ينتخب التونسيون اليوم مجلسهم التأسيسيّ، لكن الهاجس من عودة النظام الديكتاتوري القديم، يبدو مسيطرًا على كثيرين، فالبلاد لا تزال تحت سيطرة فساد ووحشية نظام زين العابدين بن علي القائم على الجهاز الأمني والقضاء الفاسد وغير النزيه، على الرغم من مضي تسعة أشهر على الثورة التي أطاحت به.


التونسيون ينتخبون مجلسهم التأسيسي... والمخاوف من عودة النظام القديم تتملّك كثيرين

تونس: توجّه التونسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات حرّة هي الأولى التي تشهدها الدولة منذ العام 1956، واضعة نموذجاً لدول عربية أخرى تخرج من انتفاضات الربيع العربي.

في هذا السياق، رأت صحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية أن القلق العميق يغطي على مناخ التفاؤل في تونس، لأن البلاد لا تزال تحت سيطرة فساد ووحشية النظام القديم، على الرغم من مضي تسعة أشهر على الثورة التي أطاحت بالديكتاتور زين العابدين بن علي.

سينتخب التونسيون جمعية تأسيسية ذات مهمة واحدة ومحددة، وهي صياغة دستور جديد، يشمل موعداً للانتخابات البرلمانية. ومن المتوقع أن يفوز حزب النهضة الإسلامي، الذي كان محظوراً ومقموعاً في عهد بن علي، بغالبية الأصوات الانتخابية.

ويقول الحزب إنه سيتحدى الصورة النمطية، التي وضعها الغرب للإسلام، من خلال مواقفه المعتدلة والمؤيدة للديموقراطية وحقوق المرأة. لكن نظام التمثيل النسبي المعقد للانتخابات يعني أنه، وبغضّ النظر عن عدد الأصوات، لا يمكن لأي حزب أن يهيمن أو يفوز بالغالبية على الأحزاب الأخرى.

ويعتبر التونسيون، الذين يشعرون بالفخر بثورتهم التي أطلقت شرارة ثورات الربيع العربي، أن القضية الأكثر إلحاحاً هي الحفاظ مكتسبات الثورة quot;التي لم تنته بعدquot;، فهناك عدد كبير من المحامين الذين يشتكون من استمرار ممارسات رجال الشرطة الوحشية واستمرار أعمال القمع بحق المواطنين.

ويشكو نشطاء حقوق الإنسان من أن المقرّبين للرئيس بن علي والمتعاطفين مع الحزب القديم يهيمنون على النظام القضائي الفاسد، كما إن عدداً من مؤيدي النظام السابق تلقوا ترقيات منذ نجاح الثورة. ويدّعي البعض أن زين العابدين بن علي لجأ إلى المملكة العربية السعودية، وتجنب الخضوع للمحاكمة، في الوقت الذي يستمر نفوذه وتأثيره على تونس.

وقالت إيمان التريكي، ناشطة في مجال حقوق الإنسان: quot;هناك عدد هائل من حالات انتهاك حقوق الإنسان. لن يصدق أحداً أن تونس شهدت ثورةquot;.

واضافت التريكي: quot;التعذيب هو الطريقة التي تتم بها الأمور، إنها عملية ممنهجة. لم تغيّر السلطات ممارساتها على الإطلاقquot;، مشيرة إلى حالات تعذيب لا تحصى في مراكز الشرطة والسجون. ووصفت عمليات اعتقال المدونين والناشطين بـquot;المنهجية والروتينيةquot;، حيث يتم تلفيق التهم ضدهم على أنهم من السلفيين.

وتحدثت التريكي عن حالات التعذيب التي يعانيها عدد من التونسيين الذين يتهمون بالسرقة، فقالت إن أحد المتهمين نقل من السجن إلى مستشفى تونس، بعدما اشتكى من آلام في معدته، إلا أنه تعرّض للضرب المبرح والاعتداء الجنسي أمام الأطباء والممرضات والمرضى الآخرين.

وأضافت التريكي أنها وجدت المتهم مقيداً بسرير المستشفى، ويعاني إصابات بالغة في أعضائه التناسلية، إضافة إلى سجين آخر وجدته مرمياً في قسم الطوارئ، ويعاني التهابات حادة تغزوها الديدان ومغطى بالبراز، ما يرجّح أنه كان مرمياً منذ نحو شهر.

وقال أحمد الرحموني، رئيس جمعية القضاة التونسيين، إن النظام القضائي في تونس يعمّه الفساد، على الرغم من سقوط الديكتاتور، معتبراً أن القضاة كانوا أدوات في يد بن علي الذي كان يستخدمهم للسيطرة على المجتمع المدني وقمعه.

وأضاف الرحموني: quot;على الرغم من استقلالية بعض القضاة، غير ان العدد الاكبر منهم تحت سيطرة السياسيين المؤيدين للرئيس المخلوع بن علي ويستمرون في متابعة القضايا القانونية للبلادquot;، مشيراً إلى أن معظم القضاة في تونس أدوات للديكتاتورية ولا بد من التخلص منهم لاستعادة الثقة في النظام القضائي.

وحذرت المدونة لينا بن مهني، التي رُشّحت لجائزة نوبل للسلام هذا العام، أن تونس لا تزال تحت حكم النظام القديم، وأنه بعد مضي quot;بضعة أسابيع من النشوة الثوريةquot;، هناك خطرمن أن تعود تونس لتكون دولة بوليسية يحكمها النظام القديم نفسه.

وتقول لينا إنها تشعر بخيبة أمل من استمرار وجود أدوات النظام القديم، مشيرة إلى أنها لن تشارك في الانتخابات ولن تصوّت.

بعد سقوط بن علي، انهار حزب التجمع الدستوري الحاكم، ومنع رموزه من الترشح للانتخابات، لكن الساحة السياسية الجديدة في تونس، والمكونة من أكثر من 110 أحزاب جديدة وعشرات من المرشحين المستقلين وأحزاب هامشية صغيرة عدة، مكنت أعضاء الحزب الحاكم القديم من إعادة تجميع أنفسهم والانضمام إلى الأحزاب الجديدة، ويهدفون اليوم إلى الفوز بأكثر من اثني عشر مقعداً.

وقال محمد جغام، رئيس حزب الوطن الحديث النشأة، وزير داخلية ودفاع سابق في عهد بن علي، إن هناك رأياً جماعياً سائداً في تونس منذ قيام الثورة، وليس بإمكان أحد أن يمشي ضد التيار.

لكنه عبّر عن فخره بالبنى التحتية الجيدة لتونس، التي خلفها بن علي، مشيراً إلى أن بلاده بحاجة إلى ناس يعرفون تضاريسها، وبدا حاسماً في رغبته بعزل حكام المحافظات المرتبطين بالنظام القديم.