quot;الماجيناquot; تقليد عراقي والألعابيحرص الاطفال على ممارستها في ليالي رمضان المبارك، حيث كانوا يطرقون أبواب بيوت الجيران وهم يرددون كلمات أهزوجة بلهفة وحماس عسى ان يمنحهم اصحاب البيوت اي قطع نقدية، إلا أن quot;الماجيناquot; حقيقةليست سوى شقيقة المطربة العراقية الشهيرة سليمة مراد باشا زوجة الفنان ناظم الغزالي !!

عبدالجبار العتابي: في التقاليد الرمضانية العراقية تبرز quot;الماجيناquot; كإحدى الاهازيج او الالعاب التي يحرص الاطفال على ممارستها في ليالي رمضان المبارك، حيث تزهو بهم الشوارع وبمجاميعهم الهازجة وقهقهاتهم الطفولية، لكن هذا التقليد الجميل انحسر خلال السنوات الاخيرة، ويبدو ان التطورات التي حصلت في المجتمع العراقي كالظروف الأمنية وغياب الكهرباء اثرت كثيرا، كما ان تكاثر القنوات التلفزيونية ادى الى أن تكون هذه الفعالية مجرد ذكرى، ولكن quot;الماجيناquot; ظلت تتردد على ألسن الكبار قبل الصغار في استذكاراتهم لطقوس وليالي رمضان، والغريب ان هذه quot;الماجيناquot; كانت مثل لغز لا احد يعرف معناه، وتضاربت الآراء فيه، ما بين اسم وفعل، وتوليفة من كلمتين او اكثر.

وبشكل عفوي بحثنا عن quot;ماجيناquot; او quot;ماجينهquot; كما تكتب ايضا، ورحنا نقلب في اوراق التاريخ القديمة ونسأل المقربين عن حكاية ماجينا هذه التي دخلت التاريخ من اوسع ابوابه، وندندن بكلمات الاهزوجة لاستذكارها: quot;ما جينه يا ما جينه، حلي الكيس واعطينا، تعطونا لو نعطيكم،لبيت مكة نوديكم،ربي العالي يخليكم،تعطونا كلما جيناquot;، وتخيلت كيف ان الاطفال وبعد تناول طعام الافطار يجتمعون في رأس احد الشوارع وهم يحملون بأيديهم فوانيس صغيرة او علبا صغيرة من الصفيح فيها عدة ثقوب ويضعون وسطها شمعة صغيرة، ويطرقون ابواب بيوت الجيران وهم يرددون كلمات الاهزوجة بلهفة وحماس عسى ان يمنحهم اصحاب البيوت اي قطع نقدية، وكانوا يرددون معها كلمات اخرى مثل quot;الله يخلي راعي البيت / آمين، بجاه الله واسماعيل/ آمينquot;.

تقول السيدة ام هدى: في اول ايام رمضان... جاء الصوت من التلفزيون يتهادى بايقاعه الجميل:quot;ماجينا.. يا ماجيناquot;، انتبهت اليه، ومع لحظات الانتباه والاستمتاع، عدت بذاكرتي الى سنوات بعيدة، هي سنوات الطفولة، ولم أفعل لحظتها غير ان ارسم ابتسامة للذكريات الجميلة التي عشتها مع هذه الاهزوجة في طفولتي ومرت على خاطري، وقبل ان تنتهي الاغنية سألتني ابنتي الصغيرة: quot;ماما.. من هي ماجينا؟quot;،استغربت للسؤال وابتسمت له.. لانني حقيقة لا اعرف من هي ماجينا التي يغني لها الاطفال ويقولون لها ونحن معهم: quot;حلي الكيس واعطيناquot;، لم استطع ان اجيب ابنتي الا بكلمات ان هذه اغنية قديمة تحكي عن هذه المرأة التي كان الاطفال يذهبون اليها في رمضان لتعطيهم الحلوى !!.

