أتت ثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك، لتفتح الآفاق أمام المصريين عموماً والأقباط خصوصاً للمشاركة في الحياة السياسية، بعد أن انزووا عنها لمدة طويلة معتبرين أن مشاركتهم لن تؤثر ولن تغيّر الواقع السياسي القائم في مصر.
الأقباط يخشون عدمالمشاركة في البرلمان |
القاهرة: مع اقتراب موعد إجراء أول إنتخابات برلمانية في مصر بعد الثورة، إنطلقت دعوات تطالب الأقباط بمقاطعة تلك الإنتخابات، إحتجاجاً على تنامي الخطاب الطائفي ضدهم، وإعتقاداً أن الإنتخابات الحالية لن تصبّ في صالح الأٌقليات أو التيارات الليبرالية واليسارية والشبابية والمرأة. ومن جانبها، ترفض الكنيسة تلك الدعوات، ويرى خبراء أنها سلبية ليست في مصلحة الأقباط أو المسلمين المعتدلين، بل تصبّ في مصلحة المتشددين الإسلاميين، وتساهم في تضاؤل فرص إقامة الدولة المدنية.
60 عاماً من السلبية
منذ نحو 60 عاماً مضت، بدأ الأقباط في مصر ينزوون بعيداً عن الحياة السياسية، وتضاءل وجودهم في المشهد السياسي بشكل واضح، وتحولوا إلى الكنيسة، ولم يكن الأقباط وحدهم الذين فضلوا العزوف عن المشاركة السياسية، بل الشعب المصري كله، الذي شعر أن مشاركته لن تقدم أو تؤخر، طالما أن النظام الحاكم يصرّ على تزوير الإنتخابات، وتصعيد من يعملون لمصلحته. ونتيجة لذلك، توحشت ظاهرة التزوير، وتوحشت معها ظاهرة العزوف السياسي في انتخابات برلمان 2005، و2010 على التوالي. وتصور الجميع أنه لا فائدة من إصلاح النظام، أو مشاركة الشعب، ولكن فجأة إندلعت ثورة 25 يناير، وفتحت أفاقاً رحبة للمصريين جميعاً، ولاسيما الأقباط في المشاركة السياسية.
كان الأقباط شغوفين للمشاركة السياسية بقوة بعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وتشكلت مجموعات للتوعية بأهمية المشاركة في المرحلة الإنتقالية، منها quot;أقباط من أجل الإنتخاباتquot;، quot;وأقباط من أجل مصرquot;، كما انخرط الأٌقباط بقوة في الحركات والإئتلافات الشبابية، والثورية، وساهموا في إنشاء أحزاب سياسية جديدة، ولكن تغيرت الأحوال بعد أحداث ماسبيرو في 9 أكتوبر الماضي، حيث انطلقت دعوات لمقاطعة الأقباط الإنتخابات.
ما الذي ساهم في هذا التحول؟ هل هو حادث ماسبيرو الذي راح ضحيته 25 قتيلاً و326 مصاباً، السبب الأساسي وراء دعوات المقاطعة، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
الخطاب الطائفي
ووفقاً للناشط القبطي المستشار نجيب جبرائيل رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، فإن حادث ماسبيرو لم يكن وحده العامل وراء دعوات المقاطعة، ولكن هناك حزمة من الأسباب، التي كانت وراء تلك الدعوات، وساهمت أيضاً في هجرة نحو 100 ألف قبطي للخارج بعد الثورة. ويوضح جبرائيل لـquot;إيلافquot; أن المناخ السياسي في مصر بعد الثورة صار محمّلاً بالكثير من الطائفية، منذ إعلان أحد مشايخ السلفية الإستفتاء على التعديلات الدستورية في 9 مارس الماضي quot;غزوة الصناديقquot;، معتبراً ( الشيخ السلفي) أن مصر دولة المسلمين، quot;واللي مش عاجبه يهاجر إلى أمريكا أو كنداquot;، مشيراً إلى أن الخطاب الطائفي والتحريض ضد الأٌقباط في تصاعد مستمر، وكانت النتيجة وقوع العديد من الحوادث الطائفية الكبيرة: منها هدم كنيسة صول في أطفيح، وأحداث إمبابة التي راح ضحيتها 15 قتيلاً، ثم حادث كنيسة الماريناب، الذي ترتب عليه حادث ماسبيرو الذي راح ضحيته 25 قتيلاً. ولفت جبرائيل إلى أن بعض الأٌقباط صاروا يشعرون بالغربة في وطنهم، ومن ثم انطلقت دعوات المقاطعة للإنتخابات.
رفض كنسي
ورغم ذلك، يشدد جبرائيل على أن الكنيسة ترفض تلك الدعوات، وتطالب الأقباط بضرورة الإنخراط في العمل السياسي، والمشاركة في الإنتخابات المقبلة، مشيراً إلى أنه لا سبيل لحل مشاكل الأقباط، إلا بكونهم قوة فاعلة سياسياً، ودعا جبرائيل الأقباط إلى المشاركة في الإنتخابات المقبلة والتصويت لمن يرونه الأصلح للوطن. منوهاً بأن الإنتخابات المقبلة سوف ترسم مستقبل البلاد بعد الثورة، ولا ينبغي أن يكون الأقباط على الهامش في تلك الحقبة المهمة من تاريخ مصر. لأنهم جزء من نسيج الوطن، ولن يقبلوا إلا بحقوقهم في المواطنة الكاملة غير المنقوصة.
