أثارت وثيقة المبادئ الأساسية للدستور المصري الجديد التي أعلنت مؤخراً، عاصفة من الجدل الممزوج بالغضب بين المصريين، ولاسيما السياسيين منهم، إذ اعتبروا أنها تتناقض مع ما قامت من أجله ثورة 25 يناير. وتمنح الوثيقة المجلس العسكري مجموعة من الصلاحيات الواسعة في الإعتراض على القوانين.
حشود من المصريين في ميدان التحرير |
تمنح الوثيقة، التي عرضها علي السلمي نائب رئيس الوزراء لشؤون التحول الديمقراطي، المجلس العسكري صلاحيات واسعة في الإعتراض على القوانين. وتجعل منه حامي الشرعية الدستورية، فضلاً عن عدم جواز مناقشة البرلمان لميزانية القوات المسلحة.
ردة على الثورة
وإنتقدت القوى السياسية والحركات الثورية المسودة أو الوثيقة، معتبرين أنها ردة على الثورة، مهددين بإشعال ثورة غضب جديدة ضد المجلس العسكري في حال أصرّ على تمريرها من دون إجراء تعديلات جوهرية عليها، فيما رفضت التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الفكرة من الأساس، مؤكدة أن مجرد الحديث عن إصدار وثيقة فوق دستورية، يعد إنقلاباً على الإعلان الدستوري الذي وافق عليه الشعب في إستفتاء عام بتاريخ 9 مارس الماضي، ومنح البرلمان وحده حق وضع الدستور.
ترتيبات لتمرير الوثيقة
ووفقاً لرئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة الذي حضر إجتماع الدكتور على السلمي لمناقشة الوثيقة، فإن هناك الكثير من العورات بتلك الوثيقة، مشيراً إلى أن الهدف من الإجتماع كان تمريرها من دون أية إعتراضات، لكن الخطة فشلت، وقال أبو سعدة لquot;إيلافquot; إن الوثيقة تنقسم إلى قسمين: الأول يتضمن مجموعة من المبادئ حول الحقوق والحريات، والآخر يتضمن خريطة طريقة لاختيار اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور، وأضاف أن القوى السياسية والرموز فوجئت بالدعوة لحضور الإجتماع، دون أن تعرض الوثيقة مسبقاً عليهم، وتابع: يبدو أنه كانت هناك ترتيبات لتمريرها في غفلة من الزمن، حيث حضر الإجتماع أشخاص مجهولون باعتبارهم من الرموز السياسية، وبعضهم من الفلول، وكان هناك أشخاص مهمتهم التصفيق أو التشويش على المعترضين.
تناقض مع مبادئ الثورة
وأضاف أبو سعدة أن الويثقة تتناقض مع ما قامت من أجله ثورة 25 يناير، وتعتبر ردة عليها، مشيراً إلى أن تمنح السلطة القضائية حق مناقشة القوانين، والموافقة عليها، فضلاً عن أنه يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطات واسعة لم تكن موجودة من قبل في الدستور القديم، ومنها عدم صدور أية قوانين إلا بعد موافقة المجلس عليها، وعدم خضوع ميزانية القوات المسلحة لرقابة البرلمان.
ولفت أبو سعدة أن هناك إعتراضات حقوقية على المسودة أيضاً، منها عدم مراعاتها للحقوق والحريات بشكل يتماشى مع مبادئ الثورة، بالإضافة إلى أن الوثيقة تتبنى نظام الإقتصاد الرأسمالي دون أن تنص على حفظ الحقوق الإجتماعية للعمال، كما أنها ألغت قيام الأحزاب على أسس فئوية، وهو ما يتعارض مع الدساتير الدولية، التي تمنح الحق للعمال والفلاحين في إقامة أحزاب خاصة بهم، والأخطر من ذلك ـ حسب أبو سعدة ـ أن الوثيقة تقصر التعليم المجاني على المرحلة الأساسية فقط، وهو ما لا يتناسب مع المصريين الذين يعيش أغلبيتهم تحت خط الفقر، كما أن التراجع عن مجانية التعليم يزيد من تدهور البلاد، ويزيد من نسبة الأمية والجهل.
تجاهل لحقوق المرأة
وحسب أبو سعدة فإن الوثيقة لم تنص صراحة على ضمانة حقوق المرأة، رغم أن هذا البند كان منصوصاً عليه في الدستور السابق، معتبراً أن كل هذه الملاحظات جوهرية. وتساءل عن الهدف من عرض الوثيقة في هذا التوقيت بالذات، الذي يتزامن مع الإستعداد للإنتخابات البرلمانية، متوقعاً أن يكون الهدف هو الخشية من فوز الإخوان بالأغلبية، والإنفراد بوضع الدستور. لكنه أشار إلى ضرورة أن يحدث توافق مجتمعي حول الدستور.
دولة داخل الدولة
رغم أن السياسة فرقت القوى السياسية المختلفة بعد الثورة، إلا أنها اجتمعت على رفض تلك الوثيقة من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار، وقال أبو العز الحريري مؤسس حزب التحالف الإشتراكي والقيادي اليساري لquot;إيلافquot; إن الوثيقة تمنح الجيش سلطات واسعة فوق سلطات الرئيس والبرلمان، فهو الذي يتولى حماية الشرعية الدستورية، ولا تسن القوانين إلا بموافقته، وليس لأية جهة الحق في مناقشة ميزانيته، معتبراً أن ذلك يتناقض مع مبادئ ثورة 25 يناير، ويفتح باباً أمام الفساد، من خلال سياسة الصناديق السوداء، التي لا أحد يعرف ما بداخلها، مشدداً على أن من الجيش ملك للشعب ومنه أن يراقب أعماله، ولا يتدخل في التفصيلات العسكرية، ويكون ذلك من خلال لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب، ولكن ما تحاول الوثيقة تمريره يجعل من الجيش دولة داخل الدولة.
