دعا العراق سوريا وتركيا إلى مفاوضات لتوقيع اتفاقية جديدة، تحفظ حصته في مياه دجلة والفرات، وسط تحذيرات من أن العراق لن يجد بعد 15 عاماً ما يكفيه من المياه الصالحة للشرب والزراعة.. فيما اتهم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي رئيس الحكومة بمخالفة الدستور، من خلال عدم إحالة طلب محافظة صلاح الدين بالتحول إلى إقليم إلى مفوضية الانتخابات، وأكد أن الاقاليم لا تهدد وحدة البلاد، وإنما الظلم وشيوع الفساد وسوء الإدارة والاستهداف السياسي.
سد أقامته سوريا على نهر الفرات |
أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ أن مجلس الوزراء قرر الموافقة على تفويض وزارة الخارجية، وبالتنسيق مع وزارة الموارد المائية، التفاوض مع الحكومتين السورية والتركية لإبرام إتفاقية بينهما والعراق بشأن ضمان حقوقبغداد في مياه نهري دجلة والفرات.
وأشار الدباغ في تصريح صحافي مكتوب تلقته quot;إيلافquot; إلى أن الموافقة على التفاوض مع الجانبين السوري والتركي بشأن حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات تأتي ضمن سعي الحكومة العراقية إلى ضمانحصة العراق المائية، والحفاظ على ديمومة استمرار تدفق مياه نهري دجلة والفرات، وبمعدلات التدفق السابقة نفسها،وإيجاد الحلول المناسبة لتغيير موقع محطة الضخّ السورية على نهر دجلة في عين الدوار.
وأوضح أن اجتماعات تعقد حاليًا بين وزارتي الخارجية والموارد المالية ورئاسة مجلس الوزراء لتحديد صيغة مبدأ التفاوض مع الجانبين السوري والتركيمن أجل إبرام إتفاقية جديدة، تحلّ محل الإتفاقية المبرمة بين العراق وسوريا عام 2002، حيث ستضم الإتفاقية الجديدة الأطراف الثلاثة العراق وسوريا وتركيا.
وأضاف الدباغ أنه في حال حصول موافقة الحكومتين السورية والتركية، سيتم تشكيل لجنة فنية تضم متخصصين في الشؤون القانونية وشؤون الموارد المائية من وزارتي الخارجية والموارد المائية والجهات المعنية الأخرى، لإعداد مسودة إتفاقية، تعرض على الجهات المختصة، للمضي في التفاوض بشأنها وإبرامها وفقاً للقانون.
ويعاني العراق شحًا في سقوط الأمطار، وسوء استعمال مياه الري، وتقلصًا فيمناسيب مياه نهري دجلة والفرات، اللذين يعانيان انخفاضاً شديداً بنسبة الثلثين على مدى الأعوام الـ25 الماضية، إضافة إلى قطع إيران وتركيا بعض مياه الأنهر الواصلة إلى العراق، وإقامة سدود على البعض الآخر، لا سيما على دجلة والفرات، ما يهدد الأمن المائي العراقي للخطر.
وأعلنت الحكومة العراقية في أيار (مايو) الماضي عن إيقاف العمل بالاتفاقية الإستراتيجية مع تركيا، حفاظاً على مصالح العراق الإستراتيجية، وفي مقدمتها المياه، في خطوة منسجمة مع الدعوات المتكررة، التي أصدرها مجلس النواب العراقي، إلى ربط الاتفاقية ومجمل العلاقات المشتركة معها بالتزامها بإطلاق حصة العراق المائية.
وكان مسؤول عراقي أكد في أيلول (سبتمبر) الماضي فشل الدول الثلاث المتشاطئة على نهري دجلة والفرات، وهي العراق وسوريا وتركيا، في التوصل إلى أي اتفاق يضمن حصة كل واحدة منها في مياه الرافدين، وحذر من أن بلاده ستعاني ابتداء من عام 2015 شحًافي المياه يصل إلى 45% من احتياجاته المائية، الأمر الذي سيصيب ملايين العراقيين بأضرار فادحة، حين يفتقدون المياه الكافية للشرب والزراعة.
