في العام 1948 تمت إقامة دولة اسرائيل على 78 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية كوطن قومي للشعب اليهودي، ومنذ إقامتها شهدت اسرائيل استجلاب ملايين اليهود إليها في مسعى منها لتعزيز مكانة اليهود فيها، وبهدف تجميع اكبر عدد ممكن من يهود العالم في دولة الشعب اليهودي الوحيدة في العالم.
شكلت دولة اسرائيل مركزا لاستيعاب واستجلاب يهود العالم، معتمدة بذلك على فلسفة الحركة الصهيونية القائمة على اعتماد الهجرة إلى ارض السمن والعسل، كجزء من تحقيق الحلم الصهيوني والذي وصل ذروته بإقامة الوطن القومي لليهود.
في العام 1951 اعتمد الكنيست الإسرائيلي قانون العودة، والذي نص على حق كل يهودي بالعودة إلى دولة اسرائيل، والقدوم إلى ارض صهيون. ويشكل مفهوم الهجرة جوهر الحركة الصهيونية والعمود الفقري الذي تقوم عليه الحركة الصهيونية العالمية.
ومنذ بداية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني كانت الهجرة جزءا أساسيا في بلورة وإقامة الدولة العبرية، على اعتبار أن اسرائيل يجب أن تكون مركزا لاستيعاب اليهود من شتى أرجاء المعمورة، وقد استخدمت الحركة الصهيونية كافة الوسائل المتاحة لتعزيز فكرة الهجرة اليهودية إلى اسرائيل، إن كان ذلك بالمفهوم اللغوي للكلمة أو المفهوم الديني والسياسي والأمني للقضية.
استجلاب المهاجرين الجدد هدف إسرائيلي قومي
تأخذ قضية استجلاب المهاجرين الجدد لإسرائيل حيزا كبيرا في الأجندة الإسرائيلية بمختلف أطيافها ومسمياتها السياسية، إذ شهدت اسرائيل منذ العام 1948 موجات هجرة كثيرة هدفت بالأساس إلى زيادة عدد اليهود في اسرائيل مقابل الفلسطينيين.
في العام 1989 بدأت موجة الهجرة الكبرى للمهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق، حيث وصل في غضون عقد من الزمن (1990-2000) ما يقارب المليون مهاجر جديد يهودي من دول الاتحاد السوفيتي السابق، والتي أوجدت quot;طائفةquot; جديدة في المجتمع الإسرائيلي. حيث يشكل الروس(18 ـ 19%) من مجمل المواطنين في إسرائيل.
فعلى الرغم من الإجماع الإسرائيلي الواسع على استجلاب المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق، من منطلق كونهم يعززون الحالة الديمغرافية لصالح اليهود في اسرائيل، إلى جانب كونه عملا صهيونيا إيديولوجيا وقوميا، إلا أن الحماسة لاستيعاب الروس وغيرهم من يهود رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق أخذت بالتلاشي تدريجيا، حتى وصل الحد في العديد من الأطياف السياسية إلى توجيه أصابع الاتهام للقادمين الجدد بجلب ظواهر وآفات جديدة على المجتمع الإسرائيلي. وأن هؤلاء القادمين الجدد، جلبوا معهم أفكاراً لم تكن منتشرة أو قائمة في المجتمع الإسرائيلي، كالجريمة المنظمة والدعارة والإدمان على الكحول وغيرها، هذا بالإضافة إلى دخول عصابات المافيا وانتشار ظاهرة رشاوى و شراء الأحزاب الفاعلة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.
نظرة سلبية تجاه المهاجرين
بعد موجة الهجرة الكبرى أخذت تطفو على السطح مشاكل كثيرة تكمن في استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، وبروز المنافسة على تحصيل الحقوق على حساب مجموعات اتنية أخرى، تحولت النظرة إلى المهاجرين الجدد تزداد سلبا حتى وصلت في الكثير من الأحيان إلى توجيه دعوات لوقف الهجرة من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق.
وهذا الأمر ينعكس من خلال نظرة المجتمع الإسرائيلي للقادمين الجدد، إذ يتبين من أن معظم المهاجرين quot;عادواquot; إلى إسرائيل ليس من منطلق قناعتهم بالفكر القومي، بل من اجل الهروب من الواقع الاقتصادي الصعب والسيئ في الدول التي قدموا منها.
