أثار التدخل الدولي في ليبيا الكثير من الجدل، لكن وفاة القذافي جاءت لتضع علامة ترقيم مثيرة للاهتمام في النهج الأميركي دائم التطور تجاه الحرب، حيث تصدرت كلّ من بريطانيا وفرنسا للمرة الأولى قيادة عمليات الناتو.


واشنطن لعبت دوراًحيوياًلكن ثانوي في العمليات في ليبيا

بعد الإعلان عن مقتل العقيد الليبي معمر القذافي، يوم أمس، وسط فرحة غامرة في صفوف الثوار وكثير من الليبيين، بدأت تتحدث تقارير إعلامية عن أن حلف شمال الأطلسي نجح في تجاوز منعطف تاريخي بسماحه للأوروبيين، خاصة البريطانيين والفرنسيين، بشن حرب لعب بها الجيش الأميركي دوراً حيوياً لكن ثانوي، وابتهج الجنرالات والساسة الأوروبيون بسماعهم خبر مقتل القذافي في أو قرب معقله في مدينة سرت.

وإن كان ثمة شيء يلقي بظلال طفيفة على أجواء الاحتفال، فقد يكون ذلك التساؤل المتعلق بما إن كانت إحدى هجمات الناتو على قافلة قرب سرت قد ساهمت ndash; أو تسببت مباشرةً بالفعل ndash; بوفاته، وهو الشيء الذي لم تجزه تحديداً قرارات الأمم المتحدة، رغم تمكينها فرنسا وبريطانيا من التدخل عسكرياً هناك في آذار/ مارس الماضي، من منطلق الرغبة في توفير الحماية للأفراد المدنيين.

وقال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه إن طائرات فرنسية وأخرى تتبع حلف الناتو حلّقت فوق قافلة تخص القذافي، لكنها رفضت القيام بما هو أبعد من ذلك. بينما قال وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، إن العملية التي قادت إلى مقتل القذافي كانت عملية خاصة بالثوار وquot;لم يشارك فيه أي شخص آخرquot;. وكان الناتو قد أطلق بياناً تحذيرياً في وقت سابق أكد من خلاله أن طائرات الناتو لم تستهدف إلا مركبتين كانتا تقوما بعمليات عسكرية وكانتا تُشكِّلان تهديداً واضحاً على الأفراد المدنيين.

وعلى أية حال، لفتت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن الخبر الخاص برحيل الديكتاتور الذي ظل مُحكِماً قبضته على السلطة في البلاد على مدار 42 عاماً قد تم الترحيب به من جانب قادة فرنسا وبريطانيا، اللذين تعرضا بموجب دعمهما للعمليات العسكرية في ليبيا موجة من الأخطار السياسيةً والأعباء الاقتصادية.

فمن جانبه، استغل رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كاميرون، تلك المناسبة، حيث خرج أمام وسائل الإعلام ليعرب عن إجلاله للضحايا البريطانيين الذين فقدوا حياتهم نتيجة لممارسات الإرهاب الليبية، من الذين لاقوا حتفهم في حادث لوكيربي عام 1988، ومقتل الشرطية اللندنية، إيفون فليتشر، التي أطلق عليها الرصاص حتى لفظت أنفاسها الأخيرة في عام 1984 خارج المكتب الشعبي الليبي، كما كان يُطلَق على السفارة، وانتهاءً بضحايا المتفجرات البلاستيكية الليبية في ايرلندا الشمالية.

فيما أكد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أن مقتل العقيد القذافي جاء ليشكل quot;خطوة مهمةquot; نحو تحرير ليبيا، وكذلك فتح صفحة جديدة بالنسبة لليبيين. لكنه حذر في السياق ذاته القيادة الانتقالية من المرحلة المقبلة، مؤكداً أهمية تأسيس نظام ديمقراطي يشارك فيه الجميع وتُقدَّم فيه الضمانات اللازمة للحريات الأساسية.

ولم يتوقف الحضور الأوروبي في الانتفاضة الليبية عند هذا الحد، بل سبق للفيلسوف الفرنسي، برنارد هنري ليفي، أن رتب لقاءً بين أعضاء بارزين في المعارضة الليبية وبين الرئيس ساركوزي في العاصمة الفرنسية باريس يوم العاشر من شهر آذار/ مارس الماضي، محذراً من سفك الدماء إذا لم يتدخل الغرب في المسألة. وقد سعى ساركوزي بعدها لإقناع لندن وواشنطن وغيرها بدعم التدخل العسكري.

ومضت الصحيفة تنقل عن أنطوني كوردسمان، الخبير العسكري في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، قوله quot;هناك دروس واضحةً من الطريقة التي استخدم فيها الناتو قوته الجوية في ليبيا: ففرنسا وبريطانيا لا تزالان وفقاً للمعايير العالمية قوتين مؤثرتين للغاية، ونفوذهما السياسي أكثر أهمية بالتأكيد من الحجم الهائل لقواتهما ndash; لكن كلاهما مهم. وكان من الصحيح أيضاً ألا يتعين على الولايات المتحدة أن تتواجد على الجبهة في كل مرة، بل كانت تسمح للحلفاء بأخذ زمام المبادرةquot;.

في غضون ذلك، أكدت مجلة التايم الأميركية أن وفاة القذافي جاءت لتضع علامة ترقيم مثيرة للاهتمام في النهج الأميركي دائم التطور تجاه الحرب. ثم أعقبت بقولها إن الخيار الرئيس كان لابد أن يكون علامة تعجب ndash; بعد تمكن الثوار من التحفظ عليه دون إراقة دم جندي أميركي واحد! ثم تساءلت المجلة في هذا السياق بقولها: هل هذا هو النموذج الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تشن من خلاله حروبها المستقبلية؟

وتابعت المجلة بسردها تسلسل الأحداث التي وقعت في ليبيا منذ شاط / فبراير الماضي، ثم نقلت عن السناتور جون كيري، قوله quot;لا يمكن إنكار أن حملة الناتو حالت دون حدوث مذبحة، وساهمت بشكل كبير في إزاحة العقيد القذافي من السلطة، دون الحاجة لنشر قوات برية، أو تعرض جندي أميركي واحد لخطر الموتquot;. وختمت المجلة معقبةً على النتيجة التي أفضت عنها الانتفاضة الليبية بمقتل القذافي دون الحاجة لبذل جهد أميركي كبير بقولها إن التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو: لم الإبقاء على قوات برية ضخمة ومكلفة إن كانت كل مهمتها تشجيع إحدى الدول على الانخراط في حروب لديها فرص ضئيلة على تحقيق الفوز بها؟