاء الأعلى بالسماح لرئيس الجمهورية بالاستمرار بصلاحياته لحين انتخاب رئيس آخر مع الاعتراف بالخرق الدستوري الذي وقع.

ووصلت حدة الصراع بين الكتل السياسية بشأن الأحقية بتشكيل الحكومة العراقية إلى ذروته خصوصا بعد عمليات الرفض المتبادل بينها وحتى داخلها لمرشحيها لمنصب رئيس الوزراء حيث ترفض القائمة العراقية والائتلاف الوطني العراقي ترشيح المالكي لولاية جديدة فيما يرفض الائتلاف الوطني وائتلاف المالكي ترشيح علاوي للمنصب كما يرفض الصدريون أي مرشح من المجلس الأعلى للمنصب فيما يصر المجلس على ترشيح شخصية من داخله لشعوره بان عدم حصوله على رئاسة الوزراء سيعني وضع مستقبله السياسي في المجهول خصوصا بعد انخفاض عدد مقاعده في البرلمان من 30 إلى 17 مقعدا تقريبا.

وأدت الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من آذار (مارس) الماضي إلى ستة أشهر من الشلل السياسي في ظل غياب فائز واضح وتقارب في النتائج (العراقية 91 مقعداً ودولة القانون 89 مقعداً من مجموع 325 تمثل العدد الكلي لمقاعد البرلمان) كما شهدت البلاد عقب الانتخابات أعمال عنف فيما انسحبت اليوم اخر القوات القتالية الأميركية من العراق لينخفض عددها الى 56 الف عسكري في مقدمة للانسحاب الكامل بنهاية العام المقبل.