أثارت خطبة الجمعة قبل الماضية التي تحدث فيها مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الكثير من ردود الفعل، عن أمور كثيرة كان من أهمها عضل البنات لأسباب قبلية، وهذا الطرح وإن كان دينياً صرفاً إلا أنه أخذ صداه بين السعوديين لاعتبارات عديدة.
الرياض: قال مفتي البلاد السعودية ضمن خطبته فيما يختص بجانب المرأة وعضلها وعن ما يقوم به بعض الآباء من استعلاء وتكبّر تجاه من يتقدمون لخطبة بناتهم، quot; هذا تصرف ذميمquot; و حذّر المفتي quot;من قصر تزويج الفتيات على أبناء القبيلة، وأبناء العمومة، ورد الكفء من الشباب، مؤكدا أن كل ذلك يخالف شرع الله، وأيضا الآباء الذين يفرضون شروطا كبيرة وثقيلة على من يريدون التزوج من بناتهم، من مهور عالية أو دفع مبالغ كبيرة للأب أو الأمquot;، وحذّر أيضاً من حجر تزويج الفتيات على أشخاص بعينهم أو من إنسان بعينه، مضيفا أن الأمر الشرعي في الزواج انه إذا جاء من ترضون دينه وأمانته فزوّجوه، وقال quot;من يخالف هذا فهو ظالم لنفسه وظالم لمن يتقدم لابنته، وظالم لابنته، ومرتكب إثم عظيمquot;.
وتكمن أهمية الخطبة بحسب مهتمين في ثلاثة أمور، أولها أن قائل هذا الكلام هو صاحب أعلى منصب ديني في البلاد السعودية، وهو أيضا من بيت اشتهر بإرثه الديني الكبير والمتواتر منذ ما قبل دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب الذي تنتسب له أسرة المفتي.
والأمر الثاني هو في حساسية الحديث عن القبيلة بما يتشابه مع الحساسية الدينية تقريباً في المجتمع السعودي القبلي والمحافظ في أغلبه، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالزواج.
والأمر الأخير هو في أن كلام المفتي جاْ في خطبة جمعة وهو ما يعني دعوة عامة، وبالتأكيد يختلف ذلك عن أن يكون الأمر من خلال فتوى جوابية لأحد المستفتين.
وحينما توجهت إيلاف للناشطة الحقوقية السعودية فوزية العيوني وهي من أكثر النساء السعوديات حراكاً في مجال المرأة والطفل، كان السؤال عن إن كان هناك انفراج ديني بدأ يظهر، ليس على مستوي الشيوخ المستقلين إن جازت التسمية، بل على مستوى الشيخ quot;المسئولquot; والرسمي.
والشيوخ الرسميين وإن كانت النظرة الغالبة عليهم بين السعوديين بأنهم متوازنون كثيراً، إلا أن نقيضي الاختلاف معهم (الانفتاح، والتطرف) كان من قبل الشيوخ المستقلين، فمثلما هناك من يفتي بهدم الحرم وتحريم رياضة اليوغا وقتل مستحلي الاختلاط، كان على الطرف الآخر من يبيح الاختلاط وكشف الوجه للمرأة و تحليل سماع الأغاني، وهذه وتلك تكتسب تطرفها وانفتاحها من واقعها السعودي فقط، وإلا فالبلدان والمذاهب الإسلامية قد ترى هذه الفتاوى بمنظور يخضع للنسبة والتناسب بين هذه وتلك.
تقول فوزية العيوني تعليقاً على خطبة المفتي quot; إن هذا الطرح الهام جداً في خطبة جمعة في جامع الرياض الكبير له وقعه المؤثر كونه صادر عن شخصية بهذه الأهمية من ناحية ومن أخرى نعتبره نقلة نوعية في تجاوز الخطب التقليدية البعيدة عن المجتمع وهمومه نأمل أن يقتدى بهquot;.
وتنطلق العيوني من هذا المحور في اتجاهات كثيرة فتقول معلقة على فرضية (الإنفراج الديني) quot; أسميتيه انفراج ديني و هو في حقيقته ليس سوى صوت الضمير الحي تجاه قضايا حقوقية صرفة أقرها ديننا الحنيف قبل المواثيق الدولية وكأقرب مثال لذلك المادة الأولى من العهد الدولي لحقوق الإنسان والتي تنص على (يولد جميع الناس أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الاخاء( والمادة مأخوذة من قول الخليفة عمر رضي الله عنه quot; متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً quot;
وتضيف العيوني quot;على ذلك فنحن لا نرمي إلى استثمار جهود أحد ولكننا لا نملك سوى تقديم تحية إكبار لكل رجال الدين الذين يساهمون بشكل جاد في تجديد الخطاب الديني وتضمينه قضايا المجتمع والنأي به عن المستهلك من المواضيع التي تدفع للدروشة وحب الموتquot;.
وعن دلالات الأمر بشمولية أكبر تقول العيوني quot; الانفراج الديني له دلالات التوجه الحكومي لحل العديد من القضايا الاجتماعية الشائكة ولا سيما تلك المتعلقة بقضايا المرأة وقد راقبنا قبل عدة أشهر - وبعد حملتين قمنا بها من أجل مناهضة زواج القاصرات - توجيه خطاب من مجلس الوزراء للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتقديم دراسة حول هذه القضية اللاإنسانية، كما قامت هيئة حقوق الإنسان الحكومية بتقديم طلب لوزارة الصحة تم على إثرها تشكيل لجنة خاصة أصدرت تقريراً هاماً عن الأخطار النفسية والصحية التي تلحق بالصغيرات جراء هذا الزواجquot;.