وقال نائب رئيس الوزراء العراقي روز نوري شاويس خلال ترؤسه اجتماعًا مشتركًا بين وفد متخصص من الأمم المتحدة وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق وممثلين عن وزارات الزراعة والخارجية والموارد المالية وحكومة كردستان.. قال إن معظم المياه الواردة إلى العراق تصله عن طريق الأنهر المشتركة مع الدول المتشاطئة، إذ إن حوالى 68% من إيرادات حوض نهر دجلة و97% من إيرادات نهر الفرات تصل من تركيا وسوريا وإيران.
وأضاف أنه نتيجة لتوسع استخدامات المياه في تلك الدول، وبغياب الاتفاقيات التي تحدد حصة كل بلد من تلك المياه، ولكون العراق دولة المصب، فقد تأثرت بإجراءات الدول الواقعة في أعلى المجرى.
وأشار إلى أنه قد نتج من ذلك نقص في إمدادات المياه الواصلة إلى العراق، حيث سيكون المتاح من المياه في عام 2015 كمية (44) مليار متر مكعب فقط، وهي تمثل نسبة 55% من الإيراد الطبيعي، وسوف لن تغطي الاحتياج المائي المطلوب عندئذ، والبالغ بحدود (70) مليار متر مكعب.
وأكد المسؤول العراقي أن بلاده حاولت ومنذ أوائل الستينات من القرن الماضي الدخول مع الدول المتشاطئة (تركيا وسوريا) في مفاوضات ثلاثية، بغية التوصل إلى اتفاق، يضمن حصص الدول الثلاث في مياه النهرين المشتركين طبقًا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية، إلا أنها لم تثمر، وحتى الآن، ولم تتوصل إلى اتفاق يحدد حصة كل دولة.
وقال إن هناك أكثر من 300 اتفاقية دولية حول اقتسام المياه في العالم، حيث توفر هذه الاتفاقيات أساسًا متينًا لأي اتفاقيات أخرى، بما في ذلك المتعلقة بنهري دجلة والفرات، وتؤكد هذه الاتفاقيات عدم جواز الحاق الضرر بالدول المتشاطئة الأخرى، سواء من حيث كمية المياه أو نوعيتها.
وأشار شاويس إلى أن الحكومة العراقية قد طلبت من الأمم المتحدة توفير الدعم في بناء قدرة تفاوضية وطنية في مجال المياه الدولية المشتركة، عن طريق ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة، وقد تمت الاستجابة لهذا الطلب، عندما قام البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتنظيم ورشة عمل في أربيل في مطلع نيسان (إبريل) الماضي.
وقال إن تلك الورشة قد تمخضت عن توصيات بضرورة الاستمرار في الاستعانة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لغرض توفير الدعم الدولي للموقف التفاوضي، وبناء مهارات التفاوض مع تأسيس إطار للمؤسسات الفاعلة واللازمة لعملية التفاوض. إضافة إلى إعداد آلية فنية وقانونية لجمع المعلومات حول المياه المشتركة في الدول المتشاطئة لضمان وصول المعلومات الصحيحة إلى متخذي القرار.
وشدد على أن الحكومة العراقية تولي بالغ الاهتمام بموضوع المياه، وهي تضعكل الإمكانيات لرعاية هذا النشاط، من خلال لجنة الشراكة مع المجتمع الدولي، وبالتعاون مع جميع ذوي العلاقة من الجانبين العراقي والدولي.
من جهته، قال عز الدين الدولة وزير الزراعة العراقي إن دراسات لحكومة بلاده تتوقع أن لا يجد سكان المحافظات مياهًا صالحة للشرب أو الزراعة في دجلة والفرات بعد 15 إلى 20 عامًا. وأشار إلى أن العراق يحاول إدخال وسائل حديثة في الزراعة والري، لترشيد استهلاك المياه والتغلب على النقص.
ويؤكد مسؤولون عراقيون إن نقص المياه يشكل تحديًا كبيرًا للعراق، بسبب زيادة السكان ونضوب الموارد وشح الأمطار وازدياد التصحر. وواجه إنتاج القمح والأرز صعوبات في العامين السابقين، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى قلة المياه في نهري دجلة والفرات.
