لمتابعة آخرأخبارتونسأنقر على الصورة
قالت صحيفة quot;ديلي تليغرافquot; البريطانية أن الشرق الأوسط سيشهد تغيرا في أنماط التغيير السياسي بعد أن كان كل شيء في يد الجنرالات، وتعتقد الصحيفة أن زين العابدين بن على هو أول ضحايا laquo;ويكيليكسraquo;.


وصلت 23 سنة من حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى ختامها بفضل أول ثورة شعبية في الأزمنة الحديثة في العالم العربي. لكن هذا حدا بالعديد من أنظمة المنطقة للنظر بعين القلق والتوجس إزاء ما يمكن ان يأتي به الشباب الضائقين ذرعا بها.
كان الشرق الأوسط في القرن العشرين منطقة لا يحدث التغيير السياسي فيها الا عبر الحروب أو الانقلابات العسكرية. وكان القادة يختفون آناء الليل لأن جهة ما أخذتهم الى السجن وأعدمتهم هناك. بل ان حاكما سابقا للعراق اعدم بالرصاص في مبنى الإذاعة والتلفزيون وصُور إعدامه وعرضت جثته على الشاشات، وفقا لصحيفة laquo;ديلي تليغرافraquo;.

على أن الصحيفة تعتقد ان القرن الحادي والعشرين هذا سيشهد تغيّر هذه الأنماط. وسيحدث هذا، بشكل رئيسي، بفضل الإنترنت الذي أتى بالحكام قريبا من شعوبهم. ولهذا فإن هذه الشعوب هي التي ستقرر مستقبلها بنفسها وليس على أيدي جنرالاتها.
وربما كان بن على هو أول ضحايا laquo;ويكيليكسraquo;. فقد تحدثت برقيات سفير أميركي لدى تونس بشكل مطوّل عن حياة النعيم والترف التي يعيشها افراد اسرته وأقاربه، وعن الامبراطورية التجارية التي يملكونها ويديرونها.
وكما كان متوقعا فقد صار هذا هو الموضوع الرئيسي في الرسائل الإلكترونية التي تبادلها التونسيون وذلك بالرغم من الرقابة المُحكمة التي كانوا يعيشون في ظلها. ومما لا شك فيه هو ان حكام المنطقة الآخرين يعيشون حاليا على حد السكين لأن برقيات الدبلوماسيين عنهم ترسم صورا مماثلة إن لم تكن أسوأ.

ويبدو، من ناحية إيجابية، أن المتظاهرين التونسيين - برغم مقتل العشرات منهم - أدركوا أن ثمة حدودا في عصرنا هذا لا يستطيع أي حاكما تعديها للتشبث بالحكم عن طريق القوة. وربما كان صدام حسين هو مثال الحاكم الذي حاول كسر هذه القاعدة فخسر نظامه وحياته في محاولته المغامرة. وفي الثمانينات - من إيران إلى الفلبين - تمكنت القوى الشعبية من إسقاط الطغاة رغم تمتعهم بالحماية الأميركية نفسها.
وتونس، تبعا لأحد المحللين، لا تختلف كثيرا عن إيران. فهي تتمتع بشباب عالي التعليم لكنها ظلت تعاني من الركود الاقتصادي والفساد الواسع النطاق. وليلة الخميس الماضي، عندما أقر الرئيس بن علي علنا بالخطأ وقال إنه لا رئيس لتونس مدى الحياة ووعد بالتنحي في 2014، فقد كان يختار ايران العام 1979 وليس ايران العام 2009.

بعبارة أخرى فقد كان بن علي مستعدا لاستخدام القوة وليس القوة الكاسحة التي لا تبقي ولا تذر. ولا بد أنه كان يعتقد أنه ينقذ نظامه بهذا. ولأن الدكتاتوريات تعتمد في نهاية المطاف على التهديد بيد الدولة الحديدية، فقد اشتم الشعب التونسي رائحة الخوف تنبعث من أروقة نظامه. فمضى قدما على طريق ثورته متحديا حظر التجول وبنادق قوات الأمن.
وقد كانت الثورة الإيرانية قبل 30 عاما - كالعدوى - بداية سقوط دكتاتوريات أخرى على مدى السنوات العشر التالية التي تتوجت بانهيار الاتحاد السوفياتي نفسه. فهل تكون الثورة التونسية معدية بالمثل؟

الظروف في الدول العربية مختلفة بعض الشيء. فصحيح أن هذه الدول - بما فيها الغنيّة - تعاني من الركود الاقتصادي والفقر والبطالة. لكن أهلها يتصفون بأنهم يتمتعون بمستوى تعليمي ووعي سياسي يقلان كثيرا عن المتاح للشعب التونسي. وهذا إضافة الى أن أنظمتها أشد قسوة وقمعا وأكثر استعدادا للانقضاض الناري على شعوبها إذا سولت لها أنفسها التحرك ضدها. ومع ذلك فعليها ان تفكر منذ الآن في ما ستفعله بحال تكرر سيناريو الغضب التونسي على أراضيها.
لا يعلم أحد ما يخبئه المستقبل الآن لتونس. لكن الأمل هو أن تُصان لأهلها حقوقهم الدستورية والديمقراطية. والأساس لهذا موجود وأرساه بن علي نفسه. فثلث شباب البلاد على الأقل يتمتعون بالتعليم الى المستوى الجامعي وما فوقه، وحقوق المرأة مصانة ومقدسة.
ما تحتاج اليه تونس قبل كل شيء هو اليقظة. فهناك من المتربصين بالسلطة ممن يفتقرون الى التعليم والحداثة ويعادون القيم الليبرالية لأنهم يعتبرونها نقيضا للأصولية الدينية.