رسم بياني يظهر نتيجة الاستطلاع الأسبوعي

وصف أغلبية المشاركين في استطلاع quot;إيلافquot; عن العقوبات العربية على النظام السوري، بأنها عقوبات قاسية. وبالطبع فإن الأسباب وراء هذا تتعدد ولا يمكن الإحاطة بها. لكن الأرجح أن هذه الأغلبية ترى ذلك من منطلق أن الخاسر الحقيقي هو الشعب السوري.


لندن:توجهت laquo;إيلافraquo; بسؤال الى قرائها في استطلاعها الأخير عن العقوبات العربية على النظام السوري وما إن كانت laquo;مناسبةraquo; أو laquo;قاسيةraquo; أو laquo;منقوصةraquo;.

وأظهرت نتيجة الاستطلاع أن 1364 قارئا، يشكلون نسبة 8.44 في المائة من مجموع المشاركين يأخذون بالخيار الأول (مناسبة). وقال 4479 قارئا (27.13 في المائة) إنها laquo;غير كافيةraquo;، وبهذا يحتل هذان الفريقان المرتبة الثالثة والثانية على التوالي. على أن أغلبية المشاركين، وهم 10637 قارئا يشكلون 66.43 في المائة، قالوا إنها laquo;قاسيةraquo;.

لماذا؟

من الملفت للنظر أن قرابة ثلثي المشاركين في الاستطلاع يصفون العقوبات بأنها laquo;قاسيةraquo;. وبالطبع فإن الأسباب وراء هذا تتعدد ولا يمكن الإحاطة بها. لكن الأرجح أن هذه الأغلبية الكبيرة ترى ذلك من منطلق أن الخاسر الحقيقي هو الشعب السوري وليس نظامه المفترض أن تكون العقوبات موجهة ضده في المقام الأول.

والمنطقة ليست جديدة على العقوبات. فقد شهدتها خلال العقود والسنوات الأخيرة أنظمة إمّا اعتُبرت غازية ومارقة وتحشد أسلحة الدمار الشامل (العراق / صدام حسين)، أو راعية للإرهاب الدولي (ليبيا / معمر القذافي)، أو مدانة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية (السودان / عمر البشير).

الهدف الخطأ

لكن ثمة مشكلة حقيقية تزامنت مع كل من هذه الحالات وغيرها وتمثلت في نجاح هذا السلاح الاقتصادي فقط في إصابة الجميع عدا المقصود به. فلا صدام ولا القذافي ولا البشير ولا بطاناتهم وحاشياتهم ومن انتفع من ورائهم ذاق المرّ أو أحس بأن رفاهه الشخصي انتقص قيد أنملة، وإنما شعوبهم هي التي اكتوت بمزيد من الزيت على نار الحال المزرية أصلا. بل إن النخب العربية الحاكمة تجد في العقوبات أفضل عذر للإمساك بكل صغيرة وكبيرة في السوق وما يفتحه هذا من أبواب أخرى نحو آفاق جديدة من الفساد على حساب أرزاق الشعب.

والغرب الذي يفرض هذه العقوبات - لأنه صاحب القلم - أول من يعرف هذا. لكن خيار laquo;العقوبات الاقتصاديةraquo; صار مخرجا من معادلات عسيرة عدة. ومن ضمن هذه موازين القوى ومن سيرضى ومن سيغضب، والمبرر الأخلاقي للجوء الى القوة ولوازمها ذات التكلفة البشرية والمالية العالية، واستحالة السيطرة على عواقبه كما يتضح بجلاء في تجربتي أفغانستان والعراق.

ما هي؟

على أن العقوبات التي يطرحها استطلاع laquo;إيلافraquo; لا تتعلق بعقوبات غربية / دولية لأنها مشددة منذ مايو / ايار الماضي أو بالعقوبات التركية المهمة فيقال إن الشعب السوري هو الذي سيدفع ثمنها في لقمة عيشه. وإنما المشار اليه في هذا الاستطلاع هو تلك المفروضة من قبل الدول العربية ممثلة في جامعتها. وتتلخص هذه العقوبات في شق اقتصادي يتعلق أساسا بتجميد الأرصدة المالية لحكومة دمشق، ووقف التعاملات المالية معها ووقف جميع التعاملات مع البنك التجاري السوري، ووقف تمويل أي مبادلات تجارية حكومية من قبل البنوك المركزية العربية معه. وتتفرع هذه الى منع سفر كبار الشخصيات والمسؤولين السوريين الى الدول العربية، وتجميد أرصدتهم في هذه الدول.

