توقفت إذاعة الدويتشه فيله الألمانية الناطقة باللغة الغربية عن البثّ قبل أيام قليلة بعد 50 عاماً من البث، لعبت خلالهم دوراً بارزاً في إيصال الأخبار إلى المستمع العربي.


برلين: ودّعت الإذاعة الألمانية الناطقة باللغة العربية quot;الدويتشه فيلهquot; قبل أيام قليلة مستمعيها، وصمت أثيرها إلى الأبد، بعد رحلة عطاء استمرت 50 عاماً من البثّ الإذاعي المتواصل بلغة الضاد، لعبت فيه دوراً حقيقيًا في إيصال المعلومة والحقيقة الخبرية، وكل ما يتعلق بالشأن الألماني إلى المستمع العربي في كل مكان.

يأسف المثقف العربي والمستمع علي حد سواء لهذا الغياب المفاجئ، فقيمة الخبر ومصداقيته كانت تحدده مثل هذه الإذاعةومجموعة الإذاعات الدولية الناطقة باللغة العربية، مثل إذاعة quot;البي بي سيquot; وquot;مونت كارلوquot; وغيرها من إذاعات، كانت لها شهرة كبيرة في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، حيث لعبت دورًا في تشكيل الوجدان السياسي للشبان المثقفين الباحثين عن الحقيقة الإخبارية، في ظل أنظمة القمع العربية، التي كانت صديقة للتزوير والتزييف وعدوة للحقيقة والتنوير.

لهذا السبب تبدو خسارة المستمعين العرب كبيرة لهذا الغياب المفاجئفي ظل اشتعال المنطقة العربية بالثورات والإنتفاضات، بل وهو الأهم صنع الخبر، فأكثر الأخبار إثارة الآن هي تلك التي ترد من المنطقة العربية، فيكف يُعقل إذن في ظل هذا الوهج الإعلامي أن ينطفئ ذلك الصوت العربي، الذي كان يمكن له أن يكون مؤثراً وجاذباً لآذان المستمعين الآن عن أي وقت مضى، إلا أنه بدلاً من ذلك أعلنعن وفاته بنفسه تاركاً الساحة، ومودعاً بعدما عجز عن ملاحقة الأخبار وصياغة التقارير وتحليل الأحداث وجذب أذن المستمع، وهنا يبرز السؤال لماذا حدث ذلك؟.

إن المتابع للإذاعة الألمانية في سنواتها الأخيرة كان يعرف تلكالحالة المتردية التي وصلت إليها، فيد الإهمال طالتها، تارة بحجة أن الإنترنت سيد المرحلة، وتارة أخرى بحجة أن التلفزيون الناطق بالعربية سحب البريق منها، وظهرت على برامجها الإذاعية حالات من عدم الإكتراث واللامبالاة، وأصبحت خمس دقائق من الإستماع إليها كفيلة بأن تدخل صاحبها الجنة من باب الصبر وجهاد النفس على الإبتلاء.

في غضون ذلك تحول البثّ إلى أثير ميت، ليست فيه حياة، فالأخبار قديمة، والإجتهاد مفقود، وترجمة التقارير الألمانية هي البضاعة الرائجة والهواة والحواة يسيطرون على الأمور بداخلها، حتى دبّت الشيخوخة في أوصالها، وتوفيت من دون المرور بغرفة الإنعاش ومن دون أن يشيّعها أحد في ديباجة أو مقال أو حتى خبر.

إن أركان الإعلام هي بمثابة عقد مكتمل الحلقات، يتكون من شاشة مرئية وإذاعة مسموعة وصحافة مقروءةوأخرى إلكترونية،وهذا الشكل المكتمل المتصل، من شأنه الوصول إلى كل طبقات المجتمع، وإذا حدث وانفرط العقد بهذا الشكل، الذي حدث في الإذاعة، فقد يكون هذا بمثابة إنذار لإنهيار الوسائل الأخرى، خاصة وأن الوسيلة الإذاعية هي الوسيلة الأسهل التييمكن أن تصل إلى البشر في كل مكان، كما يمكن الإستماع إليها من دون عوائق أو تقنيات معقدة، على عكس الإنترنت، الذي لا يتوافر في مناطق شاسعة من العالم العربي، ويتوقف فقطاستخدامه في الوقت الحالي على الشباب المثقف والمتعلم.

فالعالم العربي فيه نسبة أمية كبيرة، وهذا لا يتفق مع تبريرالقائمين على أمور الإذاعة السابقة، في أن وسائل أخرى يمكن أن تؤدي الدور التفاعلي المطلوب، كفايسبوك وتويتر، متجاهلين دور الإذاعة، وغير مقدرين المدرسة الإذاعية العريقة.

المثير أنالوسائل الإعلاميةالأخرى الناطقة بالعربية في مؤسسة الدويتشه فيله هي الأخرى مهددة بالزوال، فهي في مرحلة الشيخوخة المبكرة،وهي بعيدة كل البعد عن المنافسة الحقيقية ـ لا وجود مؤثر لها على الساحة الإعلامية العربية، فالتلفزيون الناطق باللغة العربية مثلاً تتفوق عليه تلفزيونات وليدة، مثل المحطة العربية في تلفزيون فرانس 24 الفرنسي، ولا يمكن مقارنته مع تلفزيون الـquot;بي بي سيquot;وبعيد كل البعد عن منافسةقناة الجزيرة الإخبارية.

ويمكن القول إنه يسير على نهج الإذاعة في أيامها الأخيرة، قبل أن توافيها المنية، إن محاولته بثّ بعض برامجه عبر بعض القنوات المحلية في الدول العربية ما هي إلا محاولة فاشلة للدعاية وجذب المستمع، كانت الإذاعة قد سلكتها من قبل.

أما النشرة الإخبارية فيه فهي ليست أكثر من منشور إعلامي جامد وممل بلا ملامح ولا خطوط، يذكرك بالنشرات الإعلامية التي تبثها القنوات الحكومية في التلفزيونات العربية.في حين أنالصفحة الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية فهي ليست أكثر من ترديد لصدى الأخبار التي تبثها وكالات الأنباء العالمية، إذ يتم اختيار بعضها لحشو الصفحةممهورة باسم الذي اجتهد ونقلها كما هي للقارئ.