تعتبر المرحلة التالية لموت القذافي أكثر مراحل الثورة حرجا لأن زعماء ليبيا الجدد لم يعودوا موحدين في كراهيتهم للقذافي، ويجب أن يلتقوا على مبادئ جديدة تمكنهم من الانتقال بليبيا إلى بر الأمان.


هنا قضى القذافي آخر دقائق في حياته قبل اعتقاله من الثوار

بعد الإعلان عن مقتل العقيد معمر القذافي، اشتعلت سماء ليبيا بالألعاب النارية وعمّت الاحتفالات شوارعها التي شهدت معارك ضارية لتسعة أشهر. لكن هذه اللحظة التاريخية تسودها مخاوف عميقة، إذ يخشى عدد كبير من المحللين من أن تتحول ليبيا إلى صومال آخر.

في هذا السياق، كتبت الـ quot;فورين بوليسيquot;: نعم مات القذافي، ويأتي الآن الجزء الصعب: منع ليبيا من أن تتحول إلى صومال آخر. إزالة الديكتاتور ليست علاجاً تلقائياً للمشاكل التي يعانيها المجتمع الليبي.

على الرغم من أن إسقاط الطاغية يمهّد الطريق نحو الديمقراطية - كما حدث في التشيلي والفيليبين - غير أن هناك العديد من الأمثلة التي تناقض هذه الأمثلة.

وفي عام 1991، سقط محمد سياد بري، الرجل الذي حكم الصومال لمدة 22 عاماً، عن عرشه ونفي إلى كينيا حيث مات بعد أربع سنوات. غير أن وفاة الديكتاتور لم تؤد إلى نشوء دولة ديمقراطية، بل فساد الفراغ السياسي في البلاد منذ العام 1995 حتى اليوم. واندلعت الصراعات بين العشائر والقبائل لتمزق الصومال إلى أشلاء.

وعلى الرغم من أن الصومال بعيدة جغرافياً عن ليبيا، غير أن ذلك لم يمنع بعض الناس من القلق حول أوجه التشابه الممكنة. وعبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن مخاوفها في هذا السياق، فقالت في كلمة ألقتها أمام مجلس الشيوخ الأميركي في أوائل آذار/مارس إن: quot;واحدة من أكبر مخاوفنا هو أن تنزلق ليبيا إلى الفوضى وتصبح صومالاَ آخرquot;.

طرح مقارنة كهذه أمر مفهوم، فليبيا تشكلت كدولة عصرية حديثة في العام 1951، غير أن الانقسامات القبلية ما زالت قائمة. فالتمرد ضد القذافي تم بشكل محلي ومجزأ، مؤدياً إلى بروز فئة جديدة من قادة الميليشيات القوية، مثل عبد الحكيم بلحاج، الزعيم السابق للإسلاميين الذي قاد الهجوم على مجمع طرابلس القذافي في آب/أغسطس، وفوزي بوكتيف الذي رفض علناً دمج لواء 17 فبراير التابع لقيادته في الجيش الوطني.

ويتنبه أعضاء المجلس الوطني الانتقالي إلى احتمال تكرر سيناريو الفيليبين في ليبيا، وشددوا على مدى الأشهر السابقة أنه لا بد من انهاء المعركة ضد القذافي بشكل كامل قبل الانتقال إلى المهمة الصعبة المتمثلة في بناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية.

هذه المرحلة الجديدة، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن جيمس فيرون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد quot;هي المرحلة الأكثر صعوبة، فالوقت يمرّ ولا بد من تركيز الجهود على بناء المؤسسات السياسية الصلبة التي يمكن أن تحل أزمة التوتر داخل المجتمعquot;، وأشار إلى أن المرحلة التالية لموت القذافي تعتبر أكثر حرجأً لأن زعماء ليبيا الجدد لم يعودوا موحدين في كراهيتهم للقذافي، ويجب أن يلتقوا على مبادئ جديدة تمكنهم من الانتقال بليبيا إلى بر الأمان.

وأضاف فيرون أن السؤال الرئيس هوquot;كيف يمكن دمج قادة الميليشيات في الهيكل السياسي الجديدquot;، مرجحاً أن تكون ثروة ليبيا النفطية قضية شائكة أخرى ينبغي التنبه إليها.

وقال فينسنت كورنيل، خبير في الشؤون الليبية في جامعة ايموري، إن المحللين يبالغون في قلقهم من العوامل القبلية، مشيراً إلى أن القذافي الذي حكم ليبيا طوال 42 عاماً تمكن من التخفيف من حدة الانقسامات القبلية.

وأضاف: quot;في الواقع، أنا متفائل بمستقبل ليبيا أكثر من مصر لأن الكثير من الأنظمة السياسية التي أنشأها الرئيس السابق حسني مبارك بقيت قوية على الرغم من إسقاطه. وعلى النقيض من ذلك، القذافي حكم ليبيا بشكل أحادي، ويشكل موته فرصة للثوار ليتمكنوا من البدء في بناء دولتهم من الصفرquot;.

واعتبر كورنيل ان العديد من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي هم من الليبيين المعتدلين، وقلة منهم تلقوا تعليمهم في الغرب، وهم يعلمون تماماً أن عليهم تجاوز الانشقاقات القديمة إذا ما أرادوا الارتقاء بليبيا إلى الديمقراطية والتطور.

وختمت الـ quot;فورين بوليسيquot;: لا شيء مقدّر، كل السيناريوهات محتملة. ومن المؤكد أن زوال القذافي يفتح آفاقاً لا تحصى لليبيين من أجل المضي قدماً على طريق تحديد مستقبلهم. لكن الانفتاح يجلب المخاطر، فسيف الاسلام، نجل القذافي، حذر أوروبا من أن ليبيا ستتحول الى صومال آخر على البحر المتوسط في حال لم تقم قواتها بدعم النظام الليبي. هذا لم يحدث بعد، لكن الاحتمال لا يزال قائماً.