المشاكل التي تواجه القادمين الجدد:
اليوم وبعد نحو 20 عاما من موجة الهجرة الكبرى ليهود الاتحاد السوفييتي السابق، ظهر جليا عدد من المشاكل شكلت صعوبات لهؤلاء القادمين الجديد أبرزها: عدم توفر أماكن عمل إذ إن هناك صعوبة في تأمين أماكن عمل لهم حيث يفوق عدد العاملين من بين القادمين الروس400 ألف مهاجر، وفقط 33 بالمائة منهم يعملون في مجال تخصصاتهم، علما أن 82 بالمائة من القادمين هم من حملة الشهادات العليا. منهم 107 آلاف مهندس، 25 ألف طبيب، 14 ألف عالم، و21 ألف ممرض وممرضة و5 آلاف مدرس و2000 خبير اقتصادي وغيرها من المجالات.
يعاني المهاجرون الجدد التمييز في الرواتب والضمانات الاجتماعية، حيث تتبع المؤسسات الإسرائيلية سياسة التمييز ضدهم، في ما يتعلق بالرواتب والضمانات الاجتماعية، حيث تقوم الكثير من المؤسسات المشغلة للروس بطردهم، بادعاء الإساءة إليها، وهناك مؤسسات ترفض استيعابهم أصلا.
و أقام القادمون الروس، خلال محاولتهم للاندماج في المجتمع الإسرائيلي، أحزابا خاصة بهم، وتحديدا نتان شيرانسكي، الذي أقام حزب quot;يسرائيل بعلياه- إسرائيل المهاجرةquot;، و افيغدور ليبرمان حيث شكل حزب quot; يسرائيل بيتينوquot; وتحول اليوم إلى الحزب الثالث في اسرائيل، إلى جانب تأييد المهاجرين الروس لأحزاب فاعلة في الساحة السياسية الإسرائيلية، مثل quot;الليكودquot; وquot;كاديماquot; وquot;العملquot;.
حنين: نصف مهاجري دول الاتحاد السوفييتي السابق اندمجوا في المجتمع الإسرائيلي
المحاضر في جامعة بار أيلان والعالم الرئيس في وزارة الاستيعاب والهجرة الإسرائيلية د. زئيف حنين قال لـquot;إيلافquot; : quot;منذ الهجرة الكبرى (1989-2000) وصل مليون و200 ألف مهاجر جديد من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى اسرائيل، واليوم يوجد نحو 890 ألف يهودي من دول الاتحاد السوفييتي السابق في اسرائيل. فيما ترك حوالى 5 بالمائة منهم اسرائيل. واليوم تصل نسبتهم 19 في المائة من الإسرائيليين اليوم وهم مهاجرون من دول رابطة الشعوب.
ويضيف حنين:quot; انخرط نحو 50 بالمائة منهم في حياة الدولة وفي واقع الأمر أصبحوا عنصرا مركزيا ومهما في كل مجالات الحياة الإسرائيلية في الاقتصاد، في الأمن، في الأكاديمية، في الطب، في الثقافة وغيرهاquot;.
ويبين حنين أن المهاجرين الجدد موزعون في أنحاء اسرائيل، وتحديدا في المدن المتوسطة كالكاريوت(شمال حيفا) واشكلون ونتسيرت عيليت وغيرها، مشيرا إلى أن مدينتي حيفا واشدود استوعبت عددًا كبيرًا من المهاجرين، وان هناك مدنًا يشكل الروس فيها (25 بالمائة) كمدينة ايلات واشدود (20 بالمائة)، حيفا (20 بالمائة)، بئر السبع (15 بالمائة)، تل أبيب (18 بالمائة)، بات يام (15 بالمائة) بينما في القدس لا يتعدى عددهم الـ(3 بالمائة).
ويوضح حنين أن غالبية الأبحاث تشير إلى أن القادمين الجدد يسعون إلى الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصا الشباب منهم، إذ إن غالبية الشباب ينتمون إلى المجتمع الإسرائيلي، ولكن كما في كل المجتمعات الأخرى، هناك أقلية من المهاجرين الجدد الروس ورابطة الدول المستقلة لا يتحدثون العبرية كلياً أو جزئياً، وخصوصاً كبار السن منهم كلغة للتفاهم. وهناك مجموعة لا تتعدى نسبتهم 10 بالمائة يحافظون على خصوصيتهم كروس، ويقومون بنشاطات وفعاليات اجتماعية وتربوية وثقافية بالروسية. وقد بلوروا ثقافة روسية ويوجد ما يقارب 50 إصداراً روسياً، منها جريدة الأخبار الأكثر انتشاراً، جريدة quot;بلدنquot;، وquot;أخبار الأسبوعquot; وغيرهاquot;.
