الرباط: انطلقت في المغرب عملية الترشح لانتخابات أعضاء مجلس النواب المقررة في 25 نوفمبر الجاري في ظل دستور جديد للمملكة صوت عليه الشعب في الاول من يوليو الماضي بأغلبية ساحقة.

وتتميز هذه الانتخابات التي تأتي تتويجا لمشروع اصلاح سياسي شامل قلص من صلاحيات الملك ليتحملها رئيس الحكومة الذي سيتم تعيينه من الحزب الفائز بأغلبية المقاعد في الغرفة الأولى التي تتكون من 395 مقعدا.

كما تمتاز برفع حصص تمثيل النساء في المجلس الى 60 مقعدا على الأقل من خلال قائمة وطنية للنساء تم التوافق بشأنها بين جميع الأحزاب المغربية التي وقعت في نفس الوقت على ميثاق لتخليق العملية الانتخابية وتوسيع مشاركة المرأة والشباب في هذا الاستحقاق عبر فسح المجال لهاتين الفئتين للترشح أيضا في القوائم المحلية ل 305 دوائر. وفيما تمثل النساء ثلثي القائمة الوطنية التي يبلغ عدد مرشحيها 90 مرشحا فان ثلثها الباقي تم تعيينه للشباب لأقل من 40 سنة.

وتوافقت الأحزاب المغربية على كل القوانين الانتخابية التي تم تحضيرها في زمن قياسي وأثارت كثيرا من الجدل في اللجان البرلمانية وهدد البرلمانيون بالتصويت ضدها قبل الوصول الى تضمين هذه القوانين استثناءات تهم حصريا انتخابات الولاية التشريعية 2011-2016 والتي تجري سابقة لأوانها.

ومن أهم النقاط الخلافية التي استأثرت بالبحث عن حلول التوافق بين الحكومة والبرلمان والتصويت عليها في مجلسي النواب والمستشارين (غرفتا البرلمان المغربي) لتمريرها دون الصعوبات التي لاحت أثناء عرضها على المجلسين هي التقطيع الانتخابي للدوائر التي اتسعت مساحتها وتقلصت المقاعد المخصصة لها والعتبة التي يتوقف عليها اعتبار القائمة لدى احصاء الأصوات وحالات التنافي بين رئاسة مجلس بلدي أو جهوي والعضوية في البرلمان والترشيح مرتين لمجلس النواب برسم القائمة الوطنية وحصة النساء والشباب في هذه القائمة اضافة الى حجم تمثيل المرأة في البرلمان المغربي.

ويراهن الناخبون المغاربة على أن تفضي هذه الانتخابات الى تجديد النخب السياسية في بلادهم من خلال الدفع بوجوه جديدة وجيل شاب من السياسيين الى المعترك الانتخابي الا ان كثيرا من مناضلي الأحزاب السياسية المغربية يرون أن التقطيع الانتخابي الجديد يحول بينهم وبين الترشح أو التقدم للانتخابات أصلا بسبب ما تتطلبه الحملة الدعائية وتغطية الدائرة المحلية من دعم لوجيستي ليس في متناول سوى الأثرياء.

كما اعتبر آخرون أن القائمة الوطنية للنساء ومثيلتها للشباب كرستا الفئوية وحافظتا على امتيازات طبقة من السياسيين الذين يتمتعون بالقرابة ويدينون بالولاء لقيادات الأحزاب التي تقرر تعيين أعضاء القائمة وتحدد ترتيبها لاسيما أن العتبة بالنسبة لهذه القائمة محددة في ثلاثة بالمئة فقط وليس ستة بالمئة كما هو محدد للقائمة المحلية.

