تمكن فرانسو هولاند، بفضل مثابرته، من اغتنام الثغرة التي تركها دومينيك ستروس-كان إثر اعتقاله في أيار/مايو في نيويورك، وسرعان ما خلفه في موقع الأوفر حظًا، الذي لم يتخل عنه حتى هذه الجولة الثانية من الانتخابات التهميدية غير المحسومة النتائج، في مواجهة مارتين أوبري.


ساركوزي وهولاند.. من يفوز في النهاية؟

باريس: افتتح الاشتراكيون الفرنسيون طريقة غير معهودة لاختيار مرشحهم للانتخابات الرئاسية المقررة في الربيع المقبل، تتمثل في انتخابات تمهيدية على الطريقة الأميركية، مفتوحة أمام جميع الناخبين الذين يشاطرونهم قيم اليسار.

فيكفي أن يكون اسم الناخب مدرجًا على اللوائح الانتخابية الوطنية لكي يتمكن من المشاركة في اقتراع من جولتين (9 و16 تشرين الاول/اكتوبر) مفتوح ايضًا على الأجانب من أعضاء الأحزاب الاشتراكية والشباب الاشتراكي الذي لم يبلغ سن الرشد.

وفتح عشرة آلاف مكتب اقتراع من الساعة 7:00 وحتى 17:00 ت.غ الاحد في مختلف أنحاء البلاد، وبإمكان الناخب أن يشارك حسب مكان إقامته، وان يحدد مكتب الاقتراع عبر موقع انترنت مخصص للانتخابات التمهيدية الاشتراكية.

ويتعين على كل ناخب ان يدفع مساهمة قدرها يورو واحد، وان يوقع على ميثاق، يؤكد فيه على موافقته على قيم اليسار، من خلال التصريح الآتي quot;اعترف بقيم اليسار والجمهورية ومشروع قيام مجتمع يؤمن بالحرية والمساواة والاخوة والعلمانية والعدالة والتقدم المتضامنquot;.

وفي 2006 عندما اختيرت سيغولين روايال مرشحة لمنافسة نيكولا ساركوزي في انتخابات 2007، لم يصوّت حينها سوى أعضاء الحزب الاشتراكي، لكن هذه المرة تمكن كل الناخبين من التصويت.

وفي التاسع من تشرين الاول/اكتوبر شار،ك اكثر من 2.6 مليون ناخب في الاقتراع، واعتبره القادة الاشتراكيون نجاحًا بينما كانوا يتوقعون مشاركة أكثر تواضعًا لا تقلّ عن مليون ناخب، مما شكل رهانًا للجنة المكلفة إحصاء وفرز الأصوات.

لم تتبين النتائج الرسمية النهائية للجولة الأولى إلا مساء الثلاثاء، لكن مع التجربة، تقول اللجنة إنها جاهزة للجولة الثانية. ويفترض إعلان تكنهات في الساعة 19:30 أو 20:00 تغ، إلا إذا كانت النتيجة بفارق ضئيل.

ولم يحصل اي من المرشحين الستة، الذين خاضوا الجولة الاولى، على الغالبية المطلقة، فتعين إجراء جولة ثانية بين مارتين أوبري وفرنسوا هولاند، اللذين حلا في المقدمة، وتأهلا لجولة ثانية حامسة.

وبعد إعلان نتائج الاقتراع، التي وعد كلا المرشحين باحترامها، سيتم تنصيب الفائز (او الفائزة) رسميًا في 22 تشرين الاول/اكتوبر.

فرانسوا الأوفر حظاً

وقد نجح فرنسوا هولاند، الذي انطلق مبكرًا في الحملة الانتخابية، في إقناع فرنسيي اليسار أن بإمكانه حشد quot;التجمعquot; ضد نيكولا ساركوزي في 2012 رغم افتقاره الخبرة الحكومية وصورة رجل جهاز الحزب الذي يفضل الاجماع، العالقة به.

وعندما اعلن ترشحه في 31 اذار/مارس من معقله في جائرة تول (15 الف ساكن) في مقاطعة كوريز (وسط)، كانت انظار قادة الحزب الاشتراكي موجهة الى مكان يبعد ستة آلاف كلم، الى واشنطن تحدق في ادنى مؤشر من دومينيك ستروس-كان مدير عام صندوق النقد الدولي، الذي كانت الاستطلاعات تفيد بأنه افضل المرشحين وبفارق كبير.

لكن فرنسوا هولاند، الذي يجوب مختلف أرجاء فرنسا منذ أشهر، لم يعبأ بذلك، وفي سن السابعة والخمسين، وبعدما تخلص من الكيلوغرامات الزائدة التي كلفته نعته بعبارة quot;فلامبيهquot; تيمنًا بنوع من الحلوى بالكراميل يحبذها الأطفال، كان مصممًا على المثابرة حتى النهاية.

