محتجون أمام المجلس التأسيسي في تونس

تزامن استلام منصف المرزوقي مقاليد الحكم في تونس مع استمرار المحتجّين التونسيين في التظاهر في ساحة باردو أمام مقر المجلس التأسيسي. ويصف محللون هذه الاحتجاجات بالعمل الطائش، الذي لا يدرك منفذوه نتائجه السلبية، ويقول آخرون إنها تعبير عن الرأي المختلف.


تونس: تسلَّم منصف المرزوقي مقاليد الحكم في الجمهورية التونسية، وما زال أخطبوط الاعتصامات يمدّ أطرافه باتجاهساحة باردو أمام مقر المجلس التأسيسي، حيث اختلط الحابل بالنابل، وكل ينادي بمطلبه.

وبين دخول المرزوقي إلى قصر قرطاج الرئاسي، والاتهامات التي يوجّهها البعض علنًا، والبعض الآخر تلميحًا، لمن فشلوا في الانتخابات، بتخريب البلاد وتعبئة الشارع وغرس عقلية الاضطرابات والاعتصامات، يواصل المعتصمون وقفتهم وضغطهم على المجلس، غير عابئين ببرد الشتاء وقسوة النوم في الخيام، مؤكدين أنهم لن ييأسوا من تبليغ رسالتهم، والمطالبة بحقوقهم، ولن يتراجعوا إلى الخلف قيد أنملة، وأن الحبوب المخدرة، التي كان بن علي يسقيها للشعب، لم تعد تعطي أي مفعول.

خلط الاوراق

كانت ضربة البداية مع القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية محمد عبو، الذي أكد أن هناك جهات تقف خلف موجة الاعتصامات والاضطرابات وأعمال التخريب والحرق، التي اجتاحت البلاد خلال الفترة الأخيرة، وهي تريد إعادة خلط الأوراق، والدفع بالبلاد نحو المجهول، مؤكدًا أن هناك أطرافًا سياسية متورّطة في التآمر على حركة النهضة، من خلال السعي إلى شلّ الحركة الاقتصادية والإضرار بالبلاد، وأن هناك مؤامرة تحاك خيوطها ضد الأطراف الفائزة في الانتخابات، لتهميش برامجها وعرقلة مسارها الانتقالي.

وأفادنا عبد اللطيف عبيد عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أن المسار الديمقراطي، من خلال عمل المجلس التأسيسي، مستهدف من قبل بعض الفاشلين في الانتخابات وبعض الذين يريدون تأبيد حكمهم، وهو ما انعكس داخل فضاء المجلس وأروقته، التي شهدتأخيرًا نقاشات حادة وملاسنات واتهامات ومشادات بين النواب، وهي ترجمة لوضع أمني واجتماعي، يتسم بعدم الاستقرار.

وقال إن الاتهامات والتآمر على استقرار البلاد ونشاط المجلس التأسيسي، إنما هو أمرٌ تدبّره بعض الأطراف الفاشلة وغير الواعية بضرورة ما قد تخلّفه هذه الأوضاع المضطربة من أثر سلبي على البلاد واقتصادها، ورأى أن هذه الأعمال غير المسؤولة لا تشكل فقط مجرد خطر يهدد النهضة وغيرها من الأحزاب التي تمسك بزمام الأمور في البلاد، بل هي ضربة لإفشال الانتقال الديمقراطي.

وذكر أنه من الواجب اليوم ترك الأمور تسير في مسارها الطبيعي، والاحتكام إلى ما أفرزته صناديق الاقتراع، لا إلى الشارع.

وبكل دبلوماسية وهدوء، نفى نور الدين البحيري، المتحدث باسم حركة النهضة، في تصريح لـquot;إيلافquot;، وجود مؤامرة خلف الكواليس، تحبك أدوارها، قائلاً إن الاعتصامات التي تشهدها البلاد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهي نتاج لديمقراطية، بدأت ملامحها تتشكل في البلاد، التي عانت، ولنصف قرن، التكميم والتضييق.

وقال إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينصّب أي طرف نفسه وصيّا على طرف آخر، وهو ما يتنافى مع قيم الإسلام،وإن التجاذبات هي أمر طبيعي في مرحلة تتجه فيها كل الأطراف إلى إعادة صياغة مستقبل البلاد، ومن الطبيعي جداً أن تحدث هذه الاختلافات التي تجسّد التنوع والتعدد.

وأوضح أن الاختلاف في التوجّهات الفكرية والسياسية وفي تصور المستقبل يتجسد من خلال ما يحصل حاليًا من نقاشات.

مؤكدًا أنه لا وجود لأية مؤامرة للسيطرة على البلاد ومؤسساتها، لأن الذين انتخبوا من قبل الشعب يحملون مواقف واضحة. وأكد انحيازه إلى النظام الجمهوري والتداول السلمي على السلطة، ورفضه مبدأ التفرد بالرأي واحترام حق الاختلاف.

واعتقد المتحدث باسم حركة النهضة أن الأطراف التي تدّعي وجود مؤامرة، من حقها التعبير عن رأيها، الذي يضمنه الحق والقانون.

وقال إن الاختلاف هو الذي يفضي إلى بناء أسس جديدةفي بناء مؤسسات دستورية، ورفض البحيري توجيه أي اتهام إلى أي طرف، معارضًا كان أو مساندًا، مؤكدًا على ضرورة الوقوف بكل جد للعمل على النهوض بالبلاد في هذه المرحلة، التي تتطلب تضافر الجهود لبناء دولة قوية الأسس متماسكة الأطراف.

من جهته، أفاد سمير طعم الله عضو القيادة الوطنية في حزب العمال الشيوعي أن الاتهامات المتداولة بين صفوف أعضاء المجلس التأسيسي إنما هي مجرد أوهام، لم تقف على أساس من الصحة، وأن المعتصمين خرجوا أفواجًا متتابعة غير عابئين بالظروف الطبيعية، التي تلفّ الخيام بقسوتها، منادين بمطلب أساسي هو التوظيف، الذي اشتعلت على أساسه شرارة الثورة الأولى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالقوى السياسية لا تسير بنسق التوجه الديمقراطي، ولا باتجاه تحقيق مطالب المعتصمين، والأهداف التي طالب جرحى الثورة بنيلها عبر شعارات يرفعونها تباعًا.

وقال إن الاعتصامات، التي يشهدها الشارع التونسي، تشنّ بطريقة عفوية، ولا علاقة لحزب فاشل أو فائز في إشعال فتائلها، وهي نتاج لغضب شعب، ضاق صدره بالوعود الواهية، ولايزال ينتظر أن تتحقق أمانيه على أرض الواقع، وأن يتمتع بحياة أساسها العمل والحرية والكرامة.

وأشار إلىأنه ما دامت الزعامات خلف أسوار المجلس تنشغل بكيل التهم وتسليط الأضواء على موضوعات غير مجدية، فإن اعتصام باردو وغيره من الاعتصامات الأخرى، لن يحلّ، وسيستمر قائمًا إلى أن تتفكك رموز اللعبة السياسية، وتحلّ العقد.