مجلس النواب العراقي

برزت الى الواجهة من جديد اليوم الاحتجاجات على المخصصات والمرتبات المرتفعة جدا للنواب العراقيين والتي تفوق مثيلاتها في دول العالم حيث هاجم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نوابا قدموا طلباً لشراء سيارات مصفحة لحمايتهم الشخصية تدفع من موازنة مجلس النواب بقيمة 70 مليون دولار داعيا إياهم الى عدم تبذير ثروات العراقيين وان يحموا أنفسهم بحب الشعب وخدمته.


وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رسالة إلى نواب يشيرون إلى أن مجموعة من نواب آخرين تقدموا بطلب الى رئيس البرلمان أسامة النجيفي يدعونه فيها شراء سيارات مصفحة لهم من موازنة المجلس تبلغ قيمتها 75 مليار دينار عراقي (حوالى 70 مليون دولار) طالبين رأيه بهذا الامر.

وانتقد الصدر بشدة هؤلاء النواب الذين يطلبون شراء السيارات المصفحة لحمايتهم الشخصية مذكّرا إيّاهم أن الشعب انتخبهم لخدمته وليس للاستحواذ على ثرواته. واشار الى أن هذه المبالغ التي ينفقونها على شراء مصفحات تحميهم يجب ان تصرف على الفقراء والمحرومين من الناس.. وقال في رده:quot;أيها البرلمانيون انما انتخبكم الشعب الحبيب من اجل أمنه ورفاهه وخدمته فكونوا عونا للشعب ولا تكونوا عبيدا لأنفسكم الأمّارة للسوء.. فأذا أردتم حماية أنفسكم فكونوا مع شعبكم ولا تبعدوا عنه. فالله والشعب حاميكم وأعمالكم ميزانكم فلا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.. ولا تنسوا ان هذه الملايين التي تصرف من اجل سياراتكم لو أنها صرفت للفقراء والمحرومين ومن لا ماء لهم ولا كهرباء ولا خدمات بل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وقوتهم الفقر والعوز فاتقوا الله حق تقاته فذلك أولى لكم وأفضلquot;.

ويأتي هذا الهجوم الذي وجهه الصدر ليثير من جديد الانتقادات التي توجه لضخامة المرتبات والمخصصات التي يتقاضها النواب العراقيون والتي تعتبر الاعلى في العالم حتى انهم تلقوا خلال فترة تعطل جلسات البرلمان لمدة ثمانية اشهر بين الانتخابات العامة التي جرت في آذار (مارس) الماضي وتشكيل الحكومة الجديدة في 21 كانون الاول (ديسمبر) الماضي حوالى 70 مليون دولار مرتبات عن عمل لم يؤدوه.

ومؤخرا اعتبر ممثل للمرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني مرتبات ومخصصات النواب العراقيين بأنها عالية وغير معقولة وزائدة عن الحد المفترض وطالب النواب بتخفيضها وصرفها على إنشاء مشاريع تصب في خدمة المواطن والبلد موضحا انه خلال السنوات المقبلة ستكلف هذه المرتبات والاخرى للوزراء وذوي الدرجات الوظيفية العليا خزينة البلاد حوالى 12 مليار دولار.

وطالب ممثل السيستاني خطيب جمعة كربلاء السيد احمد الصافي النواب بمناقشة الزيادة في مخصصاتهم وتقليلها إلى أدنى مستوى ممكن. ودعا الى quot;معالجة هذا الفحش الكبير في المرتبات والمخصصات وإيصالها إلى حد معقول وان يمارس النواب دورهم بشكل طبيعيquot;.

ومن جانبه اعتبر امام جمعة النجف ان المرتبات والمخصصات التي استلمها النواب العراقيون خلال تلك الفترة حراما وسحتا من الناحية الشرعية لانهم حصلوا عليها من دون القيام بأي جهد او عمل. وقال آية الله ياسين الموسوي انه وفقا للشريعة الإسلامية يعتبر أخذ المال دون مقابل أو مجهود محرم شرعا منوها بأن النواب كانوا يجلسون في بيوتهم طيلة أشهر ويتلقون مرتبات ومخصصات عالية من دون أي عمل يقومون به لصالح مواطنيهم الذين انتخبوهم.

وقد دفعت هذه الاحتجاجات بعدد من منظمات المجتمع المدني الى رفع شكوى قضائية يطالبون فيها باسترداد مرتبات النواب التي تقاضوها خلال فترة الثمانية اشهر الماضية. ويبلغ مجموع ما يتقاضاه النائب شهريا حوالى 30 الف دولار تتضمن مرتبه البالغ حوالى 12 الف دولار تضاف اليها مخصصات الحماية والسكن. ولكل عضو في مجلس النواب البالغ عددهم 325 نائبا 30 حارسا شخصيا معظمهم من أقاربهم ومعارفهم.

وكان مصدر عراقي كشف مؤخرا عن أعلى مرتبات سنوية لعشرة مسؤولين في الدولة العراقية في مقدمتهم الرؤساء الثلاثة للجمهورية والحكومة ومجلس النواب حيث تتراوح هذه المرتبات بين 700 الف دولار و360 الفا سنويا لكل واحد منهم.