ومكنته مثابرته من اغتنام الثغرة التي تركها دومينيك ستروس-كان اثر اعتقاله في ايار/مايو في نيويورك، وسرعان ما خلفه في موقع الاوفر حظًا، والذي لم يتخل عنه حتى هذه الجولة الثانية من الانتخابات التهميدية غير المحسومة النتائج في مواجهة مارتين اوبري.

وخلال الحملة الانتخابية، يردد فرانسوا هولاند أن واجبه هو quot;جمع الاشتراكيين، ثم اليسار، وأخيرًا الفرنسيينquot;، مقتديًا بالرئيس السابق فرنسوا ميتران، الذي كثيرًا ما يقلده خلال مهرجاناته الانتخابية.

ومن على المنصات، يصيب هذا الخطيب البارع المبتسم والودود بفكاهته اللاذعة، التي جعل منها طوال مشواره ورقة رابحة، أهدافه.

ويقول هولاند ان quot;الرئيس المقبل يجب ان يكون علىنقيض نيكولا ساركوزيquot;، ويدعو الى quot;رئيس عاديquot;، وهو الذي يتنقل في باريس على دراجة نارية من نوع quot;سكوترquot;،عكس اسلوب البذخ الذي عرف به quot;الرئيس الخارقquot; نيكولا ساركوزي.

ويركز هولاند، الذي يدافع عن انتمائه الى التيار الاجتماعي الديمقراطي، ويتقن مناقشة الموضوعات الاقتصادية، اقتراحاته على المسائل quot;الجوهريةquot; التي قال انها تتمثل في الشباب والعدالة الضريبية والتربية والصرامة في الميزانية في مواجهة أزمة الديون.

وكان طموحه الترشح الى الرئاسة يبدو مستحيلاً عندما تخلى فرنسوا هولاند عن رئاسة الحزب الاشتراكي في نهاية 2008 بعد 11 سنة من توليه، تاركًا حصيلة مخيبة: فرغم فوز الحزب على الصعيد المحلي، خسر الانتخابات الرئاسية في 2002 و2007، وانقسم سنة 2005 حول مشروع الدستور الأوروبي.

وأخذت عليه منافسته في الانتخابات التمهيدية مارتين اوبري، التي خلفته في رئاسة الحزب سنة 2008، انه ترك حزبًا quot;ممزقاquot; واتهمه quot;بالغموضquot; وبأنه يشخص quot;يسارًا مائعًاquot; عاجزًا عن البتّ في الامور.

ورغم ذلك، تمكن من تحقيق تجمع أولي بين الجولتين، بحصوله على دعم المرشحين الا،ربعة، الذين تم إقصاؤهم من الجولة الاولى في التاسع من تشرين الاول/اكتوبر بمن فيهم سيغولين روايال رفيقته السابقة في الحياة، وأم أبنائه الأربعة، التي ساندته بعدما انتقدت quot;انعدام نتائجهquot; طيلة ثلاثين سنة من حياته السياسية.

وقد التقيا سنة 1979 في المدرسة الوطنية للادارة، مهد النخبة الفرنسية في بداية مشوار عاطفي وسياسي ثنائي طويل في الحزب الاشتراكي.

واعتبارًا من 1981، وفي سياق فوز ميتران في الانتخابات الرئاسية سنة 1981، خاض ابن الطبيب القريب من أقصى اليمين، والمساعدة الاجتماعية، في سن السادسة والعشرين الانتخابات التشريعية ضد جاك شيراك في كوريز، ورغم انه هزم حينها، فقد جعل من تلك المنطقة الريفية قاعدته الانتخابية.

وفي الحزب الاشتراكي، يعتبر فرنسوا هولاند من الأوفياء لجاك دولور، والد مارتين أوبري، حتى انسحاب الأخير عام 1995، قبل ان يواكب ليونيل جوسبان، الذي سلمه زعامة الحزب الاشتراكي سنة 1997 عندما تولى رئاسة الحكومة.

لكنه لم يتولّ مرة منصبًا وزاريًا، وهو ما أخذ عليه لاعتباره quot;يفتقر الخبرةquot; كما قالت أوبري، التي كانت الشخصية الثانية في حكومة جوسبان، وهي رئيسة بلدية ليل، التي تعد مليون نسمة.

ودفعه بعضهم سنة 2007 الى خوض حملة الانتخابات الرئاسية، لكنه قال حينها إنه quot;غير جاهزquot;، بينما كانت سيغولين روايال تتصدر الاستطلاعات.

وقد دعمها بدون حماسة في وقت كانا على شفير الانفصال، وأعلن طلاقهما بعيد هزيمة سيغولين روايال أمام ساركوزي، ومن حينها يعيش هولاند مع الصحافية السياسية فاليري تريرفيلر.

