يقول معارضون سوريون أن النظام مصرّ على ربط أسباب الانتفاضة بمؤامرة خارجية تحاك ضده، مشيرين إلى أن هذا النظام يتهرب من الاصلاحات التي من الممكن أن تهدئ الشارع.


لندن:يقول معارضون سوريون ومحللون سياسيون ان النظام السوري بدلا من التعامل مع اسباب الانتفاضة والاستجابة لمطالبها يتشبث بالرواية القائلة انه مستهدف بمؤامرة خارجية. وهم يشيرون الى ان النظام يقدم فتات من التغيير السياسي متهربا من الاصلاحات الحقيقية التي يمكن ان تهدئ غضب الشارع وتخفف من عزلته الدولية.

وقال محللون في العاصمة السورية ان حملة النظام الأمنية لقمع الانتفاضة دفعت المعارضة التي بدأت سلمية الى حمل السلاح.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المعارض المخضرم حسن عبد العظيم ان النظام بعد تسعة أشهر من الأزمة ليس لديه ما يقدمه إلا الحل العسكري الأمني.

ويلاحظ مراقبون ان مسؤولي النظام السوري، بمن فيهم الرئيس بشار الأسد، ومؤيديهم ينسجون على منوال واحد في ترحيل اسباب الانتفاضة الى عملاء أجانب، رافضين الاعتراف بمسؤولية النظام عن العنف.

وقال الأسد في المقابلة التي بثتها شبكة أي بي سي ان غالبية الذين قُتلوا هم من مؤيدي الحكومة وليس العكس. واضاف quot;نحن لم نقتل شعبنا ولا توجد هناك حكومة في العالم تقتل شعبها إلا إذا كان قائدها مجنوناquot;.

ولا يوجد عمليا مسؤول سوري واحد يربط الانتفاضة بالتطلعات التي فجرت ثورات الربيع العربي وبسخط المواطنين على الوضع، بل يصرون على ان الولايات المتحدة واسرائيل بالتحالف مع حكومات عربية متخاذلة، على تعبيرهم، تتآمر لتدمير سوريا وإسكات صوتها لأنه الصوت العربي الوحيد المستقل، وإضعاف حليفتها الاقليمية ايران. وان هذه الأطراف ولتحقيق اهدافها، تقوم بتسليح وتمويل مرتزقة من الاصوليين الاسلاميين الذين يتسللون الى سوريا من الخارج، بحسب المسؤولين السوريين.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المستشارة الإعلامية والسياسية للرئاسة السورية بثينة شعبان quot;ان سوريا واحدة من آخر الأنظمة العلمانية في العالم العربي وهم يستهدفونهاquot;، محذرة الغرب من انه سيندم على اليوم الذي دعم فيه قيام انظمة حكم اسلامية. ورفضت شعبان فكرة ان يكون هناك وطني سوري ينتفض على النظام قائلة quot;إن الاستعمار كان دائما يجد عملاء في الداخلquot;.

ولكن هذا الرأي يقف على طرفي نقيض مع ما يجري في الشارع السوري. والحياة التي تبدو طبيعية في وسط دمشق، يمكن ان توحي بعدم وجود أزمة أو ان المعالجة الأمنية تثبت جدواها. ولكن تحت سطح يكمن خوف في العاصمة السورية من اشتعال حرب اهلية تبدد الآمال بانتقال سلمي الى الديمقراطية. ويقول دمشقيون ان الضواحي المتململة معزولة عن المدينة بحواجز تفتيش وفي حين ان قوى الأمن تسيطر على هذه المناطق في النهار فان الليل للثوار. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن مسؤولا سوريا رفض طلب مراسلها زيارة ضواحي دمشق quot;حفاظا على سلامتكquot;، كما قال المسؤول.

وينظم المحتجون quot;تظاهرات طيارةquot; داخل المدينة محاولين الافلات من قوى الأمن بتجمعات صغيرة تتحشد فترة كافية لتصويرها وتسجيل هتافاتها ضد النظام قبل ان تتفرق. ويقول دمشقيون انهم إزاء التظاهرات اليومية تقريبا التي تنظمها الحكومة، اعتادوا على سماع الهتافات في الخلفية بحيث يستطيعون التمييز في غضون دقائق بأن مواطنين يلعنون الأسد. وعندما يبدأون البحث عن مصدر هذه الهتافات يكون المحتجون تواروا عن الأنظار.

