إنقسم التونسيون بين مؤيّد لمرحلة انتقالية يشارك فيها رموز النظام المُطاح به، ومنتقدين للمعارضات التي هرولت لوضع اليد في اليد مع قيادات حزب بن علي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما أعتبره كثيرون انقلابا على ثورة الياسمين.


لهيب تونس...لحظة بلحظة: أنقر على الصورة للمتابعة

تونس، وكالات: من المنتظر أن يعلن الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي بعد ظهر الاثنين تشكيلة quot;حكومة وحدة وطنية مؤقتةquot; تضم ممثلي الأحزاب المعترف بها وتغيب عنها الأحزاب المحظورة التي تشير عدة مصادر إلى quot;إقصائهاquot; من مشاورات تشكيل الحكومة في مرحلة ما بعد سقوط بن علي.

ومن المتوقّع أن تشمل الحكومة الجديدة شخصيات مستقلة ونقابية وحقوقية، تتولى الإعداد لانتخابات مبكرة قد تجرى في غضون ستة أشهر.

وكانت مشاورات بين الغنوشي وقادة الأحزاب الثمانية المعترف بها والاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين ومنظمات أخرى، قد جرت السبت والأحد بعد يوم واحد من فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى السعوديّة.

وبات في شبه المؤكد أنّ الحكومة الجديدة ستضمّ لأول مرة في تاريخ تونس ممثلين لثلاثة أحزاب كانت توصف بأنها quot;راديكاليةquot; وتقول إنها للإقصاء والتضييق والانتهاك في عهد بن علي، وهي الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل العمل والحريات وحركة التجديد، بينما تقرر إقصاء أحزاب الموالاة التي كانت تدعم علنا بن علي قبل سقوطه.

وقال الغنوشي الأحد في تصريحات بثها التلفزيون التونسي إن الحكومة الجديدة ستفتح صفحة جديدة، متوعدا بمحاسبة صارمة للمتورطين في الاعتداءات التي ينفذها مؤيدون للرئيس المخلوع،وبكشف من يقف وراءهم.

وقال إنّ المشاورات الجارية بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية قد تقدمت بشكل كبير ما يتيح وبسرعة تفرغ الأطراف الوطنية لإعادة البناء وإدخال الإصلاحات سيما تطوير الحياة السياسية وتكريس الديمقراطية إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تمكن من تحسين ظروف عيش التونسيين.وبالنظر إلى ما ينتاب المواطن اليوم من شعور بالخوف والقلق، أكد الغنوشي حرصه على طمأنة التونسيين على أن الأمور بدأت تعود شيئا فشيئا إلى طبيعتهاquot; مشيرا إلى أنه quot;تم إيقاف عدد كبير من عصابات الإجرام والاعتداء على الأرواح والممتلكات، هذه العصابات التي تريد نشر الفوضى والخراب من قبل من يريدون أن يستعبدوا من جديد الشعب التونسيquot;.

وشدد الوزير الأول على أنه quot;لا تسامح أبداquot; مع كل من اعتدى على أمن البلاد وأمن المواطن مهما كان الوسط الذي يرجع إليه.

وأضاف أن أهم استنتاج يمكن الخروج به من المحنة الحالية التي تعيشها تونس هو أن quot;بلادنا لها شعب كبير وعظيمquot;، هو اليوم بصدد كتابة صفحة جديدة من تاريخه، قائلا quot;إني أشكر من القلب كل التونسيين على وقفتهم الرائعة للحفاظ على مكاسب البلاد من خلال تشكيل فرق دفاع مدني للدفاع عن ممتلكاتهم ومكتسبات بلدهمquot;.

كما تقدم بالشكر للتونسيين على وقفتهم التضامنية وعلى الروح الوطنية التي أصبحت تطغى على كل الاعتبارات الأخرى، مكبرا العمل البطولي الذي تقوم به قوات الأمن الداخلي بكامل تشكيلاتها من شرطة وحرس والجيش الوطني، لضمان سلامة الوطن والمواطن.

وبين الغنوشي أن هذا العمل ساعد على ضبط عدد كبير من أفراد عصابات الإجرام التي ستكشف الأيام المقبلة عمن يقف وراءها وهي أطراف قال إنها تريد الإضرار بتونس وتركيع شعبها واستعباده، تونس التي حققت مكاسب هامة، رغم ما يوجد من نقائص ولكنها مكاسب كبرى لأنها تحققت رغم قلة الموارد.

إلى ذلك، فتحت مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة بين رموز من نظام الرئيس المخلوع وبعض الأحزاب، الباب على مصراعيه أمام جدل لا ينتهي بخصوص طريقة تعاطي المعارضة مع الراهن والمستجدات الجديدة.

وانقسم التونسيون بين مؤيّد لمرحلة انتقالية يشارك فيها رموز النظام المطاح به، في حين يرى كثيرون أن المعارضات التي هرولت لوضع اليد في اليد مع قيادات حزب التجمع الحاكم لتشكيل حكومة وحدة وطنية، quot;خيّبت آمال المحتجين الذين أسقطوا الرئيس السابق وكلهم أمل في القطع نهائيا مع حقبته وعهدهquot;.

