أكّد خبراء أن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو المقررة غدًا الخميس لمصر تنطوي على عدد من الرسائل، التي يعتزم الزعيمان المصري والاسرائيلي تسويقها، وتحمل تلك الرسائل وميض ما قد تسفر عنه الفترة المقبلة من محاولات لاحياء العملية السلمية على المسار الفلسطيني الاسرائيلي.


القاهرة: في وقت تستعد القاهرة لاستقبال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو غدًا الخميس، خيمت على العلاقة بين البلدين اجواء ملبدة بالغيوم، إذ لا يبتعد موعد انعقاد القمة المرتقبة بين مبارك ونتانياهو عن كشف الاجهزة الامنية المصرية لشبكتي التجسس، اللتان كانتا تعملان في مصر وسوريا لصالح الموساد الاسرائيلي.

ووسط هذه الاجواء اصر مبارك ونتانياهو على خروج القمة إلى حيز التنفيذ، الأمر الذي فتح الباب أمام العديد من علامات الاستفهام حول أسباب انعقاد القمة في هذا التوقيت الحرج، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، خاصة على مسار القضية الفلسطينية، ومفاوضات السلام بين رام الله وتل ابيب، التي باتت قاب قوسين او أدنى من الجمود، في ظل إصرار حكومة الليكود على الاستمرار في سياستها الاستيطانية، وتلويح الجانب الفلسطيني باللجوء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان دولة فلسطين المستقلة على حدود 67 بشكل أحادي الجانب.

تكميم كافة الأفواه

وعلى خلفية تلك المعطيات يرى الدكتور طارق فهمي استاذ العلوم السياسية بالمركز القومي لدراسات الشرق الاوسط في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; ان مباحثات القمة المصرية ndash; الاسرائيلية المزمعة، ستركز في اغلب الظن على الدور المصري الرامي إلى محاولة استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل، ولكن بشكل غير مباشر، إذ يسعى رئيس الوزراء الاسرائيلي الى تمرير رسالة واضحة إلى ائتلافه الحكومي، يؤكد فيها أن عملية السلام على الرغم من جمودها لا تزال على قيد الحياة، ويثبت من خلالها أيضًا أن ما يشاع حول اعتزام حزب العمل الاسرائيلي الانسحاب من الائتلاف غير واقعية، وأن حكومة الليكود برئاسة بنيامين نتانياهو لا تزال ممسكة بتلابيب العملية السياسية في يدها ولم تصل إلى مرحلة الارتباك، كما تردد ذلك زعيمة المعارضة الاسرائيلية، رئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني.

ويضيف الدكتور فهمي: quot;في تقديري نجح نتانياهو عن طريق زيارة القاهرة في تكميم كافة الأفواه السياسية والحزبية في تل ابيب، التي رددت فشل رئيس الوزراء الاسرائيلي في إدارة الملفات السياسية العالقة مع إسرائيل، خصوصًا بعد الاتهام الصريح الذي القاه نائب حزب كاديما شاؤول موفاز في وجه نتانياهو خلال جلسة الكنيست الثلاثاء الماضي بقوله: quot;ان نتانياهو يقود اسرائيل إلى حرب مع دولة المنطقةquot;.

ويرى الدكتور طارق فهمي ان القيادة السياسية في مصر تعي جيدًا فحوى الرسالة التي يرغب نتانياهو في تمريرها من خلال قمة القاهرة، ولكن التغاضي عن ذلك ينبع من الحرص المصري على تمرير رسالة اخرى من وراء القمة، يأتي في طليعتها رغبة القاهرة في الحفاظ على شعرة معاوية في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فضلًا عن أن هناك ترتيبات مصرية مع السلطة الفلسطينية تهدف إلى العودة للمربع رقم واحد في العملية التفاوضية، للانطلاق منه إلى محادثات جديدة غير مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، على أن تكون القاهرة هي حجر الزاوية في تلك المحادثات، ويقول طارق فهمي في حديثه لـ quot;إيلافquot;: quot;اضافة إلى ذلك تسعى القاهرة إلى الوصول بتلك الاتصالات إلى مرحلة حاسمة في الملف الفلسطيني الاسرائيلي قبل انشغالها في انتخابات الرئاسة المصرية، فضلًا عن رغبة مصر في الاضطلاع بدور ايجابي يشعر من خلاله الاتحاد الاوروبي بفاعليتها ونفوذها في اهم الاشكاليات وأكثرها تعقيدًا في الشرق الاوسط، وبذلك تتمكن القاهرة من ارجاء مطالب الاتحاد الاوروبي المتواترة لمصر ذات الصلة بملفات حقوق الانسان والاقلياتquot;.

