منذ أن أعلن وزير المالية المصري عن توقف البنوك المصرية عن شراء أذونات الخزانة بسبب قلة السيولة لديها واضطرار الدولة للجوء إلى تسويق تلك السندات أصبح السؤال كيف سيمول المرشحون في مصر حملاتهم الإنتخابية خاصة في ظل تنامي عدد المرشحين والقوائم الحزبية؟


البرلمان المصري

القاهرة: 6591مرشحاً و590 قائمة يتنافسون على الفوز بمقاعد مجلس الشعب المصري في حين يتنافس المرشحون على 166 مقعدا في المجلس على القوائم الفردية ستتنافس القوائم الحزبية على 46 دائرة، كما قدرت اللجنة المشرفة على الإنتخابات الإنفاق الرسمي بحدود نصف مليون جنيه لكل مرشح فردي (84 ألف دولار) و4 ملايين جنيه لكل قائمة (671 ألف دولار) أي أنه رسمياً سيقوم المرشحون على المقاعد الفردية بضخ 3.3 مليارات جنيه لحملاتهم الدعائية، فيما ستضخ الأحزاب 2.4 مليار جنيه، كما هو محدد رسمياَ، هذا بخلاف أموال الإعادة والتي حددتها اللجنة المشرفة بما لا يتجاوز 250 ألف جنيه لمرشح الإعادة علماً بأنه لن تكون هناك انتخابات إعادة على القوائم الحزبية حيث إنه ستحسم من الجولة الأولى.

فيما سيقوم مرشحو مجلس الشورى بضخ مبالغ أقل نظراً لأن عددهم يصل إلى 2036 مرشحاً يصل إنفاقهم الرسمي 1.1 مليار جنيه و272 قائمة حزبية يصل إنفاقها الرسمي إلى مليار جنيه تقريباً، بخلاف أموال الإعادة أيضاً.

إنتخابات 2010 الماضية والتي كانت أحد أهم أسباب سقوط دولة الرئيس السابق حسني مبارك وصل الإنفاق الدعائي على الإنتخابات التي خاضها الحزب الوطني المنحل شبه منفرد إلى 7 مليارات جنيه رغم تحديد معدلات الإنفاق نفسها للمرشحين الفرديين تقريباً حيث جرت الإنتخابات بالنظام الفردي آنذاك، لذا فإن خبراء اقتصاديين يتوقعون أن يتجاوز الإنفاق في هذه الإنتخابات أكثر من 18 مليار جنيه مصري (3.1 مليارات دولار) فقط في انتخابات مجلس الشعب، وهو ما يؤكده الدكتور quot;حمدي عبد العظيمquot; الخبير الاقتصادي.

مؤكداً أن الدعاية الانتخابية في برلمان الثورة ستتضاعف في مرحلتها الأولى لتصل ما بين 18 إلى 20 مليار جنيه تزيد في مرحلة الإعادة في ظل وجود عدد كبير من القوائم الحزبية والمرشحين الفرديين، وشدد في الوقت ذاته على أن انتخابات2011 سوف يسيطر عليها المال بالإضافة إلى الاتجاه العقائدي ونزول بعض أعضاء الحزب الوطني إلى بورصة الصرف ببذخ على الدعاية الانتخابية وهو ما سيزيد من حجم الإنفاق.

وعلى الرغم من أن معظم الأحزاب تعاني بوضوح أزمة سيولة مادية خاصة الجديدة منها والتي نشأت بعد الثورة كما أن بعض هذه الأحزاب مثل أحزاب شباب الثورة والأحزاب الإشتراكية والإجتماعية تعاني بوضوح عدم توفر سيولة مادية لديها واقتصار تمويل حملاتهم على تبرعات الأعضاء التي تتسم بصغرها وعدم وفائها باحتياجات تلك الأحزاب، حيث يؤكد quot;عبدالغفار شكرquot; أحد مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن الأحزاب الناشئة ستكون مظلومة في معركة الانتخابات ولن تكون أمامها فرص متكافئة مع أحزاب رجال الأعمال أصحاب الملايين ومرشحي التيارات الإسلامية الذين تتدفق عليهم الأموال من كل مكان.

ويرى المعارض المصري البارز الدكتور quot;جمال زهرانquot; أن أحد أهم أسباب اعتذاره عن الترشح فى انتخابات مجلس الشعب هو اعتماد النظام الانتخابي الجديد على المال وهو يعني عدم تكافؤ الفرص، مستدلاً بذلك على أن دائرته كانت في السابق تضم 200 ألف ناخب وبعد النظام الجديد أصبحت مليوناً ما أصابه بعدم القدرة على الإنفاق على الحملة الانتخابية.

الأحزاب الكبيرة أعلنت قبل فترة عن بدء تلقيها التبرعات الرسمية من أعضائها على سبيل الذكر قام رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد quot;السيد البدويquot; بالتبرع بـ25 مليون جنيه للحزب فيما لم يعلن باقي رجال الأعمال المنتمين إلى الحزب عن حجم تبرعاتهم، كما تشير مصادر إلى أن حزب المصريين الأحرار والذي يدعمه الملياردير المصري نجيب ساويرس تلقى دعماً كبيراً منه خاصة وأنه يسعى لكي يكون منافساً ندياً لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للأخوان المسلمين والذين همبدورهم جمعوا مليارات الجنيهات لتمويل حملتهم الانتخابية.

