عبد القادر خان

لم يكن بوسع أجهزة الاستخبارات الغربية ndash; على تقدم الأدوات المتاحة لها - إماطة اللثام منفردة عن نشاط العالم الباكستاني عبد القدير خان في السوق النووية السوداء. ولهذا تجادل صحيفة بريطانية محترمة بأن على الغرب أن يتخلّى عن الليونة في ما يتعلق بسياساته الدفاعية.


أسامة بن لادن ليس بالضرورة أخطر شخصية شهدها العالم في نهايات القرن العشرين وبدايات الحادي والعشرين. فهناك منافس قوي آخر في هذا المقام هو عبد القدير خان، الذي تسبق اسمه صفة laquo;العالم الباكستانيraquo; وlaquo;أبو البرنامج النووي الباكستانيraquo;.

لكن عبد القدير خان، تبعًا لافتتاحية في laquo;تايمزraquo; البريطانية، أجدر بتسمية أكثر دقة من هذين الوصفين وهي laquo;اللصّraquo;، وبتعريف أدق أيضًا هو أنه laquo;مبتدع شبكة إجرامية لم تتورّع عن بيع المعرفة والمعدات اللازمة لصناعة القنبلة النووية لمن كان قادرًا على الشراءraquo;.

لعبد القدير خان زبائن، أبرزهم إيران وكوريا الشمالية، إضافة إلى العقيد معمّر القذافي، عندما كان في سدّة الحكم. هذه الجهات وغيرها ليست قمعية وحسب، وإنما تسعى بشراهة وراء برامج نووية متقدمة، تحمي بها أيدلوجيات متعنتة، ولا تمتثل لأي رادع كان.

عندما كان خان يسعى من جانبه إلى توسيع دائرة تجارته غير المشروعة في الثمانينات والتسعينات، لم يكن لأي من وكالة الطاقة الذرية أو الهيئات الدولية المشابهة والمعنية بالطاقة وأنواعها أو الحكومات الغربية وأجهزة استخباراتها علمًا حقيقيًا بما يدور وراء ظهورها. وقد اعترف خان علنًا في فبراير/شباط 2004 بأنه باع أسرارًا نووية لعدد من الدول. فأُزيح من إدارة البرنامج النووي الباكتساني، ووُضع قيد الإقامة المنزلية الجبرية، لكن سائر القيود المفروضة عليه أرخيت في 2009.

وقد كان السبب الرئيس في كشف الشبكة، التي أقامها خان وتفكيكها، القرار الذي اتخذه القذافي بالاعتراف بطموحاته إلى امتلاك القنبلة النووية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2003 تم اعتراض سفينة ذات أصل ألماني محمّلة بمكونات لتخصيب اليورانيوم بغرض تسليمها للعقيد. وعندما أقرّ هذا الأخير بعيد ذلك ببرنامجه النووي، وعرض على الاستخبارات النووية التخلي عنها، والتعاون بشأن أصلها وفصلها، صارت كل الطرق تؤدي إلى خان وشركائه.

كان هذا هو المعروف وقتها. لكن اتضح لاحقًا أن القذافي لم يكن مدفوعًا في قراره هذا برغبة من جانبه في مولاة الغرب، وإنما لأن الاستخبارات الغربية كانت تقترب بسرعة كبيرة من تعرية برنامجه السرّي.

على سبيل المثال فقد نجحت وكالة الاستخبارات الأميركية laquo;سي آي ايهraquo; في التنصت على اجتماع في الدار البيضاء بين خان ومسؤولين ليبيين، ثم قدمت هذا الدليل الدامغ إلى العقيد، الذي لم يجد مناصًا من الاعتراف بكل شيء. وبفضل هذا الاعتراف، تكشّف المدى الذي بلغه خان وشبكته.

الآن فثمة دروس عدة لكل هذا: الأول يخصّ العلاقة العسيرة بين باكستان والغرب وتداعيات هذه العلاقة على الأمن في الغرب. فباكستان هي حيث وجد بن لادن المأوى. وهي النقطة التي تكسرت فيها اتفاقية حظر الانتشار النووي. لكن خان يظل بطلاً قوميًا في أعين غالبية الباكستانيين، وهذا بالرغم من أنه حصل على التكنولوجيا التي صنع بها القبلة النوويةعبر laquo;السرقةraquo;، وليس laquo;العلمraquo;، الذي يسمح بتطوير شيء كهذا. ومن الواضح أن معظم نشاطه laquo;اللصوصيraquo; كان مدعومًا من جانب مختلف أجهزة بلاده.

الدرس الثاني هو أن الضوابط المفروضة على تصدير التكنولوجيا النووية ليست على ما يرام، وأن نفوذ وكالة الطاقة الذرية ليس أفضل حالاً من ذلك. وهناك مثال آخر يشهد على هذا، وهو أن منشآت إيران النووية السرّية ndash; مثل مفاعل تخصيب اليورانيوم في نانتز وإنتاج الماء الثقيل في أراك ndash; كان سيظل طيّ الكتمان لولا أن جماعة إيرانية معارضة لفتت الأنظار اليه.

والثالث هو أن لا أمن حقيقيًا للغرب في حال قرر التراخي عن المراقبة والحراسة. وصحيح أن أسلحة الدمار الشامل، التي قالت المخابرات الغربية إن صدام حسين يملكها انتهت إلى لاشيء وإلى نزع المصداقية عن حرب العراق، لكن التدخل لاستكشافها كان ذا نتائج بعيدة المدى. فقد أدى مصير صدام حسين إلى مسارعة القذافي للاعتراف ببرنامجه الخاص، وتسليم مكوناته إلى بريطانيا. ولكن حتى ذلك الحين، فقد كان خان وشبكته يعملان في أمن وأمان.

أما ملخص الدروس الثلاثة الآنفة الذكر فهو أن laquo;القوة الناعمةraquo; لا تكفي أحيانًا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الدفاعية الغربية.