البطة العرجاء

اما الدكتور عماد جاد خبير الشؤون الاسرائيلية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيؤكد في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; أن مباحثات القمة المصرية الاسرائيلية المرتقبة تحمل رهانًا مصريًا على انه لو لم يذهب الفلسطينيون للجمعية العامة للامم المتحدة من اجل اعلان دولتهم المستقلة، فلن يكن امام القاهرة سوى دعم خيار سلام فياض، خاصة ان التعويل على جهود الادارة الاميركية في هذا المضمار اصبح في شبه العدم، إذ ان الادارة الحالية اصبحت في مرحلة quot;البطة العرجاءquot;، فما هى الا اشهر وتحديدًا في شهر آب/اغسطس 2011 سوف يتم التمهيد لادارة جديدة في البيت الابيض، عندئذ سينشغل البيت الابيض بالقضايا الداخلية الاميركية ولم يكن امامه متسع من الوقت للنظر او التعاطي مع القضية الفلسطينية.

ويضيف الدكتور جاد: quot;الجهود المصرية المبذولة لاحياء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية غير المباشرة لن تستغرق طويلًا، وانما ستبدأ في القريب العاجل، إذ يتأهب الموفد الخاص للرئيس الاميركي جورج ميتشل القيام بزيارة للمنطقة الاسبوع المقبل، يتبعها او يتزامن معها زيارات لعدد من الشخصيات السياسية الاميركية الضالعة في المف الفلسطيني الاسرائيلي، وربما يساهم ذلك في تحريك العملية السياسيةquot;.

ويعود الدكتور طارق فهمي للحديث مجددًا عن قمة مبارك - نتانياهو المرتقبة، مشيرًا إلى أن ملف التجنيد او التجسس لن يكون مطروحًا على جدول المباحثات بين الطرفين، إذ إن تردي العلاقات المصرية الاسرائيلية لا يقتصر على هذا الملف فقط، وانما ينطوي على ملفات وإشكاليات اخرى تحمل مصطلح quot;الازمات المكبوتة او الساكنةquot; بداية من اعادة فتح ملف الانفاق على حدود سيناء مع قطاع غزة، مرورًا برفض مصر القيام بدور محوري في القطاع، ورفضها الضلوع في اي اتفاق فلسطيني ndash; فلسطيني حول ادارة غزة.

قضايا غير مسكوت عنها

ويضيف فهمي في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;: quot;اذا كان ذلك من جانب مصر، فإن اسرائيل لها أزماتها الدورية التي تتخذ على خلفيتها موقفًا من مصر وهي ما تُعرف بالقضايا quot;غير المسكوت عنهاquot; مثل عمليات إختراق الحدود من مصر لاسرائيل، وهروب اعداد كبيرة من الروس الى اسرائيل، والسياج الحدودي الذي تقيمه اسرائيل على حدودها مع مصر، إضافة الى رؤية السفير الجديد يتسحاق ليفانون، وغيره من السفراء الاسرائيليين السابقين لتعامل الخارجية المصرية معهم، وادعائهم الذي يصيب بالملل بالشعور بالتجاهل في القاهرة، فضلًا عن مطالبة اسرائيل بحقوق اليهود الذين هاجروا من مصر، أو مطالبتها بحق عودة هؤلاء اليهود الى مصرquot;. غير أن تلك القضايا لن تكون مطروحة بحسب الدكتور طارق فهمي على طاولة المباحثات المصرية الاسرائيلية خلال قمة الغد، ولا سيما أن مصر لن تسمح بدخول تل ابيب في سياسة خلط الاوراق، أو المساواة بين حصول اليهود على ما يصفونه بالإرث الاقتصادي في مصر quot;شركات بنزايون وعدس وريفولي وشيكوريلquot;، وبين حصول الفلسطينيين على حق العودة الى الاراضي الفلسطينية التي طردوا منها.

ويؤكد الدكتور طارق فهمي أنّ إسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها تطالب بأن يكون لمصر دور مباشر في دفع الفلسطينيين الى التفاوض، كما يطالب نتانياهو بدور خاص لمبارك، لعلمه بأنه لا يمكن لأحد الضغط على الفلسطينيين سوى المصريين، كما ان الادارة الاميركية ترغب في ان يظل مشهد الملف الفلسطيني كما هو، والحيلولة دون قيام السلطة الفلسطينية بتوسيع مدار جولاتها الدولية، ولن يجد الفلسطينيون امام هذا الواقع الجديد سوى الاستجابة لخيار التفاوض غير المباشر مع اسرائيل عن طريق مصر والولايات المتحدة، خصوصًا أن تهديدات عباس وقيادات السلطة الفلسطينية لا تعدو كونها ذرًا للرماد في الأعين.