منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري العام 2005 تتلاحق الأزمات السياسية في لبنان.


بيروت: يخشى أن يتفاقم الوضع في لبنان مع إيداع مدعي المحكمة الدولية المكلفة النظر في الجريمة، المحكمة، الاثنين القرار الظني الذي يتوقع ان يتضمن اتهاما الى حزب الله. وقتل الحريري في عملية تفجير في بيروت في 14 شباط/فبراير 2005.

وأحدث إغتياله تغييراً في المشهد السياسي اللبناني، اذ توسعت المعارضة التي كانت قائمة في وجه السوريين وكبرت ككرة الثلج. وما لبث ان انسحب الجيش السوري من لبنان بعد ثلاثين سنة من الوجود في نيسان/أبريل 2005 بضغط من الشارع والمجتمع الدولي وبعد أن وجهت إلى دمشق أصابع الاتهام في الجريمة.

وشهد لبنان في تلك السنة انتخابات نيابية أوصلت غالبية نيابية كبيرة بزعامة سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، الى البرلمان. وتولى رفيق الحريري رئاسة الحكومة بين 1992 و1998، ثم من العام 2000 الى 2004، في ظل الهيمنة السورية. لكنه رفض تولي تشكيل حكومة بعد 2004 بعد اعتراضه على التجديد للرئيس اللبناني السابق اميل لحود.

وفي تسجيل صوتي بثته قناة تلفزيونية لبنانية الاحد يعود الى العام 2007، يعبر سعد الحريري في افادة ادلى بها امام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال والده، عن اقتناعه بان سوريا خططت لعملية الاغتيال. ويقول الحريري بالانكليزية، بحسب التسجيل، quot;اعتقد ان آصف شوكت (صهر الرئيس السوري) وماهر الاسد (شقيقه) لهما دور كبير في (...) عملية الاغتيال والتحضير لدفع بشار (الاسد) في اتجاه اتخاذ هذا القرارquot;.

وفي يوم وقوع الجريمة، غادر رئيس الحكومة الاسبق مبنى البرلمان في وسط بيروت مع موكب كبير من السيارات المصفحة متوجها الى منزله القريب، عبر طريق ساحلي. ولدى وصوله الى قبالة فندق quot;سان جورجquot; الساعة 12:55 بالتوقيت المحلي، انفجرت شاحنة صغيرة من طراز ميتسوبيتشي في الموكب، بحسب ما أفادت لجنة التحقيق الدولية في وقت لاحق.

وقتل رفيق الحريري (60 عاما) على الفور. كما قتل 22 شخصا آخرين معظمهم لدى وقوع الانفجار وآخرون متأثرين بجروحهم، بينهم النائب باسل فليحان القريب من الحريري والذي كان الى جانبه في السيارة ذاتها.

واشار المحققون الى ان قوة الانفجار بلغت حوالى 1800 كلغ من مادة تي ان تي. وأصيب لبنان بصدمة، وكذلك المجتمع الدولي. وكان الحريري يملك شبكة واسعة من الاتصالات على المستوى الدولي وثروة ضخمة.

ويعزى اليه الفضل في اعادة اعمار لبنان بعد الحرب الاهلية (1975-1990). فقد جاب العالم لاقناع المستثمرين بالعودة الى البلد، واعطى الاولوية في الحكومات التي ترأسها لاعادة الاعمار، لا سيما في وسط بيروت الذي لا يزال معارضوه حتى الآن ينتقدون خطة اعماره بسبب كلفته المرتفعة والديون التي تراكمت خلال هذه الفترة.

ورد الحريري في مقابلة تلفزيونية مطولة ادلى بها قبل فترة قصيرة من اغتياله على منتقديه بالقول انه ربما أخطأ في بعض الاماكن quot;لكن من يعمل كثيرا، يخطىء كثيراquot;، معربا عن فخره بما أنجزه خلال توليه سدة المسؤولية.

ووصفت الامم المتحدة اغتيال الحريري بquot;الجريمة الارهابيةquot;، واقرت قيام تحقيق دولي في الجريمة. ونشأت في 2007 المحكمة الخاصة بلبنان، وهي المحكمة الدولية الاولى في العالم التي تنظر في quot;جريمة ارهابيةquot;.

وفي 14 آذار/مارس 2005، انطلقت quot;انتفاضة الاستقلالquot; التي سميت ايضا في ما بعد quot;ثورة الارزquot; والتي جمعت تيارات واحزابا وشخصيات من كل الطوائف اللبنانية طالبت عبر تجمعات شعبية هائلة بquot;الحرية والسيادة والاستقلالquot; وخروج الجيش السوري من لبنان، وهو ما حصل.

الا ان دمشق نفت باستمرار اي تورط لها في اغتيال الحريري. واذا كانت التقارير الاولية الصادرة عن لجنة التحقيق الدولية اشارت الى تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين في الجريمة، فان تقارير تداولتها خلال السنتين الماضيتين وسائل اعلام غربية توقعت ان يوجه الاتهام في الجريمة الى حزب الله.

وشذ حزب الله وحده عن القاعدة في 2005، فدعا في 8 آذار/مارس الى تجمع شعبي ضخم في وسط العاصمة لquot;شكر سورياquot; على خدماتها. وعاد حزب الله واستقطب في 2008 اليه التيار الوطني الحر بزعامة النائب المسيحي ميشال عون. وخاض الطرفان معا الانتخابات النيابية الاخيرة في 2009 التي فاز بها مرة ثانية تحالف قوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه).

ومنذ 2005، انقسم لبنان عموديا الى فريقين. وانتج الانقسام اكثر من ازمة، ابرزها بين تشرين الثاني/نوفمبر 2006 وايار/مايو 2007 على خلفية الخلاف حول المحكمة الدولية، وقد انتهت بمعارك في الشارع بين الفريقين اوقعت اكثر من مئة قتيل. وتهدد الازمة الحالية التي بدأت الصيف الماضي وتطورت الاربعاء الى سقوط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، بتعقيدات وتداعيات شبيهة بالازمة السابقة.