وأشار المصدر الى انه طبقا لبيانات قدمتها مكاتب هؤلاء المسؤولين فإن هذه المرتبات ربما تكون اقل مما ينفق في الحقيقة بسبب عدم وجود طريقة لتدقيق حسابات الكبار في وقت علق رئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي على الامر بالقول إن مؤسسته لا تمتلك التفاصيل الدقيقة لمصروفات الطبقة السياسية العليا لأن مرتباتهم ومخصصاتهم لاتخضع لقانون محملا مجلس النواب السابق كامل المسؤولية حيال غموض ملف المصالح المالية لأكبر 10 موظفين في العراق.

واشار المصدر على سبيل المثال الى ان مكتب الرئيس جلال طالباني لم يكشف عن حجم المنافع الاجتماعية المتاحة للرئيس لكن المكتب ذكر ان الرئيس يتلقى شهرياً راتباً ومخصصات تبلغ 75 مليون دينار (أي 900 مليون دينار سنوياً) نحو 700 ألف دولار سنويا. وذكر المكتب ان بين ذلك المبلغ نحو 45 مليون دينار مخصصات بينها 2 مليون و250 ألف دينار للضيافة.

واضاف ان كلا من نائبي رئيس الجمهورية كما قالت مكاتبهم للجهات الرقابية يتلقون مرتبا مع المخصصات قدره 60 مليون دينار شهريا (سنويا 720 مليون دينار اي نحو 600 ألف دولار سنويا) دون كشف تفاصيل ذلك ولا حجم المخصصات او المنافع الاجتماعية.

وكان نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي قال مؤخرا انه يتلقى نحو مليون دولار شهرياً مرتبا ومخصصات ومنافع اجتماعية. ويقول المصدر ان مكتب رئيس الوزراء أبلغ الجهات الرقابية بأنه يتلقى 36 مليون دينار شهرياً 432 مليون دينار سنويا (نحو 360 ألف دولار سنويا) بينها 21 مليون دينار مخصصات خطورة لكنه لم يكشف مخصصات الضيافة ولا المخصصات الاستثنائية. واوضح ان رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي مدحت المحمود يتلقى مرتبا أقل من مرتب الوزير هو 10 ملايين دينار شهرياً دون علم بمخصصاته.

اما نائب رئيس الوزراء فيتلقى 17 مليون دينار دون علم بمخصصاته.. اما تقاعد كل من هؤلاء فأشار الى انه quot;عبارة عن 80 في المائة من الراتب والمخصصات مجتمعين لذلك نخرج بأرقام كبيرةquot;.

وتعليقا على هذه المعلومات قال القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة العامة ان رواتب كبار المسؤولين بنيت بشكل غير منطقي عموماً. واوضح انه في كل بلدان العالم يتلقى الموظف التشريعي اقل من الموظف التنفيذي لأن مسؤوليات الأول أقل ولا أحد يلاحقه بعقود وسياسات quot;لكن النواب العراقيين استبقوا الأمر وقالوا: لن نحدد رواتبنا برقم.. نحن نأخذ بقدر الوزراء. وهذه مخالفة واضحة لقاعدة عالمية وعليها نقيس باقي الاشياءquot;.

وحسب معلومات القاضي العكيلي فإن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية على سبيل المثال سجلت نموذجاً مهماً في هذا الإطار فقد كانت عضوا في الكونغرس الأميركي تتلقى راتب موظف تشريعي أقل بكثير من راتب الوزير. وحين انتقلت كوزيرة خارجية في إدارة باراك أوباما أجبرتها أجهزة الرقابة على أن تبقى تتسلم مرتب نائب البرلمان حتى لا تختلط الصفقة السياسية بشبهة الحصول على مرتب أعلى.

وبشأن تصريح عبد المهدي عن تلقيه مليون دولار شهرياً قال العكيلي ان المرتب أقل من ذلك بكثير لكن عبد المهدي يتحدث عن المنافع الاجتماعية لا المرتب. ويقول العكيلي إنه لم تتوفر لدى هيئة النزاهة حتى الآن معلومات عن تفاصيل المبلغ الضخم للمنافع او التقديرات الاولية حتى. ويضيف quot;لا يوجد هذا الرقم في أي سجل رسمي إلا في الموازنة التفصيلية الموجودة عند وزير المالية وهي غير منشورة والمفروض أن تنشر كما يحصل في باقي دول العالمquot;.

وكانت النائبة عن التحالف الوطني شذى الموسوي قالت مؤخرا ان مجمل مخصصات الرئاسات الثلاث يتجاوز 800 مليون دولار اميركي سنويا وأن مرتبات كل منهم غير معروفة للبرلمان. ويعد تكتم الجهات العليا في الدولة على الارقام النهائية لمرتبات المسؤولين امرا يفتح الباب على تداول ارقام غير رسمية بهذا الشأن. ويقول خبراء ان التكتم على مرتبات الكبار سببه خشيتهم من كشف مبالغها الطائلة للرأي العام في بلد يعيش فيه ملايين الفقراء.