مبعدون منبيت لحم
يعاني عدد من الفلسطينيين المبعدين من بيت لحم إلى غزة، منذ قرابة التسع سنوات، من الغربة داخل الوطن، إضافة إلى نسيان قضيتهم من قبل الجهات المعنية وبقائهم بعيداً عن أهلهم، ويعيش هؤلاء ظروفا بالغة الصعوبة في قطاع غزة.


تغريد عطا الله من غزة:يعيش عدد من الفلسطينيين الذين تم إبعادهم إلى قطاع غزة منذ قرابة العشر سنوات، ظروفاً بالغة الصعوبة، وهم يؤكدون أنهم يعيشون غربة داخل وطنهم، بعد أن باتت قضيتهم عالقة دون حل، وهم الذين كانوا مطلوبين للجيش الإسرائيلي في مدينة بيت لحم، عندما فروا وتحصنوا في كنيسة المهد في المدينة، قبل أن تتم تسوية بترحيلهم بدل سجنهم.

يقول خالد صلاح (35 عاماً) وهو أحد المبعدين الذي يعيش حالياً في قطاع غزة quot;كان قرار الإبعاد مؤلمًا جداً، لكن الشعور الأكثر إيلاماً هو أن تأكل قلبك الغربة داخل وطنك، فتصبح الغربة غربات، ولا تدري على أيها تحزن أكثرquot;. أبعد صلاح من بيت لحم عام 2002، بعد أن حوصر مع مجموعة من المطلوبين من قبل الجيش الإسرائيلي في كنيسة المهد التي كانت الملاذ الوحيد الآمن لهم. وقد جرى ترحيل 26 منهم إلى قطاع غزة و13 آخرين إلى أوروبا، وذلك حسب الاتفاقية المشتركة بين جهات إسرائيلية وأوروبية وفلسطينية كحل بديل لتجنب أسرهم في السجون الإسرائيلية.

بعد عام من الإبعاد استقر خالد صلاح في مدينة غزة وتزوج وأنجب ابنته دلال التي أسماها تيمناً باسم المناضلة الفلسطينية دلال المغربي، ومع الإستقرار العائلي ما زال يعاني الغربة. يقول خالد:quot;كنت أظن أن الإبعاد سيستمر لمدة عام أو عامين لكنّه بدأ يدخل عامه العاشر وليس هناك أي مؤشرات لمحاولة حلّ قضيتناquot;، وبلهجة صارمة يقول خالد:quot;أقول لك لقد نسينا الأهل قبل المسؤولينquot;، وتابع:quot;الإعلام دوّن الكثير عن قضية ترحيلنا في البداية، لكننا كما قلت لك نسيناquot;.
عندما يأتي الحديث على تواصله مع أهله في بيت لحم تلتحم رنة صوت خالد بحنين عمره 9 أعوام إلى والدته خصوصاً ورفاق عمره فيقول:quot;أتواصل مع أهلي عبر الهاتف والإنترنت، كما زارتني أمي مرتين، وقد سافرت معها ومع زوجتي لأداء العمرة. وأخي أيضاً زارني مرة واحدة، وكان ذلك قبل اختطاف الجندي الإسرائيلي شاليط، ولم أرهم بعد ذلكquot;، يصمت وتمتد تنهيدته الأخيرة في رجاء وأمل أن تظل قضيته مطروحة على الطاولة لإيجاد الحل لها.

وفي حين تشكّل عملية إبعاد خالد صلاح ورفاقه قضية مختلفة عن مبعدي القرار العسكري 1650 أوائل عام 2010 الذي يقضي بترحيل كل شخص يقيم في الضفة الغربية ولا يمتلك أوراقاً ثبوتية تثبت شرعية إقامته فيها أو له أصول أو جذور من غزة إلى خط بيت حانون في قطاع غزة، إلا أن هذه الخطوة هي ابنة المخططات الإسرائيلية للترحيل والتغريب داخل وخارج الوطن.

استنكار حقوقي للإبعاد

من جهته أكدّ مركز الميزان لحقوق الإنسان أن هذا القرار يمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، وخاصةً القانون الدولي الإنساني، حيث تحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة القوة القائمة بالإحتلال بإبعاد الأشخاص المحميين، وتضع شروطاً تقيد أي عمليات إبعاد، حيث يجب أن تكون لأسباب عسكرية قهرية.

كما أن المركز يؤكد أن جرائم الإبعاد والنقل القسري للفلسطينيين تشكل حلقة إضافية من سلسلة طويلة من الإنتهاكات التي ترتكبها قوات الإحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويعبر المركز عن قلقه العميق من أن يتم تنفيذ قرارات إبعاد لأعداد كبيرة من الفلسطينيين من الضفة الغربية بموجب القرارات العسكرية الجديدة. وعليه يطالب المركز المجتمع الدولي، لا سيما الأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، بالتحرك العاجل والفاعل لوضع حد لهذه الانتهاكات وتوفير الحماية الدولية للسكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

حلول موقتة
تقوم وزارة الأسرى في قطاع غزة برصد بيانات المبعدين إلى قطاع غزة حسب قرار 1650 الجائر، حيث وصل عدد المبعدين إلى قطاع غزة إلى 24 مبعداً خلال العام المنصرم 2010.
وأفادت مسؤولة العلاقات العامة في وزارة الأسرى ديما ماصّة بأن الوزارة تقوم بالتنسيق مع الجهات المعنية من شؤون اجتماعية ومؤسسات حقوق إنسان لرعاية أولئك المبعدين. وأضافت quot;لا نملك في ظل الظروف المعيشية التي يعيشها قطاع غزة سوى حلول موقتة مثل توفير خيام قماشية لهم ومبالغ مادية تصرف لهم كل فترةquot;.
تأتي هذه الحلول الموقتة بينما تستمر المخططات الإسرائيلية بترحيل وتغريب الفلسطينيين عن أرضهم على النهج نفسه دون أن توقفها أي استنكارات لحقوق الإنسان أو أي قرارات دولية أو أيّ آلام غربة إنسانية ما زالت تتأمل فرجاً قريباً رغم كل التأزمات السياسية والانشطارات الداخلية الراهنة.