يجمع عدد من الخبراء على أن تحوّل الثورة المصرية نحو العنف، بعدما أشاد الكثيرون بسلميتها يرجع إلى عوامل عدة، منها الكبت في عصر مبارك، والانفلات الأخلاقي وسوء التربية، وتشجيع وسائل الإعلام على العنف، إضافة إلى اختفاء أمن الدولة.
من مواجهات ماسبيرو الأخيرة |
القاهرة: أذهلت ثورة 25 يناير المصرية العالم بسلميتها وتحضّرها، وأشاد بها زعماء العالم الغربي، فدعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى تدريسها في المناهج التعليمية في مدارس بلاده، وأشاد بها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكذلك رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني.
ولكن رويداً رويداً، إنحرفت الثورةنحو العنف، وزادت معدلاته بشكل مخيف، وانتشرت حالة تشبة الفوضى في أنحاء البلاد، وشاعت جرائم السرقة تحت تهديد السلاح والقتل. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصابت عدوى العنف التظاهرات السلمية، وكان آخرها تظاهرات ماسبيرو يوم الأحد 9 أكتوبر الجاري، التي راح ضحيتها 25 قتيلاً و327 مصاباً.
وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات مهمّة: هل تحولت الثورة المصرية إلى العنف؟ أو بالأحرى: ما أسباب انحراف المجتمع المصري نحو العنف، رغم أنه أبهر العالم بثورته السلمية؟.
بعيداً عن تفسيرات السياسة للظاهرة، quot;إيلافquot; طرحت هذه التساؤلات على خبراء علم النفس والإجتماع، وجاءت إجاباتهم، لتؤكد أن أنفجار العنف هو نتيجة طبيعية: الكبت لمدة ثلاثين عاماً، ومحاولة أصحاب المصالح داخلياً وخارجياً في نشر الفوضى، وتأصيل النظام السابق لأخلاق الفوضى، وعدم إحترام القانون في نفوس المصريين على مدار ثلاثين عاماً.
الكبت لمدة 30 عاماً
وفقاً للدكتور علي المليجي، أستاذ علم الإجتماع والعميد السابق لكلية التربية النوعية في جامعة القاهرة فإن هناك ثلاثة أسباب تقف وراء العنف الذي صاحب الثورة بعد سقوط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير الماضي.
وأوضح لـquot;إيلافquot; أن أول تلك الأسباب: الكبت، الذي لازم الشعب على مدار ثلاثين عامًا، بسبب رهبتهم من أمن الدولة، الذي زرع نوعاً من العنف الطبيعي لديهم، وعندما أزيل هذا الرعب، مع انتشار السلاح لدى الناس، ظهر العنف الذي نراه الآن في الشارع.
وبحسب المليجي، فالسبب الثاني: حالة التراخي من جانب الحكومة والمجلس العسكري في إدارة شئون البلاد، وفرض سيادة القانون. السبب الثالث: وجود مخطط من جانب المنتفعين من النظام السابق وجهات خارجية، يهدف إلى إثارة الفوضى والعنف في الشارع. مشيراً إلى أن كل هذه العوامل وراء زيادة العنف والبلطجة داخل المجتمع المصري.
يضيف المليجي أسباباً أخرى، مثل: حالة الانفلات الأخلاقي وسوء التربية في البيت والمدرسة وتشجيع وسائل الإعلام على العنف. وتابع: quot;نحن علمنا أولادنا من الصغر على هذا الانفلات، حتى أصبح العنف وسيلة تربوية طبيعية داخل المجتمع، ومن المتوقع تفشي تلك الظاهرة بشكل أكبر وأشد مما هي عليه الآن، طالما بقيت الأسباب الثلاثة الأولى قائمةquot;.
إختفاء الهدف السامي
حول أسباب تميز الثورة بالسلمية، رغم أنها لم تكن مرتبة مسبقاً، ثم انفجار العنف بشكل غير مسبوق، يقول المليجي: quot;عندما تتوحد المشاعر الإنسانية، وتتلاقى حول هدف سام،كل الأهداف الأخرى، ويصبر الإنسان على تلبية حاجاته الضرورية، مثل الجنس أو البحث عن المال، فتختفي السلوكيات الخاطئة، مثل التحرش أو الإغتصاب أو السرقة أو الرشوة، وكلما كان الهدف سامياً، كلما سمت معه الأخلاق أكثرquot;.
مشيراً إلى أن المصريين جميعاً كانوا متوحدين حول هدف واحد سام هو التخلص من نظام مبارك، ولكن بعد ذلك، ومع تراخي الحكومة وزيادة تهريب السلاح من الدول المجاورة، كان من الطبيعي خروج هذا العنف المكبوت منذ سنوات، وبدأ الكل يبحث عن مصلحته، فخرجت المظاهرات الفئوية، وتحولت إلى عنف وبلطجة، بل انحرفت تظاهرات بعض الشباب الذين شاركوا في الثورة في التحرير إلى العنف.
