يعيش الكثير من سكان جنوب السودان حالة من الفرح نظرا لعودتهم إلى بلدهم بعد غياب طال أمده، لكنهم يدركون أن عليهم الكثير من القضايا التي يجب أن يجتازوها. وأن ملامح العلاقة بين الشمال والجنوب لم تتضح بعد.


بدت عملية التصويت على استفتاء تحديد المصير بالنسبة للسكان في جنوب السودان بمثابة المحطة الأخيرة في رحلة شاقة عاشها جيل بأكمله، منذ أن كانوا أطفالاً صغاراً وهم يلوذون بالفرار من جحيم الحرب الأهلية عبر الجبال والصحاري، ومروراً بالعيش لفترة من الوقت في مخيمات اللاجئين وكذلك الجامعات الأميركية المرموقة، ثم العودة من جديد للإدلاء بأصواتهم في ذلك الاستفتاء، وسط آمال كبيرة وخوف على ما قد تصبح قريباً أكثر دول العالم حداثةً بالعهد.

ومن هذا الجيل، ذلك الشخص الذي يدعى أبراهام أكوي، 31 عاماً، الذي سبق له أن سافر إلى الولايات المتحدة قبل 10 أعوام، هرباً من الصراع الذي شهدته السودان على مدار 22 عاماً، مثله مثل غيره من آلاف السودانيين. وقد استطاع أكوي أن يقهر الصعاب التي واجهها حين انتقل إلى أميركا، ونجح في الحصول على شهادة في التاريخ والاقتصاد من جامعة الجنوب في ولاية تينيسي، ثم على درجة الماجستير في الشؤون الحكومية وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جونز هوبكنز.

وبعد أن تمكن من تحقيق أشياء عدة، ها هي الحياة تعود به مرة أخرى إلى وطنه، بعد أن قرر رفقة كثيرين من أبناء جيله أن يعودوا إلى مسقط رأسهم لكي يدلوا بأصواتهم ويساعدوا موطنهم على أن ينتقل إلى حقبته التالية، رغم أنه قد كان من الممكن بالنسبة للجنوب سودانيين المقيمين في الولايات المتحدة أن يدلوا بأصواتهم في ذلك الاستفتاء من خلال مراكز الاقتراع التي فُتِحَت لهم في العديد من المدن الأميركية.

وفي هذا السياق، نقلت اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن أكوي، قوله :quot; مازلت غير مصدق أني متواجد هناquot;. في حين نقلت عن مواطن آخر يدعى فالنتينو أشاك دينغ، قوله :quot; اليوم تم تحقيق مهمة كم اشتقنا لإنجازها. وأشعر اليوم كما لو أن شخصاً قد منحني صوتي أخيراً. وكان من الضروري أن نكون هنا، على تلك الأرضquot;.

وعاودت الصحيفة لتنقل عن أكوي، قوله :quot; عندما جئت لأدلي بصوتي، كنت أفكر في الماضي، وكل ما مررنا به من أحداث. وقد أدليت بصوتي نيابةً عن جميع من زُهِقَت أرواحهم. وأدليت بصوتي أيضاً من أجل أخوتيquot;. ثم توقف وأضاف:quot; نظرت إلى ورقة الاقتراع لبضع ثواني، متخيلاً أنها ستطير، ثم قمت بوضعها في الصندوقquot;.

ثم مضت الصحيفة تقول إن أكوي يدرك أن تحديات كبيرة مازال على الجنوبيين أن يجتازوها. وأن كثير من القضايا الرئيسية التي ترسم ملاح العلاقة بين الشمال والجنوب مازالت لم تُحَل بعد. وهو ما أبرزته الصحيفة في تساؤلين : هل ستندلع حرب بسبب النزاع على منطقة أبي الحدودية المنتجة للنفط ؟ وهل ستُقسَّم العائدات المتأتية من احتياطات السودان النفطية الضخمة، التي يتركز أغلبها في الجنوب، بإنصاف ؟

وهنا، أوضح أكوي قائلاً :quot; مؤسساتنا السياسية والمالية ضعيفة. كما أن الحريات المدنية ليست قوية. ولا توجد مستشفيات جيدة، وليس هناك توريداً جيداً للأدوية. كما أن مهارات القراءة والكتابة لا تتوافر إلا لدى 15 % فقط من الجنوبيين. وهذا ليس بالأمر الجيد بالنسبة للديمقراطيةquot;. وقد حمَّل أكوي، شأنه شأن معظم الجنوبيين، الحكومة السودانية، التي تهيمن عليها النخبة العربية، مسؤولية المشكلات التي يعانيها الجنوب. وأكمل أكوي حديثه بالقول :quot; لا يمكن أن يكون لدينا حكماً جيداً طالما أن المؤسسات الخاصة بالتعليم العالي لا تتواجد هنا في الجنوبquot;.

وقد بدأ يعلب أكوي الآن دوراً في تشكيل المستقبل الذي يُنتظر أن يكون عليه موطنه. وهو ما جعله يقرر الاستقرار في الجنوب وأن يعمل مع الحكومة. وقالت واشنطن بوست إن وظيفته الحالية في وزارة المالية هي التأكد من أن الوزارات والإدارات الحكومية تقوم بإنفاق الأموال بصورة فعالة ووفقاً للمنصوص عليه في الميزانية السنوية.