وبدأ العراق معاناته مع الجفاف قبل عقدين تقريبًا، وكان أسوأ الأعوامعام 2008. ويحذر مسؤولون من أن البلاد قد تواجه ثلاث سنوات أخرى من الجفاف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم.
يذكر أن مشكلة المياه بين الدول الثلاث قد بدأت حين باشرت تركيا، ثم سوريا، في وضع الخطط لاستغلال مياه نهر الفرات، ففي عام 1966 قامت تركيا ببناء سد كيبان، الذي بلغت حينها سعة الخزن فيه 30.5 مليار متر مكعب، وإنشاء محطة كهربائية قوتها خمسة مليارات كيلو واط. أما سوريا فقد قامت ببناء سد كبير على نهر الفرات، يسمح بتخزين المياه بحجم إجمالي قدره 11.9مليار متر مكعب، ومحطة كهربائية بقوة 800 ألف كيلو واط.
وبذلك بدأت تركيا وسوريا بتنفيذ مشاريعها عبر استغلال مياه الفرات من دون مراعاة لحقوق العراق المكتسبة في مياه النهر، والتي قدرها الخبراء حينها بـ 18 مليار متر مكعب من المياه، مما دفع العراق إلى السعي إلى جراء مفاوضات وعقد اتفاقيات لتحديد الانتفاع بمياه النهر بين الدول الثلاث، إلا أنكل اللقاءات والمحاولات قد باءت بالفشل.
الهاشمي: الظلم والفساد والاستهداف السياسيتهديد لوحدة البلاد
إلى ذلك، اتهم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي رئيس الحكومة بمخالفة الدستور، من خلال عدم إحالة طلب محافظة صلاح الدين بالتحول إلى أقليم إلى مفوضية الانتخابات، وأكد أن الأقاليم لا تهدد وحدة البلاد، وإنما الظلم وشيوع الفساد وسوء الإدارة والاستهداف السياسي.
وقال الهاشمي، وهو رئيس حركة تجديد ضمن القائمة العراقية، إن رئاسة الجمهورية طلبت من مجلس الوزراء تنفيذ الدستور في ما يخص تحويل طلب مجلس محافظة صلاح الدين إلى مفوضية الانتخابات، مبيناً أن مجلس الوزراء خالف الدستور، كما تجاهل القانون رقم 13 لسنة 2008 في تحويل الطلب إلى المفوضية.
وأضاف في كلمة ألقاها في المنتدى السياسي السادس لحركة تجديد اليوم قائلاً quot;نعم الدستور فيه أخطاء ونواقص، لكن إلى أن يعدّل، يعتبر هو القانون الأساسي للدولة، ولا بد من الالتزام به، ولا توجد أية سلطة فوق الدستورquot;.
وأشار إلى أن quot;خطوة مجلس محافظة صلاح الدين في التحول إلى إقليم مستقل إداريًا واقتصاديًا دستورية وقانونية، وهي بداية لمشروع الإقليم. أما القرار النهائي فهو متروك لسكان محافظة صلاح الدين،عبر استفتاء حر، تنظمه المفوضية، وعندها يجب احترام خيارات الناس في أجواء ديمقراطية حرة بعيداً عن الإرهاب أو الإغراء، أو الضغط أو الإكراهquot;.
وحول المخاوف من أن يلحق إنشاء الأقاليم ضررًا بوحدة العراق، قال الهاشمي quot;إن تطبيق الدستور سوف لن يفكك العراق، وموضوع الأقاليم ليس جديداً في العالم، فالعديد من الدول طبّقت التجربة بنجاح، بل كانت سبباً في قوتها وتماسكها، مثل الإمارات وسويسرا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، فالتحدي الكبير هو ليس في تطبيق الدستور، بل التحدي الكبير الذي قد يهدد وحدة العراق هو الظلم وشيوع الفساد وسوء الإدارة والاستهداف السياسي، فإذا بقي الوضع هكذا، فسينحسر ولاء المواطن للوطن، وعندها سيكون من حقه البحث عن خيارات بديلة وقرارات صعبةquot;.