منوهاً بأن كل فصيل سياسي أو مجتمعي بدأ في البحث عن حقوقه بطريقته الخاصة، سواء بالإضرابات أو الإعتصامات أو العنف والتظاهرات، حتى لو وصل الأمر إلى القتل، مما تسبب في ارتفاع حوادث القتل في مصر.
أصحاب المصالح
وحسب الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم النفس السياسي في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، فإن من قاموا بثورة 25 يناير العظيمة ليس لهم دور في العنف المنتشر حالياً، بل يقف وراءه البلطجية.
وقالت لـquot;إيلافquot;: إن الثورة المصرية مازالت تمتاز بالسلمية، ومازالت التظاهرات المليونيات سلميةquot;. مشيرة إلى أن أعمال العنف ظهرت بسبب أصحاب المصالح المتضررين من زوال نظام مبارك، والذين من مصلحتهم نشر الفوضى، ولذلك نجدهم في الكثير من الأحيان وراء تأجير بلطجية للتخريب وإثارة الرعب بين المصريين.
ولفتت إلى أن العنف كان شائعاً قبل الثورة بشكل كبير، بسبب عدم تطبيق القانون وغياب الأمن، ولكنه تفشّى بشكل غير مسبوق، بسبب تقاعس الشرطة عن أداء مهامها، وغياب القانون، وأدى السبب الأخير إلى تولد الرغبة لدى المواطنين في تحصيل حقوقهم بأنفسهم ودون الإنتظار لتطبيق القانون، فضلاً عن أن غالبية المشاركين في التظاهرات من الشباب، الذين يريدون لفت الأنظار إليهم، من خلال العنف المبالغ فيه، وفي الوقت نفسه، يستغل أصحاب المصالح حماس هؤلاء الشباب لتحقيق أهدافهم، ونشر الفوضى في البلاد.
معدلات العنف قبل الثورة أعلى
تؤكد الدكتورة هدى زكي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الزقازيق لـquot;إيلافquot; أن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع العنف في المجتمع المصري قبل الثورة أضعاف الإحصائيات بعد الثورة، موضحة أن المجتمع كان يسوده الانفلات الأخلاقي والبلطجة على مدار الثلاثين عامًا الماضية، ولكن الآن هناك اتجاه لنشر الخوف لدى الشارع، عن طريق التركيز على نشر الحوادث التى لم نسمع عنها من قبل، وللإعلام دور أساسي في هذا الأمر.
ولفتت زكي إلى أن المجتمع المصري منذ عهد الملك مينا موحد القطرين قبل آلاف السنين، يمتاز بالسلام والحرص على العيش فى هدوء وسكينة، ومازال هذا الشعور هو المسيطر الآن، رغم الحالات الفردية من استخدام العنف، وقالت إن أي دولة في العالم تندلع فيها ثورة تعاني العنف، مشيرة إلى أن معدلات العنف في مصر خلال المرحلة الإنتقالية أقل من مثيلاتهافي الدول التي مرت بتلك المرحلة من تاريخها.
ونفت اتهام الشباب باللجوء إلى العنف والصوت العالي، واعتبار ذلك ظاهرة عامة، وقالت إنه لكي نؤكد أنها ظاهرة عامة يكون ذلك من خلالالتحقيق في كل حادثة ترتكب لبيان دوافعها وأسبابها ومن يقف وراءها، ثم نخرج بملمح عام يؤكد أن العنف ظاهرة عامة أو لا.
تأصيل العنف في النفوس
ويرى الدكتور شريف عبد الحميد، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة الأزهر، أن سبب ظاهرة العنف في الشارع المصري يرجع في الأساس إلى أن النظام السابق كان يقوم بأفعاله بتأصيل أخلاق اللامبالاة وعدم احترام الآخرين والقانون وفقدان القدوة، حيث كان يضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، ويستخدم البلطجية في إرهاب المعارضين، وكان لا يقيم للقانون وزناً، ويستخدم الأمن العنف المفرط في مواجهة المواطنين البسطاء.
فكان الشيء الوحيد الذى يخيفه هو الأمن، وعندما زال هذا quot;البعبعquot;، خرجت كل الصفات غير الحميدة، التي كانت داخل كل إنسان، ومنها: العنف و الصوت العالي، لإثبات الذات، حتى لو وصل الأمر إلى استخدام السلاح.
محذراً من أن الأخطر هو وصول العنف في مظاهرات الثوار في ميدان التحرير، ويتوقع عبد الحميد انتشار المزيد من العنف في الشارع مع قرب الانتخابات البرلمانية، خاصة في ظل تراخي الحكومة في مواجهة ظاهرة الانفلات الأمني.
التعليقات