وأضاف الحريري أن هذا النموذج الذي يجعل من الجيش حامي الشرعية الدستورية، ليس موجوداً في تركيا التي يحاول البعض التشبه بها، فهو يخضع للرقابة، واستطاع أردوغان التقليل من سلطاته بشكل كبير، منوهاً بأن ما يحدث الآن محاولة لوضع نموذج دستوري غير مسبوق على الإطلاق، وشدد على أن الشعب لم يسمح بالعودة إلى عصر الديكتاتورية من جديد، فبعد أن كانت ديكتاتورية الفرد سوف تتحول إلى ديكتاتورية المؤسسة، وقال quot;إن هذا الأمر دونه القبور، سوف نشعلها ثورة جديدةquot;.
وانتقد محمد البرادعي المرشح الرئاسي المحتمل الوثيقة، وكتب على صفحته بتويتر quot;القوات المسلحة ليست دولة فوق الدولة ولن تكون، وهناك فارق بين دولة ديمقراطية مدنية تضمن الحقوق الأصيلة للإنسان وبين الوصاية العسكريةquot;. وأضاف quot;إن أولويتنا هي توحيد الصفوف وليس المزيد من الصدام والفوضىquot;. معتبراً أن تلك الوثيقة quot;مشوهةquot;.
وحذر إئتلاف شباب الثورة من أن quot;تلك الوثيقة تهدف إلى تمرير وضع مميز للمجلس العسكري يضعه فوق القانون والدستورquot;، مشيراً إلى أن quot;الشعب هو مصدر السلطات الوحيد وهو الذي سوف يمثل في الانتخابات البرلمانية القادمة ولا ينبغي بأي حال من الأحوال المصادرة على إرادته بوضع مبادئ فوق دستوريةquot;.
و أبدى الإسلاميون اعتراضهم على الوثيقة، وقال الدكتور سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، لquot;إيلافquot; إن الوثيقة بمثابة الوصاية على الشعب، منتقداً إصرار الحكومة والمجلس العسكري على وضع مبادئ فوق دستورية، والقفز فوق إرادة الشعب المصري، الذي قرر أن يكون للبرلمان الحق في وضع الدستور.
إنتقادات ساخرة جداً
وإنطلقت عاصفة من الإنتقادات الساخرة على مواقع التواصل الإجتماعي مثل فايسبوك وتويتر، ومنها: quot;المادة الثانية في الدستور الجديد ستبقى: المجلس العسكري هو المصدر الرئيس للتشريعquot;، quot;بعد قراءة الوثيقة .. مادة 1 : مصر دولة ديمقراطية عسكريه يحكمها الجيش، وبها تداول سلمي للسلطة بين الجنرالات وبعضهاquot;، وكتبت صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot;، التي انطلقت منها الدعوة لتظاهرات 25 يناير quot;وثيقة المبادئ فوق الدستورية المقترحة بتدي صلاحيات للمجلس العسكري بتخليه أقوى من الرئيس ومجلس الشعب:إحنا نازلين ننتخب مجلس شعب ورئيس .. مش نازلين نشتري جوافة في كيسquot;، quot;عملنا ثورة بالنيابة عن الجيش، كان مكسوف يعمل انقلاب، وبعد لما الثورة نجحت قالولنا: روحوا العبوا بعيد يلاquot;، طمن المجلس العسكري للشعب المصري: نكتفي بهذا القدر من مرحلة تسليم السلطة الي مدنيين، ونبدأ مرحلة تسليم المدنيين إلى السلطةquot;، quot;أى حاجة مشتقة من quot;س.ل.مquot; بتبقى سودا علينا، زي سلام استراتيجي، ثورة سلمية، وثيقة السلميquot;، quot;واضح أنه تلبيس السلطة للمدنيين، مش تسليم السلطة للمدنيينquot;، quot;خلاص يا جدعان مش هنتخانق بعد اليوم .. مصر هتبقى مدنية بمرجعية عسكريةquot;، quot;أصبح عندنا الدين دولة داخل الدولة، والعسكر دولة داخل الدولة، أما مواطنو الدولة فعليهم البحث عن دولة بديلة خارج الدولةquot;، quot;احنا بنتعسكر يا جدعان، ومش هنستنى ل 25 يناير الجاى.. مبدهاشquot;، quot;طبيعي آمال المجلس العسكري مصمم إن الدستور قبل الرئيس ليه؟ علشان نفضل دولة يحكمها العسكر من خلال الدستور، والرئيس برضه مدني علشان الشعب ميزعلش، ويبقوا يقابلونى لو الرئيس المدني عمل حاجه لأنه بلا صلاحياتquot;، quot;نفس الكلام ده فى تركيا .. ياما الجيش عزل وزارات تحت مسمى حماية الشرعية الدستورية، لحد ما جيه أردوغان و قلب عليهم الترابيزة، عايزنا بقى نسلم ليه رقابتنا؟quot;.
التعليقات