صورة لتظاهرة دعما لثورة مصر في باريس
بدت باريس حذرة في التعبير عن موقفها تجاه الأحداث الجارية في مصر، تفاديا منها للسقوط من جديد في موقف محرج يضر بعلاقتها مع الشعب المصري، وفضلت في البدء أن تخرج ببلاغ جماعي للدولتين الكبريين أوروبيا، ألمانيا وبريطانيا.


باريس:أبدت باريس الكثير من الحذر تجاه الأحداث الجارية في مصر، تفاديا منها للسقوط من جديد في موقف محرج يضر بعلاقتها مع الشعب المصري، وفضلت في البدء أن تخرج ببلاغ جماعي للدولتين الكبريين أوروبيا، ألمانيا وبريطانيا.


إنتقاد المعارضة quot;صمت الحكومة الطويلquot;

لكن المعارضة الفرنسية كانت صارمة في موقفها تجاه النظام المصري، إذ اعتبرت مارتين أوبري الأمينة العامة للحزب الاشتراكي زعيمة المعارضة أن quot;باريس ظلت لوقت طويل صامتةquot;، كما أعربت عن quot;تضامنها مع الشعب المصري الذي يدافع عن الحرية والديمقراطية ومزيد من العدالة، كما فعل التونسيون بشجاعة وعزمquot;.

ودعمت أوبري بوضوح انتفاضة المصريين على أن يكون هناك quot;اختيارات ديمقراطية وحرةquot;، و في الأخير تنظيم انتخابات quot;حرة وديمقراطيةquot;، داعية لأن تقف quot;فرنسا إلى جانب الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والديمقراطيةquot;.

الضغط quot;المحتشمquot;

يؤكد المراقبون أن المجتمع الدولي مارس ضغطا محتشما على النظام المصري، معتبرين أن التعديلات على مستوى رأس هرم السلطة التي قام بها الرئيس حسني مبارك، لا تغير أي شيء في جوهر النظام المصري، بل هناك من اعتبرها حربا حقيقية على الشعب بتولي عسكريين لمنصبين مهمين في النظام.

فإن تعيين عمر سليمان كنائب للرئيس وأحمد شفيق رئيساً للحكومة ما هو إلا تأكيد، بحسب الملاحظين، على طبيعة النظام المصري على أن قطب الرحى فيه هو الجيش، وحان الوقت ليخرج إلى الواجهة خشية انفلات الحكم من بين يديه وquot;تدبير مرحلة انتقالية بنفسهquot;، كما يقول زياد ماجد.

وهناك من فسر هذا التعيين بكونه تكتيكا من حسني مبارك لجر العسكر إلى ساحة المعركة، حتى يتفادى أي سيناريو يمكن أن يحبك خلف ظهره ويتم عزله بتوافق الجيش مع الحركة الاحتجاجية أو جهات أجنبية أخرى نتيجة للضغط الداخلي والخارجي.

واستبعد ماجد المراهنة على الدعم الخارجي للتغيير في مصر، مؤكدا أن quot;الدينامية الداخلية أهم بكثير من نظيرتها الخارجيةquot;، مشيرا إلى دور الجيش المهم في هذه المرحلة، كما يعتقد أن هذه الاحتجاجات بإمكانها أن تذهب بعيدا بهدف تشكيل حكومة ائتلافية تقود مصر إلى مرحلة أخرى.

تضامن الجالية المصرية

تتابع الجالية المصرية في أوروبا باهتمام كبير مجريات الأحداث في بلدها، حيث نظمت العديد من الوقفات الداعمة للحركة الاحتجاجية الشعبية في مصر، شارك فيها عدد كبير من المهاجرين المصريين والعرب عند أبواب السفارات المصرية كما حدث في باريس.

وقال الإعلامي علاء الدخاخني لـquot;إيلافquot; إن quot;الجالية المصرية لم تنفصل نهائياً عما يحدث، وقد ظهر هذا جلياً في تظاهرات يوم السبت أمام السفارة المصرية في لندن، وكنا نردد الشعارات نفسها التي تردد في الشارع المصري وننقل الأخبار التي تصل إلينا من إخواننا في مصر بعد التأكد من صحتهاquot;.

