عاد شبح الفتنة الطائفية ليطلّ برأسه من جديد في مصر، بعد أقل من أربعة أشهر على أحداث إمبابة التي قتل فيها 13 شخصاً من المسلمين والمسيحيين وإحراق كنيسة. وشهدت قرية في محافظة أسوان خلافات بعد هدم وإحراق أجزاء من مبنى، يقول الأقباط إنها كنيسة.


شهدت قرية الماريناب في محافظة أسوان مناوشات بين مسلمين ومسيحيين بسبب بناء كنيسة، وأسفرت تلك المناوشات عن هدم وإحراق أجزاء من مبنى، يقول الأقباط إنها كنيسة. كما أسفرت عن إحراق ثلاثة منازل، ولم تقع إصابات أو قتلى.

وتظاهر آلاف الأقباط في شارع رمسيس في وسط القاهرة إحتجاجاً على الأحداث. فيما طالب نشطاء ومراقبون بضرورة الإسراع في إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، للقضاء على فتنة بناء الكنائس.

تضارب الروايات

تضاربت الروايات بشأن الحادث بين المسلمين والمسيحيين على المستويين الشعبي والرسمي، الأمر الذي دعا منظمات وحركات سياسية إلى المطالبة بإيفاد لجنة لتقصي الحقائق في موقع الحادث.

ووفقاً لشهود عيان، فإن الأحداث بدأت بتجمع المئات من المسلمين حول مبنى تحت الإنشاء في قرية الماريناب مركز أدفو في محافظة أسوان بالقرب من الحدود المصرية السودانية في الجنوب، حيث كانت أعمال بناء الكنيسة تجري على قدم وساق، وقاموا بهدم وإحراق أجزاء منها، بدعوى أنها لم تحصل على ترخيص، وأنها كانت quot;مضيفةquot;، وليست كنيسة.

كنيسة عمرها 80 عاماً

وقال شاهد عيان من أبناء القرية، ويدعى عماد جرجس، لـquot;إيلافquot; إن المبنى كان كنيسة، عمرها أكثر من 80 عاماً، لكنه كان من الطوب اللبن، وليس من الخرسانة الأسمنتية، مشيراً إلى أن المسيحيين في القرية تقدموا بطلب لإحلال وتجديد الكنيسة، وحصلوا على موافقة من المحافظ، وجرت أعمال الهدم والبناء منذ شهور عدة.

وأضاف جرجس أنه مع ارتفاع قبة الكنيسة، حاول بعض المسلمين المتشددين، وتحديداً الجماعة السلفية، منع إتمامها، وجرت محاولات للتهدئة بين الجانبين، ولكن مع إستمرار أعمال البناء إستمرت المناوشات، وإنطلقت دعوات من بعض مشايخ السلفية تحرّض على هدم الكنسة بالقوة، إذا لم تقم الجهة الإدارية بذلك.

وتابع جرجس quot;بينما كنا جميعًا نتظاهر في القاهرة من أجل quot;إسترداد الثورةquot;، فوجئنا بشيوخ سلفيين ينادون في مكبرات الصوت في المساجد بعد صلاة الجمعة، ويدعون الناس إلى الزحفنحو الكنيسة وهدمها، وقد كان، حيث تم هدم القبة الخاصة بها، وإلقاء الزجاجات الحارقة بداخلها، مما أدى إلى إحراق بعض أجزائها، فضلاً عن إحتراق ثلاثة منازل مجاورة لها مملوكة لمسيحيين.

دار ضيافة وليست كنيسة

في المقابل، وحسب رواية أخرى، فإن القرية ليس فيها كنيسة، وقال عمرو عبد المنعم من أبناء أدفو لـquot;إيلافquot; إن القرية يقيم فيها نحو مائة مسيحي فقط، ولم يكن فيها يوماً كنيسة لقلة عدد السكان من الأقباط، كما إن هناك كنيسة قريبة من القرية، وهذا المبنى كان quot;مضيفةquot; أي مكان لإستقبال الضيوف وإقامة المناسبات الإجتماعية، وأهالي القرية يعلمون أنه كذلك، وأن الإنشاءات الأخيرة تمت بوجب ترخيص إنشاء مضيفة،لا كنيسة.

وأشار إلى أن الأقباط استغلوا حالة الإنفلات الأمني وغياب الحكومة، وأقاموا كنيسة بدون ترخيص، الأمر الذي أغضب مجموعة من المسلمين المتشددين في القرية، وصدر قرار بإزالة للمباني غير المرخص بها منذ ما يزيد على الشهر، وحضرت قوة من الشرطة والمحليات لتنفيذ القرار.

ونوه بأن الأقباط تعهّدوا بالقيام بهدم الأجزاء المخالفة بأنفسهم، إلا أنهم لم يفوا بإلتزاماتهم، فما كان من بعض قيادات التيار السلفي إلا حشد المئات من الناس ومحاولة هدم تلك المخالفات بأنفسهم، رغم أن هذا الفعل غير قانوني.

تصريح بناء quot;مضيفةquot;

لا تختلف كثيراً الروايات الرسمية للواقعة عن الرويات الشعبية، ويتمسك كلا الفريقين بكلامه في مواجهة الآخر، وقال اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان إنه لم يوقع أية قرارات لبناء كنيسة في قرية المريناب.

وأضاف في تصريحات صحافية إن المبنى الذي يدور الخلاف حوله quot;مضيفةquot; صدر لها قرار إحلال وتجديد بارتفاع تسعة أمتار، مشيراً إلى أن الأقباط خالفوا الترخيص الممنوح لهم، وأقاموا مبنى بارتفاع 12 متراً تعلوه قبة، تمهيداً لتدشينه كنيسة تحت اسم quot;كنيسة ماري جرجسquot;.