ويتنافس على الترشح للانتخابات التشريعية أكثر من 30 حزبا استطاع 15 حزبا منها أن يعلن عن ثلاثة تحالفات أهمها التحالف الديمقراطي الذي يضم ثمانية أحزاب اثنان من مكوناتها يعتبران من الائتلاف الحكومي الحالي الذي يقوده رئيس الحكومة عباس الفاسي سكرتير عام حزب الاستقلال الذي جدد هو كذلك تعاقده مع أعضاء تحالف الكتلة الديمقراطية الذي يضم حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية اضافة الى تحالف أربعة أحزاب من الوسط الليبرالي أطلقت على نفسها (التحالف الوطني المستقل) وتضم الديمقراطي الوطني والحرية والعدالة الاجتماعية والوسط الاجتماعي والاصلاح والتنمية فيما أعلن حزبان مقاطعتهما لهذه الانتخابات.

وبقي حزب العدالة والتنمية (الاسلامي) وهو الأوفر حظا لحصد غالبية مقاعد مجلس النواب خارج التحالفات المعلنة نتيجة محاولات محاصرته لتقليص فرص نجاحه واضعاف احتمالات قيادته لأي ائتلاف حكومي ممكن مع الأحزاب القوية ذات الشرعية التاريخية والنضالية وذات المراس في مواقع الحكم والمعارضة معا.

وترفع كل الأحزاب المشاركة في الانتخابات التي يتطلع المغاربة من خلالها الى ترجمة حقيقية لفصول الدستور الجديد لبلادهم وتنزيل واقعي لبنوده في برامجها الانتخابية شعارات الاصلاح quot;للخروج بالمغرب الى التقدم والازدهار والكرامة ومحاربة الفساد والرشوة والحد من استفحال مظاهر الفقر والهشاشة والبطالة والنهوض بالأوضاع الاجتماعية للسكان وتوفير فرص العمل للعاطلين لاسيما من الشباب خريج الجامعات المغربيةquot;.

كما تراهن الدولة على ضمان مشاركة مكثفة في هذه الانتخابات على غرار انتخاب المجلس التأسيسي في تونس التي حققت نسبة في حدود 80 بالمئة وذلك من أجل اعطاء مدلول للتصويت بالأغلبية الساحقة على دستور المغرب الجديد واكساب الخطاب الرسمي باجراء انتخابات نزيهة حرة شفافة المصداقية والتي يشكك فيها بعض شباب (حركة 20 فبراير) الذين يواصلون خروجهم الى شوارع المدن الكبرى في مظاهرات المطالبة باسقاط الفساد.

وتتخوف الادارة المغربية أن يحرجها يوم الاقتراع عزوف الناخبين عن التصويت والمشاركة في ظل دعوات متكررة من عدة جهات لاتخاذ مواقف معادية للتصويت لفائدة أحزاب معينة كموقف الحركات الأمازيغية من حزب الاستقلال الحاكم وحزب العدالة والتنمية المعارض اللذين يتبنيان مواقف عروبية واسلامية في اتجاه يميني ويتهمان بمعاداة ترسيم الأمازيغية ومعارضة الاعتراف بلهجتها لغة رسمية للبلاد الى جانب اللغة العربية.

وفي هذا الصدد أكد وزير الداخلية المغربي الطيب الشرقاوي الليلة الماضية أمام برلمان بلاده في جلسة الأسئلة الشفهية ضرورة التقيد الصارم بالقانون والعمل على تفعيل آليات ممارسة العمل السياسي وتوفير شروط المنافسة الانتخابية الحرة والالتزام بالمساواة بين مختلف الأحزاب والتصدي الحازم لكل الخروقات ومحاربة استعمال المال وشراء الأصوات لافساد الانتخابات.

وان كانت الانتخابات المقررة في المغرب يوم 25 نوفمبر الجاري وسعت قاعدة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والبرلمانية ومشاركة الشباب برفع حصته كذلك اضافة الى منع ترحال النواب بين الفرق البرلمانية والأحزاب وربط المسؤولية بالمحاسبة وتبسيط اجراءات رفع الحصانة فان الرهان الحقيقي على هذه الانتخابات يبقى على قدرة هذا اليوم على افراز مشهد سياسي بنخب جديدة انبثقت من انتخابات نزيهة شفافة ببرامج واقعية طموحة.