مارتين أوبري quot;ميركل اليساريةquot; قامت بحملة انتخابية عدائية

في هذه الأثناء،أثبتت مارتين أوبري، التي قيل مرارًا إنها quot;انغيلا ميركل اليساريةquot; لأسلوبها المتواضع والرزين، خلال الانتخابات التمهيدية الاشتراكية، وانها منافسة قوية وعنيدة قامت بحملة هجومية تكاد تكون عدائية.

وعندما اعلنت في 28 حزيران/يونيو ترشحها الى quot;الانتخابات الرئاسيةquot; كانت مارتين أوبري متأخرة بستة أشهر على اكبر منافسيها فرنسوا هولاند.

وتصاعدت وتيرة حملتها، التي انطلقت فاترة في بدايتها، على مر الاسابيع لتنتهي، وهي تردد بأنها ستكون ممثلة يسار quot;قويquot; في وجه فرنسوا هولاند، الذي اتهمته بانتمائه الى يسار quot;مائعquot;، وهي أكبر شتيمة في أوساط الاشتراكيين، وبأنه يستخدم quot;عبارات اليمينquot;.

وشكك منتقدوها عندما اعلنت ترشحها في حزيران/يونيو، في تصميمها، وقال بعضهم إنها ترشحت quot;مترددةquot; وبدون حماسة، وانها مرشحة بديلة بعد خروج دومينيك ستروس-كان من السباق، بينما قال المقربون منها انها كالعدائين المحنكين، الذين يدخرون جهودهم خلال السباق.

واقر ستروس-كان شخصيًا بأنه كان بينهما quot;اتفاقquot;، ولو لم يتم إقصاؤه بسبب توقيفه في الولايات المتحدة في قضية محاولة اغتصاب، لما كانت ترشحت رغم أنها هي زعيمة الحزب الاشتراكي منذ 2008.

وفي مواجهة هولاند، تفتخر مارتين اوبري بتجربتها في القطاع الخاص والمناصب التي تولتها في حكومات عدة،وفي رئاسة بلدية مدينة كبيرة (ليل، شمال).

وفي هجوم ضمني على اكبر منافسيها، الذي يؤخذ عليه افتقاره الخبرة في مناصب وزارية، قالت قبل الجولة الاولى quot;في هذا الزمن المتأزم، كأنك تقود سيارة تسير بسرعة فائقة على طريق مكسوة بالجليد، لا يمكنك التحكم بالمقود بدون ان تعرف كيف تقودquot;.

وتكثر الهجمات من اليمين على هذه المرأة القصيرة القامة (61 سنة) المعروفة دوليًا بلقب quot;سيدة الـ35 ساعةquot; الذي يلازمها منذ أن أقرّت قبل عشر سنوات قانون خفض دوام العمل الأسبوعي الى 35 ساعة عندما كانت وزيرة نهاية التسعينيات.

ويعتبر معسكر نيكولا ساركوزي ذلك الإصلاح رمز يسار متسلط وquot;بالquot;.

وبدون انكار اي شيء، تجهد مارتين اوبري في تحسين صورتها منذ أن تولت رئاسة حزب اشتراكي، كان في حالة حرب داخلية، وقد حصلت في هذا الموقع على دعم العديد من كبار قادة الحزب. وقد بدأت عملاً صبورًا لتجديد الحزب، كسبت منه مصداقية.

ويساند يسار الحزب الاشتراكي وزيرة العمل السابقة والشخصية الثانية في حكومة ليونيل جوسبان (1997-2002).

في هذا الصدد تعتبر يسارية أكثر من والدها رئيس المفوضية الاوروبية سابقًا جاك دولور، الذي تقاسمه إيمانه بأوروبا.

وقال الرجل، الذي يرمز الى التيار الاجتماعي الديموقراطي الاوروبي،أخيرًا ان ابنته هي quot;الافضلquot;، مؤكدًا أن quot;من يعرفني يعلم أنني لو لم اعتقد ذلك لكنت سكتت ببساطةquot;.

ويقال عنها في الحكومة أو في مدينة ليل، التي ترأسها، إنها quot;متسلطة لا تجاملquot; وأحيانًا quot;فظةquot; ونزقة.

واعتبر خصمها فرنسوا هولاند أنها شرسة، ويجب الاحتراس منها، وهمس يوما إلى أحد مقربيه quot;اذا تناولت العشاء معها فذلك جيد. لكنك عندما تلتقي بها في اليوم التالي تطعنك بسكين في الظهر، بلا اي مبررquot;.

وقد اجهشت بالبكاء امام كاميرات التلفزيون عندما خسرت الانتخابات التشريعية في 2002، واضطرت الى الانكفاء الى مدينتها، فحققت بعد ذلك نجاحًا، حيث انتخبت مجددًا عمدة ليل سنة 2008 بنحو 66% من الاصوات في خطوة كانت بداية عودتها على الصعيد الوطني.

وقد أعادت تأسيس حياتها في مدينتها الكبرى في شمال فرنسا، حيث تعيش مع المحامي جان لوي بروشن.