وحول ما إذا كانت الجالية المصرية تحاول أن توفر أي شكل من أشكال الدعم لمواطنيها في البلد، قال الدخاخني quot;دعمنا من خلال عدة طرق: التظاهر أمام السفارة، التواصل مع أهلنا في مصر ونشر الأخبار عبر الانترنت من خلال فايسبوك وتويتر، وإيصال صوت إخواننا على الانترنت بكل الطرق ليعلم العالم أجمع ما يحدثquot;.

أما مطالب الجالية المصرية فيقول عنها الدخاخني quot;مطلبنا هو مطلب كل المصريين، لا يوجد فرقquot;، موضحا quot;أن ما نحن فيه جزء منه سببه النظام، فكل من غادر مصر للبحث عن فرصة عمل ومصدر رزق وحياة أكرم هو الذي يرغب في أن يعود في أقرب وقت لبناء مستقبل بلده، نحن غير مفصولين عن بلدنا، رغبتنا هي رغبتهم وما ينادون به نحن نؤيده ونطالب بهquot;.

وتنظر هذه الجالية، اليوم، إلى مستقبل آخر لبلدها، بحسب الدخاخني quot;لأننا لن نرضى بغير التغيير الشامل للنظام من أعلاهquot;، مستطردا quot;مستقبل بلدنا رسم بأيدي المصريين وقد لا نكون داخل مصر الآن، ولكن مستقبل مصر أصبح بيد أهلها سواء في الداخل أو الخارج، نحن نريد حياة كريمة وعدالة اجتماعية ونظام اقتصادي يساعد كل الشعب، وليس فئة قليلة في السلطة أو الأقرب إلى السلطةquot;.


حمل هذا البلاغ أو التصريح كما فضل أصحابه أن يسمّوه، توقيع كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثم رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، وعبروا فيه quot;عن إنشغالهم بالأحداثquot;، كما دعوا مبارك إلى quot;تجنب استعمال العنف بأي ثمن ضد المدنيينquot;.

وحتى يحافظ البلاغ على توازنه، دعا في الوقت نفسه المتظاهرين إلى quot;التظاهر بشكل سلميquot;، إلا أنه شدد في المقابل على quot;أن حقوق الإنسان والحريات يجب أن تحترم كاملة بما فيها حرية التعبير والتواصل، خصوصاً استعمال الهاتف والإنترنت وحق التجمع والتظاهر السلميquot;.

وفسر هذا البلاغ بأنه تأييد مبطن للحركة الشعبية المصرية دون الإعلان صراحة عن ذلك، ويتأكد ذلك أكثر من خلال دعوتهم quot;مبارك إلى الدخول في مسلسل للتغييرquot;، والذي يجب، بحسب البلاغ، quot;أن يترجم إلى حكومة بتمثيل موسع وانتخابات حرة وعادلةquot;.

حذر الحكومة الفرنسية

تحرص الحكومة الفرنسية على أن تكون حذرة إزاء تطور الأحداث في مصر، وترفض أن يخرج أي من عناصرها عن منطق quot;عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرىquot;، وهو ما حصل مع وزيرة الشباب جنات بوغارب التي دعت صراحة إلى quot;رحيل حسني مبارك عن الرئاسةquot;.

وجرّ عليها هذا التصريح استدعاءها إلى quot;ماتنيونquot;، مقر رئاسة الوزراء حيث عبر لها رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيو عن ضرورة التزام الخطوط الحمراء المرسومة للفريق الحكومي حول الأحداث في مصر، ولم تقدم في المقابل هذه الوزيرة ذات الأصول المغاربية أي اعتذار عما صدر منها، واكتفت بتوضيح أن موقف فرنسا هو ما يصدر عن رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.

وبدا واضحا أن الدبلوماسية الفرنسية لم تستيقظ بعد من ضربة الثورة التونسية، ولا تزال ميشيل أليو ماري وزيرة الخارجية الفرنسية تواجه هجمات خصومها السياسيين على خلفية تصريحاتها إبان الانتفاضة التونسية، كلما أتيحت لها الفرصة عبر وسائل الإعلام، واكتفت في هذه المرحلة الحساسة في تاريخ مصر بالدعوة إلى quot;التهدئةquot;.

وقال زياد ماجد المتخصص في العلوم السياسية، لـquot;إيلافquot; إن quot;لمصر موقعا استراتيجيا وتحاول القوى الأوروبية، بما فيها فرنسا، ألا تجازف بإصدار موقف لا يتوافق مع الوضع في مصر، وهي تفضل أن تتريث مسايرة تطور الأحداث حتى تحافظ على علاقتها مع الجهة المنتصرةquot;.