لا خيارات كثيرة أمام ضباط الجيش السوري عندما تأتيهم أوامر قتل المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية وإسقاط نظام الأسد، فمن يُعصي الأوامر قد يُقتل، لكن البعض قد يفرّ وينشقّ، في حين يتوارى كثيرون عن الأنظار حتة تنتهي (المهمّة).


متظاهرون سوريون يحتفون بجنود انشقوا عن الجيش

بيروت: قرر الملازم اول امين الانشقاق عن الجيش السوري بعدما رأى بعينيه وحدات عسكرية تساندها فرق quot;الشبيحةquot; تقتحم مسقط رأسه في محافظة حمص، وتطلق النار على مدنيين عزل، فسارع الى إخراج والديه وأشقائه من سوريا، ثم تسلل الى لبنان.

يقول الضابط الشاب quot;دخل عناصر الجيش منزل ناشط (معارض) وأطلقوا النار على قدمي زوجته وابنته حتى تخبرا عن مكانهquot;.

ويضيف أمين (25 عامًا) الذي كان في إجازة قصيرة في بلدته خلال شهر حزيران/يونيو لدى حصول عمليات الدهم quot;اثناء عمليات التفتيش، كان الشبيحة ينهبون المنازل ويحطمون محتوياتهاquot;.

ويتابع quot;تركت لأُرضي ضميري. فأنا دخلت الكلية الحربية لأحمي وطني وشعبي، وعلى اعتبار أن جيشنا سيحرر الجولان، وليس حمص ودرعاquot;.

أمين واحد من كثيرين فرّوا من الجيش وأجهزة الأمن السورية ولجأوا الى لبنان المجاور، عبر مسالك جبلية وعرة غير قانونية، أو إلى تركيا، التي هرب اليها أول الضباط المنشقين المقدم حسين هرموش في حزيران/يونيو، واعلن منها في وقت لاحق عن إنشاء quot;الجيش السوري الحرquot;، قبل أن يقع في قبضة السلطات السورية مجددًا.

على غرار أمين، قرر المساعد في المخابرات العسكرية رامي (40 عامًا) ترك جهازه quot;قبل أن أقتل أحدًا (تلبية لأوامر رؤسائه) أو أتعرّض للقتل (في حال رفض الأوامر)quot;.

يتحدث رامي من مكان إقامته السرّي في لبنان عن حالة من quot;الهرج والمرج والإرباكquot; تصيب عناصر الأمن والجيش في سوريا لدى تلقيهم أوامر بإطلاق النار على متظاهرين، وتدفع الكثيرين منهم إلى quot;التواري في الأحياء الداخلية عن عيون الضباطquot; إلى حين انتهاء المهمة.

ويقول رامي، الذي وصل الى لبنان في شهر حزيران/يونيو، ان quot;العسكريين الذين كانوا يثيرون شكوك قيادتهم، كانوا يوضعون في الصفوف الأمامية لإطلاق النار على المتظاهرين لاختبار ولائهم، أو تتم تصفيتهم، ويقال لعائلاتهم إنهم سقطوا برصاص العصابات المسلحةquot;.

يروي المجند الفار يوسف (21 عامًا) انه حاول مرة أن يناقش رفاقًا له في عدم صدقية مقولة السلطات حول انتشار quot;العصابات الإرهابية، وعلى الأثر، جاءني تهديد بالقتل من ضابطquot;.

ويقول يوسف، الذي شارك في مهام عدة لقمع المتظاهرين، quot;كنا نتلقى تعليمات بإطلاق النار بشكل عشوائي على متظاهرين وغير متظاهرينquot;.

ويشير إلى أن عناصر كتيبته أطلقوا النار في إحدى مناطق حمص على رجل خمسيني quot;مزارع على الأرجح كان على دراجة هوائيةquot;، من الخلف ومن دون سبب يذكر. وظل الرجل ملقى على الأرض أمام باب منزله ينزف لساعات من دون أن يسمح لأفراد عائلته بإسعافه، حتى فارق الحياة.