وهناك أيضا شق ثان laquo;هلاميraquo; يتعلق بضرورة وقف التصدي الدامي للمتظاهرين وإلا... وهذه الـlaquo;إلاraquo; تشمل أشياء مثل الشكوى لدى الجهات الدولية والاستعانة بها لإجبار نظام الأسد على وقف ردة فعله بيد من حديد... إلى آخره من فنون الخطابة. وأخيرا فهناك الشق الدبلوماسي الذي يتعلق بسحب السفراء من دمشق وبالتالي تحجيم العلاقات مع نظامها الى الحد الأدنى.

هل يستمع الأسد؟

أساس غير صلد

المؤمل من هذه العقوبات هو إجبار النظام السوري على إعادة النظر في نهجه. لكن هذا أساس غير صلد. فقد أعلنت دول مهمة - إما بسبب الجوار أو الوزن العربي - أنها لن تسحب سفراءها من دمشق وأعربت صراحة عن استيائها مما أسمته laquo;التدخل في شؤون سوريا الداخليةraquo;. وهذه الدول هي لبنان والعراق ومصر واليمن والجزائر.
وحتى من الناحية الاقتصادية فإن العقوبات لا تتعزز بأي شيء يمكن ان يسد المنافذ من سوريا واليها، فتظل حدودها مفتوحة من سائر الجهات عدا التركية الشمالية. وفي ما يتعلق بوقف نزيف الدم الشعبي فإن العقوبات لا تأتي بذكر لخيار عسكري يحشد القوات ضد نظام الأسد ويرغمه على تغيير مساره فورا وإلا صار خياره الوحيد هو مصير نظامي بن علي والقذافي.

الجامعة العربية

هناك من يقول - ومن هؤلاء روسيا وليس أقل - إن الأمر برمته مخطط اميركي - إسرائيلي لتفتيت سوريا (ومن يضيف في هذا السياق تفتيت laquo;المنطقةraquo; ممثلة في لبنان وإيران نفسها). ويتحسر هؤلاء على أن ما يسعد واشنطن وتل ابيب هو أن هذا المخطط يمضي قدما، في بداياته الحالية على الأقل، بالوكالة الطوعية من طرفين أساسيين هما الجامعة العربية وتركيا.

ومهما كان الحال فثمة إشارة لا بد منها في ما يتعلق بهذين الطرفين الأخيرين. الأول يتعلق بالجامعة العربية التي اقتصر دورها تاريخيا على إمساك العصا من النصف وإصدار بيانات التأييد والإدانة التي تتبخر في الأثير حال انطلاقها من مكبرات الصوت الإعلامي العربي. والثاني لا مفر منه ويتصل بتركيا.

الجامعة العربية والمفارقة السورية

الواقع أن قرار الجامعة تعليق عضوية سوريا محيّر بعض الشيء. فما الذي يمكن ان تتخذه الدول العربية من إجراءات بحيث تزيح نظام الأسد أو تحدو به لتغيير جلده على الأقل؟ وأي من هذه الدول نفسها ينهى عن خلق ولا يأتي بمثله؟ أيها ينعم بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان بحيث يحق له انتقاد نظام الأسد على افتقاره إلى هذه المبادئ نفسها؟

لكن قرار الجامعة كان ضروريا رغم أنه لا يتعدى كونه رمزيا، وصدر عن أطراف تخشى أنظمتها laquo;ربيع العربraquo; خلال أو بعد فراغه من إزاحة نظام الأسد. وكان ضروريا ايضا رغم أنه اتخذ، جزئيا على الأقل، من أجل استمالة الغرب على رأس الأسرة الدولية، ولإضفاء شيء من اللمعان على بنية الجامعة المتآكلة... وأخيرا، والأهم، لاسترضاء الشعوب العربية عبر التظاهر بأن أنظمتها إنما هي حريصة على معاقبة كل من تسوّل له نفسه التعدي عليها وعلى حرياتها.

الجامعة العربية تكشر عن أنيابها


الأهمية التي يكتسبها القرار تتأتى من أنه يضفي، أولا، مصداقية مهمة على المعارضة السورية ممثلة في المجلس الوطني. وهي مصداقية تتجاوز laquo;إقليميةraquo; الجامعة نفسها الى laquo;دولية القضيةraquo; باعتبارها الإرادة العربية الجماعية في وجه من تعتبره الابن الضال.