وحكى لي الرجل السبعيني quot;ابو حامدquot; عن هذه التقاليد الرمضانية التي كان الاطفال يلهون بها، قائلا: مذ فتحت عيني على الدنيا وانا اسمع بـ quot;ماجينهquot; واولاد المحلة يتغنون بها كأجمل ما يكون في ليالي رمضان، مشيرا الى ان هناك بعض البيوت لا تفتح الابواب فيضطر الاطفال إلى ضربها بالحجارة ويهربون، او ان هناك من يرش الماء على الاطفال لإبعادهم وطردهم وهو ما يجعلهم يتصايحون بالشتائم quot;ذبوا علينا الماي بيت اهل الفكر quot;الفقرquot;، واضاف: وهناك ترنيمة اخرى مع اغنية quot;الماجيناquot; تقول: quot;يا أهل السطوح،تعطونا لو نروحquot; وبها يخاطبون اصحاب البيوت الذين يتناولون افطارهم على سطح الدار في الصيف، وحين سألته عن quot;ماجيناquot; قال: انا مثلك لا اعرفها !!.

اما الصحافي كاظم الجماسي فقال: كانت اعظم متعنا، على فقرها وبساطتها، ممارسة فعالية quot;الماجيناquot;، التي تقتضي منا حمل quot;صينيةquot; دائرية من quot;الفافونquot; وعليها كوم من الجكليت والحامض حلو والحمص المجفف، وصحون اخرى تحوي عجينة الحناء مثبتاً عليها عدد من الشموع واعواد البخور المشتعلة، لندور بها بين دروب المحلة نطرق ابواب الدور هاتفين بحماس ذي مسحة خاصة: quot;ماجينا ياماجينا / حلي الجيس وانطينا، تنطينا لو ننطيكم بيت مكة نوديكم..quot; ثم نستصرخ اهل الدار بصوت اعلى وبحماس اشد: quot;يهل السطوح تنطونا لو نروح؟quot; فأذا فتحت ام البيت باب بيتها ومنحتنا خمسة فلوس او عشرة، وفي احيان قليلة 25 فلسا، اعطيناها بعض الحلوى والكرزات وبعض الحناء، اما اذا لم يفتح الباب بقينا مواظبين في الطرق عليه، ويحدث ان يصعد احد من اهل الدار الى سطحه ويدلق علينا قدرا من الماء.. تفرقنا، ومن ثم نعود بعد قليل، محملين بقطع الحجارة نقذف بها نوافذ البيت وبابه هاتفين بغضب واضح: quot;ذبوا علينا الماي بيت اهل الفكر.quot; !!.

وسألت الباحث في التراث كمال لطيف سالم فقال: هي اغنية شعبية بسيطة تشتهر في رمضان ويرددها الاطفال وهي اقرب الى التكسب او الاستجداء، فالاطفال الذي يحملون الفوانيس البدائية ومحمولة بسلك وبداخلها شمعة صغيرة، وهم من مختلف الاعمار ومن الجنسين، ويتجمعون بعد الفطور ويطوفون على البيوت وهم يصيحون quot;ماجينا يا ماجيناquot;، واعتقد ان معناها quot;نحن جئناquot; او مثلا اهل احد البيوت لديهم ابن اسمه محمود، فالاطفال يقولون: الله يخلي محمود، وبعد الاطفال يقولون: امين، قسم من العوائل يعطونهم الاكل او الحلويات.

واضاف: لا تزال هذه الفعالية الرمضانية موجودة.. ولكن على مستوى ضيق، فالناس الذين يسكنون المحلات الشعبية في بغداد القديمة اكثرهم غادروها، فهؤلاء الناس توزعوا على المناطق في مختلف انحاء بغداد، فالتقاليد البغدادية انحسرت وتكاد تضيع، كما ان عامل الاستقرار الامني مهم جدا لهذه التقاليد واستمراريتها، وهي التي ولدها وحافظ عليها الاستقرار ذاته، فطالما لا يوجد استقرار فلا توجد تقاليد رمضانية.

