عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية

يتخوف المغاربة من خوض حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات التشريعية في المغرب، quot;معارك دينيةquot;، إلا أن الحزب يؤكد أن أولوياته الآن تنصبّ على معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.


يترقب المغاربة الطريق الذي سيسير عليه حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على 107 مقاعد من أصل 395 مقعدًا، وفقا للنتائج النهائية التي أعلنت الأحد.

ويتوقع أن يستقبل الملك محمد السادس عبد الإله بن كيران في غضون الأيام المقبلة لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة طبقًا للدستور الجديد للمملكة، بعد تخلي الملك محمد السادس عن بعض السلطات لمصلحة رئيس الحكومة، وسيكون حزب العدالة والتنمية ثاني حزب إسلامي معتدل يصل إلى السلطة في شمال أفريقيا منذ بدء انتفاضات الربيع العربي، بعد تونس.

يحظى حزب العدالة والتنمية المغربي بتأييد شرائح واسعة من الشعب، لكنه سيكون مضطرًا لإجراء مشاورات مع أحزاب الإستقلال، والإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والإشتراكية،من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.

ما يؤكد هذا التحليل هو مرحلة quot;الغزلquot;، التي طبعت الحزب الإسلامي المغربي مع الأحزاب الوطنية في الآونة الأخيرة، وكذلك تصريحات زعماء الحزب الإسلامي.

وكان كثير من المراقبين قد توقعوا أن يحتل حزب العدالة والتنمية صدارة النتائج بالنظر إلى شعبيته المتزايدة في موقع المعارضة، وارتباطًا بالتحولات الإقليمية التي حملت الإسلاميين إلى صدارة المشهد، وخصوصًا في تونس ومصر، فضلاً عن اتساع دائرة الغضب الشعبي من الأحزاب، التي شاركت في تدبير الشأن العام في المملكة، التي تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية في مجالات العمل والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية.

في المقابل تزداد مخاوف وهواجس الكثير من المغاربة بالنظر إلى المرجعية الإسلامية للحزب من انجرار الإسلاميين إلى خوض quot; معارك الدينquot; وعدم مراعاة التنوع والإنفتاح، الذي يعرفه المجتمع المغربي، حيث يذكر الكثيرون في هذا الإطار معركة مستشاري الحزب الإسلامي إلى جانب العمدة الإستقلالي حميد شباط في الجماعة الحضرية في فاس لاستصدار قرار يقضي بمنع ترويج الخمور.

ويرى القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد الله بوانو أن النتيجة التي حصل عليها حزبه تلقي عليه مسؤولية كبيرة، باعتبارها تمثل اختيارًا للناخبين، تحمل الكثير من الإشارات، وعلى رأسها الإيمان بمشروع الحزب وبرنامجه الإنتخابي، فالناخبون صوّتوا لمصلحة حزب العدالة والتنمية، لأنهم إطلعوا على برنامجه الإنتخابي القائم على محاربة الفساد والإستبداد، حسب قوله.

وفي سؤال لـ quot;إيلافquot; حول بعض التخوفات والهواجس لدى بعض المواطنين المغاربة في ما يخص حرياتهم الشخصية، أجاب بوانو quot;حزب العدالة والتنمية في برنامجه الإنتخابي، يجيب عن العديد من التساؤلات، ومن ضمنها احترام حريات الأشخاص وحرماتهمquot;.

بخصوص موضوع ترويج الخمور، الذي يرفضه حزب العدالة والتنمية، طمئن بوانو الجميع إلى أن الإدارة ستستمر، وأنه ستطبّق القوانين السابقة نفسها،فبرنامج الحزب برنامج سياسي، ولا يتعامل مع المعضلات التي تنخر البلاد إلا وفقا للأولويات. وقال: quot; صحيح نسعى إلى أن تكون المرجعية الإسلامية حاضرة في كل المجالات، ولكن الأولوية هي للمعضلات الاقتصادية والإجتماعية التي توقف عجلة التنميةquot;.

كما تعهد باحترام الإتفاقيات والتعهدات، التي صادق عليها المغرب، في علاقة مع الدول الغربية، مؤكدًا أن الإستثمارات ستزداد في المغرب، لأن حزبه يؤمن بالعدالة والشفافية، وهو ما سيكون مبعث ارتياح للمستثمرين المغاربة والأجانب.