وثانيا، والأهم ربما، أن الجامعة اتخذت قرارا يمكن وصفه بأنه laquo;تاريخيraquo; حقا. فهو، بغض النظر عن المضامين الأخرى، الأول الذي يصدر بحق دولة عضو. ثم إنه لا يتعلق بدولة عربية هامشية وإنما بسوريا نفسها. هذه، أيها السادة، عضو مؤسس للجامعة نفسها. وهي قلب معسكر laquo;الرفضraquo; النابض والقوة العسكرية الوحيدة الباقية التي تؤرق منام إسرائيل، وأحد أكبر اللاعبين في أي خارطة سياسية عربية يمكن ان يفكر فيها المرء وبغض النظر عن laquo;ربيع العربraquo; وما كان قبله وما سيأتي بعده.

وهذا نفسه هو مكمن مفارقة موجعة لنظام الأسد. فكون سورية عموداً عربياً أساسياً ولاعباً لا يمكن إزاحته بغير درجة معينة من الاختلال في قواعد اللعبة بأكملها، جاء قرار معاقبتها بدءا بتعليق عضويتها وهو يحمل عنصر مفاجأة ما كانت لتخطر على البال لولا أن ربيع العرب قلب سائر المعايير التقليدية في المنطقة. فأثبت للعالم بالتالي أن لا كبير على الإرادة الشعبية. ولهذا السبب نعت نظام الأسد قرار الجامعة بعدة أوصاف منها أنه laquo;غير قانوني وخطوة خطيرةraquo; (وزير الخارجية السوري وليد المعلم) وlaquo;مؤامرة غربية تنفذها الدول الخليجيةraquo; (يوسف أحمد مندوب دمشق الى الجامعة العربية الذي كان يقصد قطر قبل غيرها)، وهلم جرّا.

تركيا

ما الذي يعطي العقوبات التركية وزنا خاصا؟

تركيا ليست الجامعة العربية، وبالتالي فهي من دون حاجة للخطابة. وهي قوة عسكرية ضاربة كادت تغزو سوريا نفسها في يوم ما لولا أن توسلا عربيا كان أقرب الى التسول هو الذي أوقفها.
وتركيا ايضا قوة اقتصادية ضاربة وتتهيأ للحصول على عضويتها في نادي الدول الثرية في غضون ما يقل عن عقدين وفقا لخبراء الاقتصاد، وبوسعها خنق سوريا على الأقل بسلاحي الماء والكهرباء. كما أنها فوق ذلك تتمتع بما لا تتمتع به أي دولة عربية وهي المصداقية الدولية القائمة على الديمقراطية والخيار السياسي الحر، وإلى حد مقبول غربيا احترام حقوق الإنسان. ومن هنا فهي إذا لوحت بعقوبات حصلت على الانتباه.

وبالطبع فإن لتركيا نفسها أسبابها التي تنطلق من مخاوفها السياسية والاقتصادية. ويمكن تلخيص هذه في: أولا، التهديد الذي يشكله نظام ترى فيه تربة خصبة للفتنة الطائفية ويتقارب الى حد يقارب التلاحم مع إيران الشيعية، وثانيا، تعزيز هذا النظام ساعد الثوار الأكراد، وأخيرا تدفق اللاجئين السوريين على أراضيها.

تركيا بالمرصاد

كما أن لتركيا مصالحها ذات الشقين: الأول يتعلق بأهمية إقناع أنقرة الغرب بأنها جزء عضوي من آيديولوجيته السياسية المناصرة لليبرالية للديمقراطية، وأيضا من تركيبتها العسكرية كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي laquo;الناتوraquo;. ويتصل الشق الآخر بطموحاتها لأن تصبح القوة العظمى الحقيقية في الشرق الأوسط laquo;الجديدraquo;.. أي الوضع الذي سيسود نتيجة لـlaquo;ربيع العربraquo; وفي ظل منافس آخر على مقام الدولة الإقليمية العظمى هو إيران خاصة بالنظر الى مشروع قنبلتها النووية.

وكل هذا الواقع ينتهي الى محصلة واحدة: بغض النظر عن مواقف الفرقاء الثلاثة في استطلاع laquo;إيلافraquo; من الحديث عن عقوبات على سوريا فإن الحديث نفسه لا يمكن ان يغفل تركيا وإن كان صدى القرار العربي يتردد عاليا في الوقت الحالي.

وزير الخارجية السوري وليد المعلم