تشير العمليات العسكرية، التي تستهدف قوى الأمن السورية ودوريات الشرطة، إلى أن الانتفاضة المستمرة منذ نحو ثمانية أشهر تتحول تدريجًا إلى مقاومة مسلحة. ويرى مراقبون أن هذه العمليات، وإن كانت لا تزال محدودة، فإنها تُنبئ بحدوث تحوّل في الانتفاضة السورية، التي تثبت أنها الأشدّ تعقيدًا وصعوبة بين ثورات الربيع العربي.


العنف ما زال متواصلاً في مدينة حماه السورية رغم الإعلان عن الالتزام بالمبادرة العربية

إعداد عبد الإله مجيد: أكد مسؤولون ومواطنون سوريون في مدينة حماه، تحدثوا إلى المراسلين الأجانب خلال زيارة نظمتها السلطات أخيرًا، أن مثل هذه الهجمات تقع كل ليلة في المدينة. كما تتردد أصوات الانفجارات في شوارع هذه المدينة، التي أصبح اسمها رديفًا لقوة الاحتجاجات السلمية قبل أن تقتحمها دبابات النظام لسحق انتفاضتها في أواخر تموز/يوليو واوائل آب/اغسطس.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن أسامة جنودي (29 عامًا) الذي شهد هجومًا استهدف قوات الشرطة من مكتبه quot;أن شيئًا يحدث كل يوم، وحتى مرتين في بعض الأحيان يوميًاquot;، مؤكدًا quot;أن مسلّحين يهاجمون الشرطة، ولا أعرف من يكونونquot;.

وقال محافظ حماه أنس عبد الرزاق نعيم إن ما معدله ثلاثة من عناصر الأمن يُقتلون في هذه الهجمات كل أسبوع. وأضافأن حماه تشهد quot;نحو هجوم واحد في الليلة بعبوات ناسفة وكمائن وقذائف آر بي جي ، وفي غضون دقائق تتحول المدينة إلى مدينة أشباحquot;.

ونُظّمت زيارة المراسلين الأجانب بإشراف السلطات السورية للمدينة قبل إعلان مشروع الجامعة العربية وموافقة النظام السوري على سحب قواته من المناطق السكنية والإفراج عن المعتقلين والسماح بالاحتجاجات السلمية. لكن مقتل 20 شخصًا على الأقل يوم الجمعة، غالبيتهم خلال التظاهرات المناوئة للنظام، يشير إلى أن النظام لا يعتزم وقف حملته ضد المعارضين، الذين يتهمهم دائمًا باستخدام السلاح.

ويرى محللون أن ظهور حتى أعداد صغيرة من المسلحين يزيد البحث عن تسوية تعقيدًا، لا سيما أن تنظيم الجيش السوري الحر، الذي أعلن مسؤوليته عن العديد من الهجمات الأخيرة، أكد إنهاء وقف إطلاق النار ليل الجمعة، متوعدًا بتكثيف عملياته ردًا على أعمال القتل الجديدة. وقال قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد في اتصال هاتفي مع صحيفة واشنطن بوست من تركيا quot;إن النظام يكذب، ويحاول كسب الوقت مع الجامعة العربية والمجتمع الدوليquot;. وأضاف quot;إننا الآن سنصعّد عملياتنا حتى إسقاط النظامquot;.

وقال دبلوماسي غربي في دمشق طلب عدم ذكر اسمه إن عدد أعمال القتل التي ارتكبتها قوات الحكومة ضد محتجين سلميين، وقدرت الأمم المتحدة ضحاياها بأكثر من 3000، ما زال يتخطى بكثير عدد أعمال القتل التي استهدفت قوى الأمن.

واعتبر الدبلوماسي الغربي العمليات المسلحة ضد قوات النظام بأنها quot;ليست منتشرة حتى الآن، وليست واسعة النطاق، ولكنها تسير في هذا الاتجاه في غياب البديل السياسيquot;.

ورغم إعلان الجيش السوري الحر مسؤوليته عن العديد من هذه الهجمات، مؤكدًا أنه يضم في صفوفه 10 آلاف جندي وضابط منشق، فإن العديد من الدبلوماسيين ومنظمات حقوق الإنسان يرون هذا الرقم مبالغًا فيه، بحسب واشنطن بوست. وتقول هذه المصادر إن انشقاقات تحدث، ولكن يبدو أن مدنيين رفعوا السلاح بدافع اليأس من جدوى الاحتجاجات السلمية.

ويؤكد ضباط في الجيش السوري الحر أن المدنيين الوحيدين الذين يُقبلون في صفوفه هم ناشطون مطلوبون من السلطات. ولكنهم يعترفون بأن الضباط المنشقين في الخارج لا يمارسون قيادة أو سيطرة تُذكر على منفذي الهجمات في الداخل.

وقال الرائد أيهم الكردي، الذي قدم نفسه في تركيا بصفة منسق الجيش السوري الحر لمنطقة حماه، إن السلطات التركية لا تسمح للجماعات المعارضة بتنفيذ هجمات عبر الحدود أو تهريب أسلحة إلى الداخل.

ويتلقى المعارضون دعمًا أكبر من لبنان، حيث سمح ضعف الرقابة على الحدود بمرور الأسلحة والناشطين والعسكريين المنشقين عبر الحدود. وقامت القوات السورية أخيرًا بزرع ألغام على امتداد الحدود في محاولة لوقف هذه الحركة. لكن ملازمًا منشقًا في بلدة وادي خالد اللبنانية قال إن الاتصال يكاد يكون معدومًا بين العسكريين المنشقين في الخارج وأفراد المجموعات المسلحة، التي انبثقت في الداخل. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن الملازم إنه quot;ليست هناك اتصالات معهم، وهم لا يتواصلون مع بعضهم البعضquot;.

وينظر المحتجون السلميون إلى المنشقين على أنهم أغيار يدافعون عن المدنيين ضد بطش النظام. وفي مدينة حماه، ينسب ناشطون الهجمات الأخيرة إلى الجيش السوري الحر، ولكنهم يقولون إنه لا يتحرك إلا دفاعًا عن المحتجين.

وأكد الناشط صالح الحموي في اتصال عبر الانترنت أن المحتجين لا يرفعون السلاح أبدًا، وأن الجيش السوري الحر يتصرف كما يتصرف أي جيش، للدفاع عن الشعب، وهو لا يكون البادئ في أي حال من الأحوال.

وأشار الحموي إلى أن الكمين، الذي استهدف قوات الشرطة في حماه قبل أيام، حدث لأن قوات الشرطة كانت في طريقها إلى قمع تظاهرة احتجاج. ولكن لا الحموي ولا منسق الجيش السوري الحر لمنطقة حماه كان لديهما علم بالهجوم أو الجهة التي نفذته.