ولا يبدو الارتياح تجاه تولي شخصيات عرفت بولائها للنظام السابق لزمام المرحلة الانتقالية باديا على مُحيّا كثيرين ممن يرون أن تاريخ حزب quot;التجمع الدستوري الديمقراطيquot; هو تاريخ الإقصاء والمؤامرات والشمولية والاستبدادquot;.

ويبدي كثيرون مخاوف من أن يعمل هؤلاء على إعادة إنتاج النظام الاستبدادي ذاته.

وتنقسم المعارضة حاليا بين من يرى أنّ الوضع الهش الذي أعقب فرار بن علي يفرض التعامل مع الحرس القديم خلال المرحلة الانتقالية، لما فيه خير تونس ومصلحتها، في حين يرى كثيرون أن لا شرعية لرموز حزب التجمع الذين يسيرون الآن دفة الحكم نحو المجهول، خصوصا وأنّ معظمهم عُرف عنه دعم وتكريس الدكتاتورية خلال سنوات حكم بن علي.

وفي هذا السياق يقول الناشط الحقوقيّ عدنان حسناوي في إفادات لـ(إيلاف): quot;تعلمنا من الثورة الإيرانية أنه ليس بإقصاء كل أعوان و إطارات النظام القديم يكون بناء الديمقراطية بل بهذا العمل نكون قيد إقامة ديكتاتورية جديدة، كما تعلمنا من حالة العراق أنه عندما حلت القوات الأمريكية حزب البعث و الجيش العراقي وقعت الكارثة و دخل العراق في الحرب الأهلية و لم يخرج منها إلى اليوم، وعليه لا يجب على التونسيين الوقوع في نفس الأخطاء، الديمقراطية تتطلب مشاركة الجميع في بناءها بما فيها حزب التجمّعquot;.

ويرى عدنان حسناوي وهو ناشط ضمن منظمة quot;هويمن رايتس فيرستquot; الحقوقية الأميركية أن دقة المرحلة تتطلب وعيا من الجميع، ويقول :quot; في هذا المجال أذكر بخطورة التحريض على الانتقام الذي يروج له بعض من الراديكاليين من الإسلاميين والشيوعيين والمطلوب اليوم هو مساعدة كل الشعب التونسي للخروج من كهف الظلم إلى واحة الحرية

والطريق الوحيد الآن هو الانتخابات والذكاء و القدرة على وضع البرامج و الحلول للمشاكل وخدمة الشعب التونسي، أي إعلان موت التملق والمحاباة كوسائل للبقاء في المناصب، وهذا ما كان معمول به في عهد بن علي،كما أنه ليس عبر التحريض ضد جزء من الشعب التونسي والتطرف سيكون الوصول للحكم من ناحية أخرىquot;.

الحياة تدب مجددا في العاصمة التونسية بعد اشتباكات الاحد

عادت الحياة مجددا صباح الاثنين الى العاصمة التونسية بيد ان اغلب المتاجر ظلت مغلقة بعد اشتباكات عنيفة وقعت الاحد، في وقت تنتظر البلاد اعلان حكومة وحدة انتقالية بعد ثلاثة ايام من سقوط نظام زين العابدين بن علي.

وفتحت بعض المقاهي ومحلات بيع السجائر والمخابز في وسط العاصمة التي كانت رائحة البارود لا تزال تنتشر فيها، بحسب مراسلي وكالة فرانس.

في شارع الحبيب بورقيبة شوهد عدد من المارة يحملون كميات من الخبز احتياطا لحدوث نقص في التموين والكثير من عناصر الشرطة المسلحين.

وانتشر الجيش امام مقر وزارة الداخلية حيث نصب اسلاكا شائكة.

كما انتشر العديد من عناصر الشرطة المسلحين في الشوارع المؤدية الى شارع الحبيب بورقيبة حيث كانت جرت معارك عنيفة بعد ظهر الاحد بين قناصة مختبئين على اسطح عمارات وقوات الامن.

ويتوقع ان يعلن رئيس الوزراء التونسي المكلف محمد الغنوشي اليوم تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي ستتولى العملية الانتقالية حتى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في موعد اقصاه شهرين بحسب الدستور.

وقال معارضون انه من المتوقع ان تستبعد منها الاحزاب الموالية للنظام المطاح به.

في الاثناء بدا المواطنون في وسط العاصمة غير خائفين من اشتباكات الاحد ومتحمسين.

وقال النقابي مصطفى بن احمد quot;لسنا خائفين (..) هذا الوغد بن علي فر وترك البلاد تحترق (..) لكن سقط الناس شهداء هنا من اجل الديمقراطية والحرية والعدل ولن نتراجعquot;.

وغير بعيد منه في شارع الحبيب بورقيبة قال بدر الدين الشواشي (موظف 52 عاما) في تاثر باد quot;لست خائفا، فانا لست افضل من الشهداء الذين سقطوا ومهما كان حجم الاضرار والتضحيات فهي لا تساوي قطرة من دم شهيد تونسي واحدquot;.

واضاف quot;كنا (في عهد بن علي) نخجل من التصريح بهويتنا، اما اليوم فاننا نفخر باننا تونسيونquot;.