ولكن قوى الأمن تبدو منتشرة في كل مكان وتظهر عادة في ظرف دقائق. ويقول معارضون ان النظام جند اعدادا كبيرة من مؤيديه في صفوف quot;الشبيحةquot;.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شهود عيان ان تظاهرة طيارة خرجت مؤخرا قرب فندق الشام وسط العاصمة، قام بتفريقها نادلون انقضوا على المحتجين بالعصي من مقهى قريب. وما زال التوتر يسود العديد من الجامعات السورية بسبب وشاية الطلاب البعثيين على زملاء لهم معارضين للنظام.

وقال مهني شاب ان احد عماله كان يصور طابورا من المواطنين على اسطوانات الغاز، تعرّض للضرب المبرح على أيدي رجال الأمن الذين ظهروا في غضون دقائق لاعتقاله. والاعتقال مصير كل من يُضبط وهو يصور فيما منعت السلطة مؤخرا الهواتف الذكية. وقال المهني الذي طلب عدم ذكر اسمه، انه كان طابورا طويلا لا أكثر، لا سياسيا. واضاف quot;انهم يعتقدون أنهم إذا أخفوا كل شيء فانه سينتهي، ولكنه لن ينتهيquot;.

وللتخفيف من حدة التوتر يتداول السوريون نكات فيما بينهم منها ان عمال جمع القمامة انشقوا عن النظام وبدأوا ينظفون الشوارع.

وتبدو الهوة سحيقة بين ما يعتقد النظام ان من شأنه اعادة الهدوء وما يطالب به المحتجون. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن جهاد يازجي رئيس تحرير النشرة الاقتصادية quot;سيريان ريبورتquot; ان ما يخيف هو ان الفرقاء لا يتفاوضون.

ولكن المسؤولين يبدون على اقتناع بأن الدستور الجديد سيحقق التعددية وينهي الانتفاضة رغم ان الرئيس الأسد هو الذي عيَّن اعضاء اللجنة المكلفة بكتابته. وقالت المستشارة الاعلامية شعبان quot;اننا نتخذ كل الخطوات المطلوبة من أجل شعبنا وبلدناquot;.

وينظر المعارضون باستهجان الى ما يقولون انه موقف معهود مشيرين الى ان الأسد لم ينفذ عهوده باجراء اصلاحات سياسية منذ ورث الرئاسة من والده عام 2000. وان الحوار الوطني الذي وعد به منذ آذار/ مارس تعطل بعدما طالبت المعارضة بوقف العنف اولا.

في غضون ذلك تتزايد الهجمات المسلحة التي تستهدف النظام وينسبها سوريون من خارج النظام الى منشقين عن الجيش. وهم يسخرون من القول ان وراءها متسللين غرباء.

ويحذر مؤيدون للنظام من خطر اندلاع حرب اهلية مخيفة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العضو السابق في مجلس الشعب السوري شريف اباظة quot;إذا كنتَ مسيحيا او علويا ستُقتلquot;. ولكن المعارضة تتهم النظام ببث الخوف وتشجيع العنف من خلال تسليح جماعات علوية، الأمر الذي ينفيه المسؤولون. وقالت شعبان quot;ان هذا مثير للسخرية. هل هناك حكومة في العالم تدفع الى حرب أهلية؟quot;

ويؤكد مؤيدون لحركة الاحتجاج ان اسباب الاستياء من العلويين ليست طائفية بل ان هذا السخط ينصب على سيطرة عناصر من العلويين على السلطة بمن فيهم الأسد، وخاصة الأجهزة الأمنية المقيتة.

ويصعب في هذه الأوضاع تقدير حجم التأييد الذي يتمتع به النظام. ولكن الواضح انه فقد السيطرة على مناطق واسعة من البلاد في حين ان الخوف مما سيأتي يبدو شعورا سائدا في دمشق التي ابقتها توجساتها هادئة نسبيا.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن تاجر في اسواق دمشق القديمة قوله quot;نخاف من الموت على الهوية ومن الجوع والسيناريو العراقي. نريد التغيير ولكننا لا نريد سفك الدماءquot;.