من زاويته يرى عبد اللطيف كداي أستاذ علم الإجتماع في جامعة محمد الخامس ndash; السويسي في الرباط أن الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية منطقي، فمنذ سنوات كان الحزب قويًا في المعارضة، واستطاع أن يقنع شريحة واسعة من المجتمع بمصداقيته وبنظافته.

وتابع: quot;ثم يجب أن لا ننسى أن هذا الحزب يضم أطرًا وكفاءات عالية جدًا، وهذه مسألة أساسية، يجب التوقف عندها، فرغم مرجعيته الإسلامية، فهو حزب quot;حداثيquot; يحمل مشروعًا مجتمعيًا، يحاول من خلاله تقديم قراءة معينة للمشاكل التي يتخبط فيها البلد، والحلول التي يراها مناسبة، ومن خلال برنامجه لا نلمس في الحقيقة وجود فرق جوهري بينه وبين بقية الأحزاب الديمقراطيةquot;.

وقال كداي:quot;يجب أيضًا أن نسجل أن هذا الحزب قام بحملة نظيفة وبأسلوب مميز، ولم يستخدم الدين إطلاقًا، وأعتقد أنه تمرّس جيدًا خلال كل السنوات، التي قضاها في المعارضة، وتمكن من اكتساب نوع من quot;المهنيةquot;، إن صح التعبير، وشذب كثيرًا من مرجعيته الدينية، لتكون ملائمة لطبيعة التحديات المطروحة، ولتهيئ نفسه للحكمquot;.

في سؤال لـ quot;إيلافquot; حول التخوف الذي يبديه البعض بالنظر إلى المرجعية الإسلامية للحزب، قال كداي quot;التخوف طبيعي في مثل هذه الظروف، ليس فقط بالنظر إلى المرجعية الإسلامية للحزب، ولكن التناوب على السلطة باعث أيضًا من بواعث الخوف لدى الدولة ولدى شرائح اجتماعية معينة، يجب ألا ننسى أن هذا التخوف كان في حكومة التناوب الأولى مع حزب الاتحاد الاشتراكي، ونتذكر جميعًا كيف كان على هذا الحزب أن يقدم تنازلات كثيرة من أجل الوصول إلى الحكم، وتبين في ما بعد أن التخوف لم يكن له داع، والشيء نفسه ينطبق على حزب العدالة والتنميةquot;.

مستبعدًا انجرار حزب العدالة والتنمية إلى معركة الدين، وإلى المطالبة بتطبيق الشريعة وما إلى ذلك. وأضاف: quot;فالتحديات التي ستواجهها الحكومة المقبلة أكبر بكثير من هذه الشكليات، فهناك قضايا كبرى، ومعارك أكثر شراسة تنتظر الحكومة المقبلة، فجميع المؤشرات الاجتماعية تجمع على كون التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة ستكون الأصعب في تاريخ المغرب، أمام غليان الشارع وانتظاراته ومطالبه غير المنطقية أحيانًا، والتي تتميز بفئوية صارخة، وفي ظل تنامي غير مسبوق للفساد داخل بنية المجتمع والدولة على حد سواء، إلى درجة أضحى مؤسسة قائمة بذاتها.

إضافة إلى وجود اختلالات عميقة في الميزان التجاري المغربي، وارتفاع سقف الديون، كل ذلك أمام التراجع المنتظر الذي سيشهده معدل النمو في المغرب في السنوات القليلة المقبلة، والأزمة في دول الجوار الأوروبي، التي ستلقي بظلها على المغرب من دون شكquot;.

وأشار إلى أن ذلك سيجعل من الصعب على حزب العدالة والتنمية أن يدير ظهره لهذه التحديات، وينصرف لقضايا ثانوية، وأيضًا موضع خلافات ومعارك مع المجتمع المدني، خاصة وأنه إذا أراد العودة مجددًا إلى الساحة، والبقاء في السلطة، فعليهتحقيق إنجازات فعلية، في ظل هذه الإكراهات، مما يجعل هذه التخوفات غير مبررة، حسب كداي.

عبد اللطيف كداي أشار أيضًا إلى أنه وللمرة الأولىفي تاريخ المغرب ستكون هناك إمكانية لمواجهة الفساد في حالة ما إذا تمسّك حزب العدالة والتنمية بوعوده، داعيًا الحزب الإسلامي المعتدل إلى فتح حوار وطني واسع، خاصة مع جماعة العدل والإحسان، واليسار الراديكالي، باعتباره أول رهان وامتحان حقيقي لحزب العدالة والتنمية.