وكان يوسف يخدم في صفوف كتيبة بدأت الشبهات تحوم حولها، لأن عناصرها لم يكونوا يطلقون quot;أكثر من أربعة آلاف طلقة في كل عمليةquot;.

ويقول quot;تلقينا إنذارًا من العقيد قائد الكتيبة، الذي قال لنا quot;غدًا ممنوع على أي عسكري أن يعود ومعه طلقه واحدةquot;quot;.

وتفرض السلطات السورية قيودًا على دخول الصحافيين الى سوريا، ويصعب التأكد من صحة التقارير التي ينقلها ناشطون ومعارضون وجنود منشقون.

ويؤكد العسكريون الفارّون انهم يعيشون متخفين في لبنان، وفي خوف مستمر من أن يتم استهدافهم من أجهزة أمنية معينة أو مجموعات لبنانية موالية للنظام السوري.

ويؤكدون أن رفاقًا لهم -- يقولون إن quot;أعدادهم بالآلافquot; -- تركوا الجيش ويتجمعون داخل المدن والقرى السورية استعدادًا لمواجهة مع القوات الموالية للنظام.

ويقول ماهر، وهو عضو في تنسيقيات محافظة حمص فرّ الى لبنان فيالشهر الماضي بعدما صار مكشوفًا للأجهزة الامنية، quot;الكثيرون لا يصرحون عن انشقاقهم خوفًا على أهلهمquot;.

ويضيف quot;اذا كان المجتمع الدولي يريد حقًا أن يحمي الشعب السوري من دون أن يتدخل عسكريًا، فليرسل ذخيرة إلى الجنود المنشقين قبل أن ترتكب عصابات النظام مجازر جديدةquot;.

وكان ماهر يساعد مع رفاق له جنودًا على الفرار عبر إيجاد مأوى لهم وتأمين ملابس مدنية وطعام.

ويقول quot;تمكنا من ادخال مجموعات كبيرة من المنشقين الى مناطق آمنة في حمص. بينما قتل غيرهم بأبشع الاساليب، وقد رأيت ثلاثة يموتون دهسًا تحت المدرعاتquot;.

ويجمع الخبراء على أن حالات الانشقاق في الجيش لا تزال محدودة، وتقتصر على افراد ومجموعات صغيرة تخوض اشتباكات مع الجيش، على غرار ما جرى في الرستن في محافظة حمص في الايام الماضية.

ويفسر أمين ذلك بأن quot;النظام لا يحرك الألوية كاملة، انما كتائب متفرقة من ألوية عدة يجمعها في مكان واحد، فلا تعرف كل كتيبة ولاء الأخرى، ويسود الخوف وانعدام الثقة بينهاquot;.

كما يشير الى ان quot;الضباط الموجودين على رأس الفرق، معظمهم من العلويين ويثق النظام بولائهم التامquot;.

ويتحدث العناصر المنشقون بأسى عن تمييز في معاملتهم، حتى قبل الاشتباه بولائهم، لمجرد انتمائهم الى منطقة شهدت تظاهرات او الى طائفة غير الطائفة العلوية.

وينقل أمين عن زميل له انه نهره قائلاً quot;قد تكون ضابطًا منشقًا، فالكل في منطقتك خونةquot;. غير انه يؤكد في الوقت نفسه أن العديد من الضباط والعناصر العلويين quot;يتضامنون مع الثوار (...) ويرفضون تنفيذ أوامر اطلاق النارquot;.

ورغم معاناتهم واستمرار أعمال القمع في بلادهم، يحتفظ العسكريون الفارون بالأمل.

ويرى امين، واسمه مستعار على غرار أسماء الآخرين، الذين التقتهم فرانس برس، quot;بدأ النظام يفقد صوابه.. كنا محبطين قبل تشكيل المجلس الوطني (الذي جمع اطياف المعارضة)، لكن الآن عاد التفاؤل اليناquot;.

ويؤكد يوسف quot;أريد ان أعود الى سوريا قريبًا... قبل سقوط النظام. أنا لم أهرب.. اريد ان اقوم بواجبي، وان اقاتل من يعتدي على شعبيquot;.