وتؤكد صحيفة الوفد المصرية أنهم نجحوا في جمع ما يقارب 2500 مليون جنيه هم والسلفيون لتمويل حملات مرشحيهم بخلاف ما لديهم من أموال، ويرى بعض الخبراء أن الأخوان والتيارات السلفية نجحوا في جمع أموال كثيرة خلال الفترة الماضية خاصة من أنصارهم في الدول العربية والعاملين المنتمين إليهم في الخارج مستغلين إجازاتهم الصيفية في مصر والحصول منهم على مبالغ طائلة لدعم مرشحيهم وهو ما يعني أن أموالاً باهظة سيتم ضخّها في الإقتصاد المحلي دون أن تدر عجلة الإنتاج في البلاد.

اللجنة التي حددت سقف الصرف الدعائي للإنتخابات لا تملك أدوات حقيقية لمراقبة هذا الإنفاق خاصة وأنه متشعب ولا يتم معظمه من خلال فواتير رسمية كون أن الكثير منه يجيء عبر تنفيذ أعمال دعائية تقوم على الجهد الفردي مثل quot;الهتيفةquot; الذين يجوبون الشوارع عبر سيارات صغيرة يتم تركيب مكبر صوت عليها للدعاية لمرشح أو حزب كذلك الذين سيقفون عند الإشارات لتوزيع البرشورات والدعايات الورقية والمطابع الصغيرة التي تقوم بالطباعة دون فواتير تهرباً من الضرائب أو تأييداً من صاحبها ومجاملة لمرشح أو حزب ما.

كما أن الصرف يمكن أن يكون عبر أفراد متطوعين أو شركات تنتمي إلى ذلك الحزب أو المرشح، وبالتالي تنعدم المراقبة على تلك الوسائل في حين ستكون الصحف والفضائيات والوسائل الرسمية تحت الرقابة وهي فقط التي يمكن الإعتداد بأرقامها المادية ولكن هل تملك اللجنة القدرة على مراقبة هذا الكم الهائل من الإعلانات في الصحف والقنوات التلفزيونية؟

يؤكد الخبير الإقتصادي quot;شريف ساميquot; أن الآليات الخاصة بضبط أوجه الإنفاق على الدعاية الانتخابية للمرشحين أمر صعب للغاية، ويصعب إثباته والتحقق منه عن طريق الحسابات المصرفية في البنوك العامة والخاصة، خاصة مع عدم امتلاك الكثير من المرشحين لحسابات مصرفية يسهّل إجراء عملية التتبع والرصد لحركة الأموال من خلالها، موضحاً أن عملية الدعاية للانتخابات في مصر تعتمد بالأساس على الكثير من المجاملات الشخصية، ولكن الأمر يختلف لدى الأحزاب السياسية حيث إنها تخضع فى كافة تفاصيلها المالية وما يتعلق بها من حسابات مصرفية لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، موضحاً أن جميع المعاملات المالية والمصرفية المتعلقة بالأحزاب السياسية، ينظمها القانون والذي يتيح مراجعة القوائم المالية للأحزاب من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات، بشكل صارم.

خبراء آخرون يؤكدون أن إنفاق الأحزاب سيزيد من تحت طاولة الأحزاب والمستندات حيث سيسعى رؤساء القوائم على دعم أنفسهم من خلال الصرف المباشر على الدعاية لأنفسهم عبر دعايات منظمة وعائلية وشخصية لا يمكن التحكم فيها ومعرفة مصدرها ما سيزيد من حجم الإنفاق الإعلاني بكثير عما حددته اللجنة.

ويؤكد الخبير الإقتصادي quot;مختار محمد عبدالمتعالquot; الذي يشير إلى أن أشكال الدعاية الانتخابية ستزيد بنسبة 30% عن الدورة الماضية، وذلك بسبب تنوع أشكال الدعاية الانتخابية من كروت ولافتات قماش أو بلاستيك وملصقات وبوسترات ومطويات وإعلانات طرق ونشرات إلكترونية وصحف غير دورية وكتيبات بالاضافة إلى الاعلانات في الصحف اليومية والتي تتعدى في المرة الواحدة أكثر من 100 ألف جنيه والمقاهي والفراشات والسيارات والميكروباصات وسماسرة الاصوات، وغيرها من أشكال الدعاية الإنتخابية.

في الوقت الذي عجزت فيه البنوك المصرية عن تمويل سندات الخزانة سيصرف مجموعة قليلة من المصريين لا يتجاوز عددهم 0.12% من الشعب المصري ما يقارب 20 مليار جنيه على مقاعد مجلس الشعب ليتساءل المصري البسيط ما هي الفائدة التي ستعود عليهم من عضوية المجلس لتجعلهم ينفقون كل هذه المليارات؟. سؤال ستحمل الأيام القادمة إجابته التي ربما ستشكل صدمة للمصريين!.