وشدد الهاشمي على أنه quot;لا قلق من مجرد تحول المحافظة إلى إقليم، وإذا كنا قلقين فعلاً على وحدة العراق، فلنبدأ بالإصلاحات وتحقيق العدالة، ولنكافح الفساد ولنكرس اللامركزية، ولنتوقف عن الاستهداف السياسي، وبذلك سوف يستقر البلدquot;.
وأشار الهاشمي إلى أن مبادرته، التي أطلقها أخيرًا، وحملت عنوان quot;تصويب مسار العملية السياسية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركيquot;، قد حظيت بمباركة الرئيس جلال طالباني ونائبه خضير الخزاعي، وقال إن هذا الإجماع هو الذي يمهّد لعلاقات عامة ناجحة داخل الكيانات السياسية الكبرى الثلاثة، في إشارة إلى التحالف الوطني العراقي والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني.
وكان الهاشمي اقترح في وقت سابق التمهيد للمبادرة بمحاور عديدة، أبرزها تطبيع الأوضاع، وتهدئة الخطاب السياسي، وزرع الثقة بين السياسيين، والانطلاق بمنهجية وموضوعية للإعداد لمؤتمر وطني عام وفق خطط وآليات واضحة.
وكان مجلس محافظة صلاح الدين (160 كم شمال غرب بغداد) ذات الغالبية السنية أعلن في أواخرتشرين الثاني (نوفمبر) الماضي المحافظة إقليمًا مستقلاً إداريًا واقتصاديًا، الأمر الذي رفضته الحكومة المركزية في بغداد.
بدوره تمكن مجلس محافظة الأنبار (100 كم غرب بغداد)،أكبر محافظات العراق، من جمع تواقيع 16 عضوًا من بين أعضائه التسعة والعشرين، وذلك لإجراء استفتاء شعبي حول المطالبة بإعلان المحافظة، التي تسكنها غالبية سنية أيضًا إقليمًا مستقلاً كذلك.
إثر ذلك، حذر رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي من مطالب تشكيل أقاليم مستقلة إداريًا واقتصاديًا، واصفًا الأمر بـquot;الكارثةquot; في الوقت الحاضر. وقال إن هذه المطالب يجب أن تتم quot;على أساس الحرص، وليس على أساس أن يكون جزء من العراق فدراليًا على أساس طائفي، وتبدأ المشاكل والتحدياتquot;.
من جانبه، قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون المصالحة الوطنية عامر الخزاعي في الأسبوع الماضي إن quot;هناك مشاريع تخطط لتقسيم العراق، لذلك فإن إدراكنا واستشعارنا بالخطر يبين لنا هدف المطالبة بالأقاليم في الوقت الحاضرquot;. وحذر من أن quot;أي فدرلة قد تؤدي إلى حرب أهلية جبهوية،تستمر ربما لفترة طويلةquot;. وكان العراق شهد بين عامي 2006 و2008 مواجهات طائفية شرسة، خصوصًا بين السنة والشيعة، راحت ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، إلا أن سياسيين كبارًا، في مقدمتهم رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي اعتبروا أن مطلب تشكيل الإقليم دستوري،ودعوا إلى تنفيذه.
يأتي هذا الانقسام في وقت تعمل القوات الأميركية على إكمال انسحابها من البلاد بحلول نهاية الشهر المقبل، بعد ثمانية أعوام من الوجود العسكري فيه، تاركة العراق أمام تحدي أعمال العنف اليومية، والمحاصصة الطائفية، التي تطغى على نظامه السياسي.
وأعلنت وزارة الدفاع العراقية اليوم أن عدد القوات الأميركية في العراق قد انخفض الآن إلى عشرة آلاف عسكري، يتمركزون في عشرة مواقع، حيث سيكملون انسحابهم خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، بعدما كان وصل العدد في عام 2007 إلى 170 ألف عسكري.
وتنص المادة 119 من الدستور العراقي على أنه quot;يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم، بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: أولاً، طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات، التي تروم تكوين الإقليمquot;، وquot;ثانيًا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليمquot;.
كما تشير المادة 120 إلى أن الإقليم يقوم quot;بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع هذا الدستورquot;، أي دستور العراق.
التعليقات