كشفت طريقة التعاطي الأميركي مع أحداث البحرين، التي لا تبعد عن حقول النفط السعودية بأكثر من نصف ساعة، عن العقد المتشابكة التي تحيط بالعلاقات بين الرياض وواشنطن، ما فتح الحوار مجدداً حول أيهما أكثر فائدة للأمن الوطني السعودي، تحالف مع واشنطن الزرقاء حالياً، أم توسيع العلاقات مع الحلفاء الصفر في آسيا؟.


حين شعر السعوديون بأن ظهورهم إلى الحائط، وبدوا في ركن ضيق، بعدما لمسوا حجم التهديد الحقيقي، الذي عاشته جارتهم البحرين، تغيّرت قواعد اللعبة، وهرع كبار مسؤولي الرياض، وعلى رأسهم الأمير بندر بن سلطان، إلى آسيا، والحلفاء الصفر، وقيل ما قيل في غرف الاجتماعات، عن الالتزام الحثيث بالشراكة الجديدة.

وعبر تنسيق سعودي داخلي بين دوائر صنع القرار التنفيذية في الخارجية، والاستخبارات، والأمن الوطني، بدأت رحلات المسؤولين إلى عواصم الشرق، من بكين إلى طوكيو، ومن نيودلهي إلى إسلام أباد، فيما قدمت أجهزة مختلفة توصياتها لإدارة الحكم في المملكة بالالتفات إلى صفقات تسلّح جديدة مع الأصدقاء في آسيا.

في المقلب الآخر، كان تعامل الإدارة الأميركية مرتبكاً، في البداية، حين اعتبرت أن أحداث البحرين ليست إلا جزءًا من ثورات الربيع العربي، حتى غيّرت واشنطن الموجة، بعدما أقلقت حلفاءها في الخليج، وعادت للتذكير بضرورة الحفاظ على الأنظمة في الخليج، ما جعل آل الخليج، وصنّاع سياسته، يعودون إلى التذكير بنغمة آسيا القديمة.

يبدو أن وجود حكومة ديمقراطية في أميركا قد شكّل عقبة جديدة في وجه العلاقات بين البلدين، نظراً إلى التوجّس المزمن بين الحزب والسعودية منذ عقود طويلة، لكنّ محللين يقولون إن شخصية الملك السعودي الكاريزمية كانت فرصة لترميم العلاقات بين الحزب والمملكة، خصوصًا بعد اللقاء الإيجابي مع أوباما في مارس/آذار 2009 على هامش قمة العشرين.

ويقول دبلوماسي سعودي سابق إن وصول الملك عبدالله إلى الحكم في أغسطس/آب 2005 قد quot;مثل فرصة إضافية للاستفادة من شخصية الكاريزمية لكسب أصدقاء جدد من غير الأميركيين، وقد مثلت زيارة الملك عبدالله للصين والهند وماليزيا وباكستان وتركيا خلال العام 2006م نقلة استراتيجية لتوجيه رسائل إلى الأميركيين بأن لدى السعودية أبوابًا أخرى غير باب العم سامquot;.

ويضيف عبد الله الشمري قائلاُ: quot;تعثر عملية السلام واستمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلي وحصار غزة مثلت تحديًا أمام القيادة السعودية في إعادة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركيةquot;.

وراجعت واشنطن خططها في المنطقة، بعدما تأكدت من أن وجود دولة مستقرة، مثل السعودية، كفيل بحماية الاستقرار النفطي العالمي، خصوصًا وأن الاتجاه داخل أوبك، من قبل العديد من الأعضاء ينحو إلى المحافظة على أسعار النفط مرتفعة.

إلا أن هذا لن يغيّر من الأمر شيئًا، لكون الرياض قررت أن لا تكون صفحة في كتاب واشنطن الاستراتيجي، خصوصًا وأن المصالح بدت متضاربة خلال الأشهر الأخيرة، وأحداث الثورات العربية، من دون أن يعني ذلك أن الرياض ستذهب بعيداً.

وبينما يرى محللون في واشنطن أن الرياض ستفعل ما في وسعها كي توقف التغيير الدراماتيكي، الذي يحدث في المنطقة، فإن خبراء وفقهاء في الشأن السياسي السعودي يقولون إن هذه الدولة المحافظة مهووسة بفكرة دعم الشرعية الموجودة مهما كانت، نظرًا إلى أن المنطقة لا تحتمل تغييرًا سريعًا قد ينتج فوضى.

وبعد تاريخهم المرير مع رؤساء الثورات العربية، يحاول السعوديون التعامل مع الثورات بالمشي الهادي على قشر البيض، والانتظار حتى تتضح الصورة، قبل التدخل الفعلي، إذ علمت quot;إيلافquot; من مصادرها أن الرياض بقيت على مسافة واحدة من الأنظمة الثورية الجديدة، في انتظار أن تستمد شرعيتها من الشارع.

ربما تكون أميركا أكثر خطرًا على الرياض من طهران، إذا تقاعست الأولى عن الحفاظ على مصالح حليفتها النفطية الكبرى، نظرًا إلى أن إيران عاجزة عن التحرك بسبب مأساتها الاقتصادية، والخلافات السياسية الحادة، والاحتجاجات المتعاقبة، وذهاب حلفائها إلى متحف التاريخ.

الآن واشنطن دولة حدودية للسعودية بواقع الظروف، وقد توقع حليفتها في ورطة إذا قررت الاعتماد على حقوق الإنسان في التعامل مع أحداث العالم العربي، بدلاً من ترسيخ الاستقرار، ودعم التغيير المتوازن من الداخل، حسب ما يقول محللون.

ويقول صحافي عربي في تعليقه عن حوار مدارس الأفكار السياسية في الداخل السعودي: quot;بين مدرستين في السعودية، الخاصة بآسيا، والأخرى بأميركا، تبدو فكرة الارتباط الأكبر بأميركا خيارًا استراتيجيًا سعودياً، أكثر منطقية، فالآسيويون مجرد متبضعين، يزورون الشرق الأوسط لشراء المصالح، ثم يذهبون، بينما يرسل الأميركيون أبناءهم إلى الموت، والبقاء هناكquot;.