ترفض الكنيسة دعوات المقاطعة، ويقول الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة لـquot;إيلافquot; إن البابا يرفض على الإطلاق تلك الدعوات، مشيراً إلى أنها سلبية ليست في صالح الأقباط، وأضاف أن المشاركة الإيجابية سوف تجعل للأقباط وزناً سياسياً، وسوف يكونون شركاء في تشكيل الدستور والقوانين التي سيضعها البرلمان المقبل، داعياً الأقباط إلى ضرورة الإنخراط في الحياة السياسية، والإشتراك في الأحزاب حتى يكونوا قوة فاعلة داخل هذه الأحزاب، ويساهموا في صناعة القرار. معتبراً أن المقاطعة و السلبية لن تجدي نفعاً، ولن تأتي بالخير للأقباط أو لمصر.
خائن للمسيح ومصر
انطلقت الدعوات للمقاطعة بالأساس من الخارج، حيث دعت منظمة ما يسمى بـquot;الدولة القبطيةquot; التي يتزعمها المحامي الأميركي موريس صادق إلى مقاطعة الأقباط للإنتخابات في أعقاب حادث ماسبيرو، وقال quot;يجب على الأقباط عدم المشاركة في الإنتخابات المقبلةquot;، معتبراً أن أي قبطي يشارك ترشيحاً أو تصويتاً quot;خائن للمسيح ولمصر وعميل للإستعمار الإسلاميquot;. كما انطلقت دعوات أخرى من الداخل، من خلال حركة إتحاد شباب ماسبيرو، غير أن تلك الدعوات لم تلق صدى في أوساط المسيحيين، لاسيما أنها تعبر عن سلبية واضحة في مرحلة لا تجدي فيها السلبية نفعاً.
إحتجاج سلمي
إلا أن رامي عادل عضو شباب الثورة يرى أن المقاطعة إحدى وسائل الإحتجاج السلمي، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الإنتخابات لا تعطي الأقباط أو شباب الثورة أو المرأة فرصة للوصول إلى البرلمان، بل ستكون الغلبة فيها للتيارات الإسلامية، ولاسيما السلفية والإخوان. وقال إن عدد المرشحين الأقباط ضئيل جداً، ووضعوا على قوائم الأحزاب كمالة عدد، أو من باب الوجاهة السياسية، ليقال إن الحزب الفلاني رشح أقباطاً أو امرأة في قوائمه. متوقعاً عزوف الأقباط عن المشاركة في تلك الإنتخابات، لاسيما أن جرح ماسبيرو لم يندمل بعد.
دعوات غير مؤثرة
في أعقاب كل حادث له ملامح طائفية، تنطلق تلك الدعوات، لكنها لن تكون مؤثرة في الأقباط هذه المرة، إنه رأي الناشط القبطي جمال أسعد الذي قال لـquot;إيلافquot;، إن الأقباط لديهم إصرار على المشاركة بفاعلية في الإنتخابات المقبلة، وسوف يكون لهم حضور واضح، مشيراً إلى أن الأقباط تأكدوا أن السلبية السياسية واللجوء إلى الكنيسة لم يمنحاهم حقوقهم، بل زادا من عزلتهم عن المجتمع، ولفت إلى أن الأقباط شاركوا بقوة في الثورة، رغم أن الكنيسة دعتهم صراحة إلى عدم المشاركة فيها، وشاركوا بعد الإطاحة بالرئيس السابق في الحركات والإئتلافات الثورية والأحزاب السياسية، ولديهم وجود واضح وفاعل فيها. متوقعاً ألا تؤتى دعوات المقاطعة ثمارها.
ليست في صالح الدولة المدنية
وحسب اعتقاد الدكتور جمال سعيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فإن دعوات المقاطعة تصبّ في صالح التيارات الإسلامية، وتضمن لها تفوقاً كبيراً في الإنتخابات المقبلة، وقال لـquot;إيلافquot; إن الأٌقباط والليبراليين في مصر يعتبرون المنافس الحقيقي للإسلاميين وغياب الأقباط سوف يؤثر بشكل واضح، ليسفي فرص مرشحيهم في الفوز، بل سيؤثر بالسلبفي فرص الليبراليين واليساريين، بل وشباب الثورة أيضاً. وأضاف أن نتائج الإستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس الماضي، أظهرت أن الأقباط والليبراليين وشباب الثورة قوة سياسية لا يستهان بها، حيث صوت نحو 23% ضد التعديلات، وفي حالة عدم المشاركة سوف تنخفض هذه النسبة إلى النصف تقريباً. ما يمهد الطريق أمام فوز ساحق للإسلاميين، ويفتح أمامهم المجال للقضاء على حلم الدولة المدنية التي تضمن حقوق الجميع وفقاً لمبادئ: المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان. ودعا سعيد الأقباط وجميع المسلمين المعتدلين إلى المشاركة وعدم التخلف عن التصويت في الإنتخابات المقبلة بمراحلها الثلاث من أجل تحقيق هذا الهدف السامي.
التعليقات