وتعود العيوني بالذاكرة للوراء في بدايات النبض الأول لكلمة حقوق الإنسان رسمياً كمنظمة ومرجعية ومؤسسة رسمية وقائمة في السعودية فتقول quot; لقد صار من متطلبات الحديث في أي شأن محلي لزوم الإشارة إلى التحولات والتطورات المتلاحقة التي يمر بها مجتمعنا بشكل سريع و متلاحق لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع الانفتاح القسري على العالم عبر وسائل الاتصال المتعددة بالإضافة إلى ارتفاع سقف حرية التعبير في الصحافة المحليةquot; .
وتضيف العيوني quot;في المجال الحقوقي لابد من الإشارة إلى إيجابية إنشاء جمعية وهيئة حقوق الإنسان الحكومية وأقول مجرد إنشاء لأن تبني الحكومة لفكرة حقوق الإنسان أزالت الكثير من الغبش والضبابية عن الناشطات والناشطين المستقلين في مجال الحقوق الإنسانية بعد أن كانوا محاربين ومتهمين بالتغريب وربما الزندقة كما مكنت المؤسستان مفردات حقوق الإنسان من التعاطي الشعبي، ودفعت المواطن للتساؤل عن ماهيته كإنسان صاحب حقquot;.
وتتذكر العيوني quot;أذكر مع بداية الإعلان عن جمعيتنا (جمعية الدفاع عن حقوق المرأة) ومن ثم تأسيس موقعنا (صوت المرأة السعودية) كانت تردنا العديد من رسائل السب والشتم والتكفير والتوعد بالتربص والانتقام لم نكن نعير ذلك أدنى اهتمام لإيماننا وثقتنا بما نحمله من هم إنساني نبيل، أعتقد أننا ساهمنا مع غيرنا في الوصول إلى نتائج إيجابية كبيرة حول بعض الانفراج في التعاطي الديني مع بعض قضايا المرأة وخصوصا تكافؤ النسب وزواج القاصراتquot; .
وأشارت فوزية إلى تعاون quot;نخبويquot; في تلك الفترة مع المشروع فتقول quot;كنا قد أولينا هاتين القضيتين اهتماماً خاصاً على مدى السنوات الأربع الفائته بمساندة العديد من الكاتبات والكتاب والصحفيات والصحفيين من أصدقائنا ممن نوعز لهم أو نزودهم بالمستجدات ليثيروها عبر أعمدتهم أو أخبارهم الصحفيةquot; وتضيف quot;إن هذا الحراك الحقوقي الذي وسم المشهد الاجتماعي الثقافي في السنوات الأربع الأخيرة هو يؤتي أكله اليوم ولذا نرقب هذا الإنفراج الديني مما يؤكد مسلمتين مهمتين:
الأولى : أن الحق فطري النزعة وهو متحقق ولو بعد حين.
والثانية : أن قطرة الماء المستمرة تحدث ندباً في الصوان أسفلها، وهكذا هو الإصرار على المطالبة بالحق.
وقد سعدنا أيما سعادة حين قرأنا خبر إدراج تكافؤ النسب وزواج القاصرات وقضايا العنف الأسري في مناهج القضاةquot;.
ولم تنسَ العيوني أن تشيد بشيوخ مختلفين سواء كانوا رسميين أو مستقلين بسبب مواقفهم التي تبنوها أو صححوها خلال الفترة القريبة الماضية، فتقول quot; وبهذا الصدد فأنا أحيي الشيخ د. محمد النجيمي الذي بادر قبل غيره في مطلع 2009 في التصدي لزواج القاصرات معلناً أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها فرض عين لا يقاس عليهquot;.
وتقول أيضاً quot; الشيخ سعود الفنيسان المستشار القانوني والشرعي في موقع وفاء لحقوق المرأة الموقع الذي تبنى بيان علماء اليمن المناهض لتحديد سن الزواج للفتاة، هاهو اليوم يقول حول زواج القاصرات : (أن الفتاوى تتغير بتغير الزمان والأحوال والأوضاع .. ويضيف ..يجوز لولي الأمر تحديد سن الزواج مراعاة للمصلحة العامة).
أما الشيخ أحمد المعبي الذي أفتى في عام 2008 بجواز العقد على الرضيعة كما أفتى بزواج الوناسة والمصياف وغيرها من زواجات مهينة للمرأة ، هو يقول اليوم أن زواج القاصرات غير مناسب لهذا الزمن وأنه يؤيد سن 18 بعد أن تنهي الفتاة مرحلتها التعليمية الثانويةquot;.
وختمت الناشطة التي كان لها أثر كبير خلف الكواليس وأمامها في الكثير من قضايا المرأة وخصوصاً قضية تكافؤ النسب الشهيرة بين منصور وفاطمة quot; أن ما يبهج النفس هو التحرك الرسمي الفعلي من الحكومة نحو النهوض بالمجتمع وتطويره وهو ما أكدت عليه دلالات عديدة منها رفض مختبر طبي في مسشفى حكومي إجراء الفحص الطبي لطفلة 11 عاماً قبل اللجوء إلى جهات عليا، وكذلك اعتماد ما يختص بتكافؤ النسب في منهج القضاء، والعمل بعقود أنكحة جديدة تلزم المأذونين بتدوين سن الفتاة منعاً لزواج القاصراتquot;.
التعليقات