لكننا لم نشعر باليأس في البحث عن ماجينا، التي لم اجد احدا يعرفها، ووجدت كلاما كثيرا قيل فيها، في معنى الاسم والكلمة، فبعض فككها لتكون باللهجة البغدادية quot;ما.. جيناquot; اي quot;ما.. اتيناquot;، وبعض يقول ان معناها quot;لولاك ما جئناquot;، واخر راح يبحث عن معناها في لغات اخرى مثل الاوردية فيقول quot;كلمة ماجينا اصلها اللغة الاوردية وهي كلمة من مقطعين: ماج واصلهاquot;ماكquot;، وquot;ايناquot;، حيث ان كلمة ماك تعني التصالح والغفران، واينا معناها اهل المحلة او اهل المنطقة الواحدة، فيكون معناها: تصالح اهل الحي والمنطقة وتغافرهمquot;، ولكن لم اجد من يعرف من هي quot;ماجيناquot; هذه، الى ان اهتديت الى مقال كتبه خالد القشطيني يقول فيه quot;لا بد انها كانت واحدة من النساء الثريات في بغداد، وربما كانوا يقصدون بها quot;ريجينهquot; الثرية والمحسنة اليهودية التي كثيراً ما كانت تتصدق على الفقراء في بغدادquot;، واضاف: وهذا طريف ان يستغل الأطفال المسلمون شهر رمضان ليطلبوا الإحسان من امرأة يهودية، لكن هكذا كانت الحياة في العراق، كان رمضان مناسبة وطنية، بالاضافة إلى كونها دينية، فكثيرا ما شاركنا اصدقاؤنا اليهود والنصارى في إفطارنا، وكثيراً ما بعثنا إلى بيوتهم شيئاً من الطبخات الرمضانية، مثلما اعتادوا هم أن يبعثوا لإفطارنا بما تيسر لديهم من لذائذ الحلويات والكبة...

رمضان شهر البركات، والبركات للجميعquot;، وفي بحثي وجدت ان quot;ريجينهquot; هي شقيقة المطربة العراقية الشهيرة سليمة مراد باشا زوجة الفنان ناظم الغزالي !!، وبيت ريجينا يقع في شارع الرشيد quot;في حارة اليهودquot;،حيث كانت تعقد فيه مجالس الأنس والطرب ويجتمع فيه السياسيون وكبار التجار، وكانت توصف بـ quot;النجمة المشرقةquot; والتي يقال ان احد الظرفاء وصفها بانها quot;تفك المصلوبquot;!!.
وحين نقلت هذا الكلام الى احد الزملاء قال: هذا تفسير صحيح، وبالتأكيد هذا يعكس التراث الفلكلوري البغدادي القديم الذي يعكس التنوع الثقافي ما بين سكان المنطقة الواحدة في بغداد القديمة، ان البغداديين كانوا يحتفلون برمضان على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم، وربما ان الانشودة تعرضت الى الحذف او الاضافة لتباين الكلمات والمعنى فيها مثل الكثير من التراث البغدادي الذي تعرض لإضافات وانزياحاتquot;.

ومن المفيد ذكره... ان الوضع العراقي الحالي بتداعياته المعروفة جعل اثنين من شعراء الاغنية العراقية يغيرون في كلمات الاهزوجة الاصلية ويعكسون الظرف عليها لتكون لسان حال أطفال العراق، الاول كريم العراقي حينما يقول مطلعها: quot;ماجينا يا ماجينا حلي الكيس وانطينا/ لا تعطينا قنابل، بورده وبوسه صبحيناquot;، والثاني صباح الهلالي:quot;ماجينا ياماجينا.. ليش العالم ناسينا /بس احنه نفكر بالناس اشوكت الناس تفكر بيناquot;.