يتحدث سكان جنوب السودان بحماسة عن المستقبل الذي ينتظرهم وعائدات النفط التي ستتدفق عليه بالمليارات التي ستقود الدولة الوليدة نحو التنمية والتطور، إلا أنّ الكثير من الازمات والمشاكل تنتظر هذه المنطقة التي تعاني من تفشي الأمراض والأمية.


اشاع الاستفتاء على استقلال جنوب السودان الذي ينتهي يوم السبت ، آمالاً عريضة بطوي صفحة دامية من تاريخ المنطقة. ومن المتوقع ان تكون نتيجة الاستفتاء انفصال الجنوب بسكانه البالغ عددهم 9 ملايين، غالبيتهم من المسيحيين والارواحيين ، عن الشمال ذي الأغلبية المسلمة، وبذلك اسدال الستار على تركة حرب اهلية كلفت اكثر من مليوني قتيل قبل التوصل الى اتفاقية السلام الشامل في عام 2005. ولكن الحلم بمستقبل زاهر يصطدم بواقع يستدعي تقييمًا أكثر رصانة وموضوعية للمصاعب المقبلة.

يتحدث جنوبيون بحماسة عن الاستقلال ومليارات الدولارات من عائدات النفط التي يظنون انها ستتدفق على دولتهم الوليدة لدفع عجلة التنمية الى الأمام. ولكنّ كثيرين يدركون المجاهيل والتحديات الكبيرة في منطقة تفتك بها الأمراض وتتفشى فيها الأمية ويستخدم الصبيان القوس والنشاب في رعي الماشية والحراسة ضد اللصوص.

لعلّ أهل الجنوب يعيدون اليوم رسم الحدود التي تنتمي الى الحقبة الاستعمارية ولكنّهم لا يعرفون ما يخبئه المستقبل ، حتى وهم يقفون ساعات تحت الشمس للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء. ونقلت صحيفة لوس انجلس تايمز عن لولا دينغ الذي يعمل في لجنة استفتاء الجنوب قوله ان الوضع اشبه بالشارع الذي تسير فيه سيارات كثيرة ولكن لا أحد يعرف الى أين تسير. واضاف ان على اهل الجنوب ان يتعاملوا بحذر مع quot;هذا الشيء الجديد المتمثل بالاستقلال لأن الحرية تأتي مصحوبة بكثير من المطباتquot;.

الزعيم القبلي يوت مانيويل امتنع عن الخوض في تفاصيل عملية تحويل الآمال الى دولة ولكنه تحدث باسم كثيرين حين قال: quot;انظروا الى هؤلاء الرجال السعداء. انهم هنا منذ ثلاثة ايام وكل ليلة يرقصون على الطبول حتى الصباح. فهذا حقنا حتى فرز كل الأصوات وسنعرف حينذاك ان التنمية قادمة والأطفال سيذهبون الى المدارسquot;.

بعيدًا من الصرافين الواقفين على جانب الطريق ولوريات الجيش القديمة نصف المدفونة في التراب ، يتفقد الدكتور حسن اولي عيادة بدأ العمل على بنائها خلال الحرب. وقال الدكتور اولي لصحيفة لوس انجيليس تايمز ان الحياة ستكون أفضل في السنوات المقبلة ولكنه ابدى قلقه على الدولة الجديدة من خطر الفساد والقبلية اللذين خربا عدة دول افريقية قبلها.

روى الدكتور اولي ان البداية كانت صيدلية quot;ثم أُضيف سرير ثم اثنان ثم ثلاثة والآن لدينا 40 سريرًا. انها ليست كافية. فنحن نعالج المرضى من الملاريا والتيفوئيد وفيروس مرض الأيدز وديدان الامعاء والالتهابات. وكثير من العائلات لا تستطيع ان تتحمل نفقات العلاج فنقدمه بالدين لأننا لا نستطيع ان نرفض المريضquot;. وتابع الدكتور اولي: quot;كانت لدينا عبودية والآن حان وقت التحريرquot;.

وقالت صحيفة لوس انجلس تايمز ان كلمة quot;عبوديةquot; تتردد بين اهل الجنوب وهي quot;محفورة في الوعي الشعبي ، إرث يجعل الاستقلال حلو المذاق لكنه ليس واضح المعالمquot; ، بحسب تعبيرها . ولاحظت ان quot;اهل جنوب السودان أكثر بلاغة في الحديث عن اضطهاد الماضي وحروب الشمال العربي من التغني بالمستقبل القادمquot; ، على حد قولها.

قال الحداد سامسون سبت quot;ان ما يحدث للاستقلال يعتمد على ما تريده السوق الجديدة. فأنا اصنع أسرة وطاولات وكراسي والاستقلال سيأتيني بمزيد من الزبائن لأن الناس يريدون ان يبقوا هنا ويبنوا بيوتًاquot;.