التعددية الثقافية التي تتميز بها بريطانيا ذات وجوه غير مقبولة لدى أهل البلاد. ومنها الزواج بالإكراه، الذي يعتبرونه مخالفًا لحقوق الإنسان. ولكن عندما تصدر المحكمة العليا حكمًا يقول إن حماية حقوق الإنسان نفسها يمكن أن تخالف حقوق الإنسان، فإلى أي جهة يحتكم الناس؟


حقوق الانسان تصبح مطموسة الملامح عندما تتعلق بالزواج

تشهد بريطانيا سنويًا آلاف حالات التزويج بالإكراه، وسط صبايا وشباب لا يجمعهم الحب وحسب، بل يغيب بينهم حتى عنصر المعرفة عن قرب.

وفيمعظم تلك الحالات تجد أن فارق السن بين الرجل وlaquo;زوجتهraquo; كبير، بحيث لا يمكن القول إن كليهما ينتميان الى الجيل نفسه.

ليس بالضرورة اعتبار هذه الممارسة جزءًا من laquo;الزيجات المدبّرةraquo; التقليدية بين الأهل (الآسيويين في معظم الحالات). وبالقدر نفسه فلا يمكن اعتبارها ممارسات دينية. بل هي تلك التي وردت في تقرير برلماني أخير، قال إنها laquo;عقد القران من دون موافقة كل من الطرفين ورضاه، وإنما عبر وسائل تصبّ في وعاء الإجبار النفسي، الذي لا يخلو في السواد الأعظم من الحالات من العقاب الجسديraquo;.

على هذا الأساس، تبعًا لصحيفة laquo;تايمزraquo; في افتتاحية غاضبة لها، يتعين على حكومة ديفيد كاميرون أن تسعى إلى وضع حد لهذه الممارسة البشعة، كما أوضح رئيس الوزراء نفسه في خطاب له خلال الأسبوع الحالي.

ولنذكر أن اسكتلندا تصنّف الزواج بأي شكل من أشكال الإكراه laquo;انتهاكًا للقانونraquo;. ورغبة رئيس الوزراء - ورغبة كل إنسان عادل أيضًا - هي أن تتوسع رقعة هذا القانون، لتشمل بقية أجزاء المملكة المتحدة، وهي انكلترا وويلز وآيرلندا الشمالية.

وحكمًا على مظاهر الأشياء، فقد يظن المرء أن ليس هناك ما يستوجب الاعتراض على قانون يحرّم الزواج بالإكراه. لكن هناك الحكم الصادر الأربعاء من المحكمة العليا. وتتلخص خلفية هذا الحكم في أن الحكومة العمالية السابقة حظرت في 2008 دخول سائر الأزواج ممن هم دون سن الحادية والعشرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي.

وكان الغرض من هذا الحظر هو حماية الصبايا من تزويجهن ضد رغباتهن في مكان ما خارج بريطانيا، ثم العودة بهن الى البلاد. لكن رجلاً تقدم بشكوى الى المحكمة العليا، قال فيها إن هذا القانون نفسه ينتهك حقوقه الإنسانية على النحو الذي وردت به في البند الثامن من قانون حقوق الإنسان (الأوروبي). ويوم الأربعاء أصدرت المحكمة قرارها بالانحياز لقضيته.

المشكلة الآن هي أن المحكمة العليا لم تكتف بمجرد الحكم لمصلحة الشاكي، وإنما تعدت ذلك الى إعلان أن القانون نفسه يتعدى على حقوق الإنسان، ولذا يجب إلغاؤه.

هذا هو ما لا يصدقه العقل المستنير، لأن السعي الى حقوق الإنسان لا يعني تدمير بعضها بأي شكل كان. والقانون الذي ألغته المحكمة العليا استنّ أصلاً للدفاع عن حقوق النساء ضد ممارسات بربرية، قد تكون سائدة في ثقافات معينة، ولكن يتعين ألا تجد لها مكانًا في بلاد مثل بريطانيا.