تعريف من هو يهودي يشكل مشكلة وتحديا
ويشير د. حنين إلى قضية حساسة يعانيها المهاجرون الجدد وهي قضية تعريف من هو اليهودي وفق الشريعة اليهودية quot;الهالاخاهquot;، إذ إن الحديث يدور عن حوالى 33 بالمائة من المهاجرين الجدد إنهم ليسوا يهودا وفق الشريعة اليهودية، والتي تشكل مشكلة بالنسبة لهم في قضية الزواج وقضية الدفن.
وهناك جدل داخل الأوساط السياسية حول الموضوع فثمة جهات تدعو إلى تخفيف الشروط المطلوبة التي تضعها الحاخامية الرئيسة وهناك من يدعو إلى التشديد، ولكن ثمة إمكانية في اسرائيل أن تعيش فيها وان لا تكون يهوديًا.
ويرى حنين أن النظرة السلبية حيال المهاجرين الجدد تراجعت عما كانت عليه في بداية الهجرة، واليوم تحولت النظرة إلى المهاجرين الجدد الروس ودول الاتحاد السوفييتي السابق أفضل نوعا ما.
سبتلوبه: المهاجرون الجدد يريدون الاندماج في المجتمع الإسرائيلي
الصحافية الروسية كسينا سبتلوبه قالت لـquot;إيلافquot;:quot;عدد المهاجرين الجدد في اسرائيل يتعدى الـ1.2 مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفييتي السابق وقد نجح أكثر من نصف المهاجرين الجدد بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وهم يحافظون على ثقافتهم الروسية ولكن مع مواصلة مساعيهم للاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
وتضيف: الوضع اليوم مختلف عما كان إبان الهجرة الكبرى التي كانت في 1989-2000، وقد تغيرت النظرة الإسرائيلية نحو المهاجرين، وأضحى المهاجرون لا يأخذون على محمل الجد ما يتم توجيهه إليهم، ويعملون على تغيير النظرة كونهم يريدون الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
واليوم ونتيجة للاندماج في المجتمع الإسرائيلي نرى أن هناك مشاركة كبيرة من قبل المهاجرين الجدد من روسيا ورابطة الشعوب المستقلة في الحياة السياسية والثقافية والتربوية الإسرائيلية، وعملية الاندماج تسير بخطى جيدة.
وتشير سبتلوبه إلى أن المشكلة الأساسية كانت لدى المهاجرين الجدد ككل المجتمعات هي قضية الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، إذ إن غالبية المهاجرين جاؤوا إلى البلاد بناءً على دعوة من الدولة، وهناك ثمة شعور إنه تم إهمالهم في البداية.
والقضية الأساسية اليوم التي تشكل مشكلة بالنسبة إلى المهاجرين قضية اعتناق اليهودية، إذ إن غالبية اليهود المهاجرين يعرفون وفق الأب وليس حسب الشريعة اليهودية quot;الهالاخاهquot; وقانون الهجرة الإسرائيلي للعام 1951 تعريف اليهود حسب إلام.
وتقول سبتلوبه غالبية المهاجرين الجدد يعرفون أنفسهم كإسرائيليين، وثقافتهم هي إسرائيلية، مع العلم أن هناك مجموعة لا تزال تحافظ على ثقافتها الروسية. واليوم يوجد وسائل إعلام خاصة بالروس وتتحدث باللغة الروسية.
وأخيرا تقول محدثتنا إن سبب توجه المهاجرين الروس الجدد لليمين الإسرائيلي هو عدم المعرفة المسبقة لمجريات الحياة القائمة في الشرق الأوسط، حيث تمت عملية غسل دماغ لمهاجرين، ولكن هناك أيضا من هم في أطر اليسار الإسرائيلي، ومع مرور الوقت ومع التقدم في عملية السلام أمل أن يكون الوضع مختلفا.
التعليقات