وأوضح السيد في تصريحات للتلفزيون المصري أن هناك قرارًا بهدم الأجزاء المخالفة، ولم تمانع القيادات الكنيسة في أسوان في تنفيذه، ولكن لم يحدث، منوهاً بأنه وقعت مناوشات بين الأهالي حول المبنى، وعقدت جلسات صلح بين الجانبين.

ولفت إلى أن الصلح انهار بسبب إصرار الأقباط على الإستمرار في البناء وعدم هدم الأجزاء المخالفة، إلى أن تجمع بعض الشباب، وتعدى بالهدم على بعض أجزاء المبنى، وتدخلت قوات الأمن وتصدت لهم، مشيراً إلى أنه لم تقع خسائر بشرية أو إحراق منازل للأقباط.

اعتداء مرفوض

كنيساً، قال الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة إن الإعتداء على دور العبادة، سواء الكنائس أو المساجد، أمر مرفوض، مشيراً إلى أن حوادث الإعتداء على الكنائس، سواء بالحرق أو الهدم، تكررت أكثر من مرة، مما يثير علامات استفهام.

وأضاف لـquot;إيلافquot; إن كنيسة ماري جرجس في قرية المريناب مسجلة ككنيسة منذ عشرات السنين، وحصلت أخيراً على تصريح بالهدم، وإعادة البناء مرة أخرى، منوهاً بأن الكنيسة سوف ترفع الأمر إلى المجلس العسكري لإتخاذ ما يراه مناسباً حيال القضية.

مؤكداً أن الحل الجذري لتلك القضية يكمن في الإسراع بإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة، سواء الإسلامية أو المسيحية، متسائلاً: لماذا تتجاهل الدولة إصدار هذا القانون رغم الحاجة الماسة إليه؟.

ووصف المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة ما حدث بأنه حلقة في سلسلة من quot;إعتداءات سافرة ومتكررة على الكنائس القبطيةquot;، وقال جبرائيل إن الإعتداء على كنيسة ماري جرجس في أسوان يعيد إلى الأذهان شبح أحداث كنيسة أطفيح وكنيسة إمبابة، مشيراً إلى أن الأقباط في مصر يشعرون بالأسف والأسى لتكرار تلك الإعتداءات وإفلات الجناة من العقاب.

وأضاف جبرائيل لـquot;إيلافquot; أنه بات من الواضح أن هناك حاجة ماسة لإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد، داعياً في الوقت نفسه إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة الحقيقة في ظل تضارب الروايات، وحتى يتم تحديد المسؤولين عن الجريمة، وتقديمهم إلى المحاكمة، والإبتعاد عن الجلسات العرفية التي ثبت فشلها في إنهاء الإحتقان الطائفي على مدار نحو أربعين عاماً.

قانون دور العبادة الموحد

هذا، وأدان الكثير من المنظمات والقوى السياسية الحادث، مشيرين إلى ضرورة إصدار قانون البناء الموحد لدور العبادة. وطالبت حركة quot;مصريون ضد التمييز الدينيquot; بـquot;إعمال القانون بصرامة وحيادية تطبيقا لمبدأ سيادة القانون واعتقال الجناة وتقديمهم إلى العدالة وتحميلهم بتكاليف إصلاح ما أفسدوهquot;.

وشددت على أن القضاء على أعمال البلطجة ضد الكنائس يكون بـquot;إلغاء العمل بالمجالس العرفية التي تتم خارج إطار القانون، بمشاركة شيوخ السلفية المسؤولين عن إشاعة مناخ الكراهية والعدوان على غير المسلمين.

ودعت في بيان لها إلى quot;توفير الحماية للكنيسة (ماري جرجس) خاصة وأنها قد أقيمت طبقًا لتصريح رسمي صادر من حكومة المجلس العسكري، وحماية أرواح وأموال وممتلكات أقباط القرية، وسرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة.

وهاجمت الحركة المجلس العسكري بشدة وقالت quot;من الأمور اللافتة للنظر أن هذه الجريمة قد وقعت في جمعة quot;استرداد الثورةquot;، التي أعلن قبلها المجلس العسكري في بيانه رقم (75) أنه يحمل القوى الوطنية الداعية إلى التظاهرة مسؤولية الحفاظ على كل المنشآت الخاصة والممتلكات العامة للدولة، وهو ما دعا القوى السياسية ترد قائلة إنها quot;تعتبر أن من لا يستطيع حماية الوطن ويكلف شعبًا أعزل بهذا الواجب غير مسؤول، وليس متحملاً للمسؤولية، وغير جدير بالثقة أو السلطةquot;.

تظاهرات للأقباط

إلى ذلك تظاهر الآلاف من الأقباط في القاهرة، إحتجاجاً على ما وصفوه بـquot;هدم الكنيسة، وإحراق منازل المسيحيينquot; في القرية، ورددوا هتافات منها quot; لينا إخوة مسلمين على اللى بيحصل مش راضيينquot;، quot;بالروح بالدم نفديك يا صليبquot;، quot;كنيستي هي حياتي.. أفيدها بعمري وحياتيquot;، ودعوا إلى سرعة محاسبة المسؤولين عن الحادث، وإعادة بناء الكنيسة، وإقالة محافظ أسوان، وأمهلوا المجلس العسكري 48 ساعة، حتى بعد غد الثلاثاء لتلبية مطالبهم، أو الدخول في إعتصام مفتوح أمام مقر ماسبيرو quot;مبنى الإذاعة والتلفزيونquot;، كما حدث في أعقاب هدم كنيسة أطفيح في شهر مارس/آذار الماضي. حيث نفذ الأقباط أعتصاماً مفتوحاً حتى تم بناء الكنيسة مرة أخرى.