برلين: يمكن وصف الديمقراطية في المانيا بأنها ديمقراطية قوية شديدة البأس على كل المتلاعبين بحقوق الشعب والمخالفين للدستور والقانون، في نفس الوقت الذي تشكل فيه الصحافة في هذا البلد أحد أهم دعائم تلك الديمقراطية ، فهي تلعب دوراً رقابياً صارماً لكل من تسول له نفسه من السياسين الذين يعتلون المناصب الكبري بالسير في طريق الفساد والإفساد وعقد الصفقات المشبوهة.
في غضون السنوات القليلة الماضية إستطاعت الصحافة الألمانية الإطاحة برؤوس الكثيرين من السياسين اللذين تكشفت مفاسدهم وكان آخرهم وزير الدفاع الألماني السابق جوتنبرج الذي زيف بحث الدكتوراه الخاص وتم سحب الدرجة منه بعد التحقيق الذي أجرته معه الجامعة وتقدم باستقالته علي أثر تلك الفضيحة.
منذ بداية يوم الثلاثاء الماضي، يبدو أن فضيحة مدوية تنتظر بدورها الإطاحة بالرئيس الألمانيquot; كريستيان فولفquot; الذي تولي منصبه في يونيو من العام الماضي فقد كشفت صحيفة بيلد واسعة الإنتشار أن الرئيس فولف عليه الإجابة علي اسئلة صعبة تتعلق بمصداقيته كرئيس للبلاد عندما أخفي عن برلمان ولاية سكسونيا السفلي قرضا ماليا بنصف مليون يورو.
ولم يذكر ذلك في تقرير الذمة المالية التي تقدم بها الي البرلمان عندما كان رئيساً لوزراء ولاية سكسونيا السفلي، غير أن صحيفة بيلد تسايتونج قالت إن ذلك الإخفاء المتعمد يشكك في مصداقية الرئيس الألماني ويضعها علي المحك.
ونبهت الى أنه لايجوز لمن يعتلون تلك المناصب الرفيعة في الدولة ان يقعوا في مثل هذه الأخطاء، بل إن الصحيفة دفعت بما هو أكثر من ذلك، عندما شككت في علاقة تجارية تربط بين الرئيس الألماني وصاحب الشركة الخاصة الذي اقرض الرئيس هذا المبلغ، فتلك الشركة يمتلكها ايجون جريكنس وهو رجل اعمال وصديق شخصي للرئيس أقرضه هذا المبلغ في عام 2008 لشراء منزل.
لكن الصحيفة قالت إن هذا القرض يتمتع بفائدة منخفضة ومريحة وتساءلت عن الدافع وراء ذلك ، وفي نفس السياق ذكرت الصحيفة انquot; فولفquot; كان قد قبل في سنة 2009 ايضا دعوة لعدة ايام للإقامة في فيلا خاصة يمتلكها نفس هذا الصديق في ولاية فلوريدا.
وتفجرت فضيحة في ذلك الوقت الذي كان قد اصبح فيه رئيس لوزراء ولاية سكسونيا السفلي عندما طار الي فلوريدا في درجة رجال الأعمال في الطائرة بسعر منخفض ودون تحمل فرق سعر تلك الدرجة وبعد تكشف تلك الفضيحة سارع علي الفور لسداد مبلغ 3000يورو فرق تذاكر السفر له ولزوجته.
وفي غضون ذلك كان عليه أمام البرلمان ان يوضح علاقته برجل الأعمال ايجون جريكنس ورئيس خطوط quot; إيرـ برلينquot; يواخيم هونولد عن اي علاقات تجارية تربطهم بالرئيس إلا أن البرلمان وبعد التحقق أكد انه في خلال العشر سنوات الماضية لم تربط بين الرئيس وأي من الأسماء المطروحة اي علاقة تجارية.
القرض الذي قام به الرئيس الألماني رغم أنه قد يبدو أمراً عادياً ومن أجل شراء منزل إلا أنه يبدو مزعجاً له ، فقد دافع عن نفسه بقوله ان القرض تم بشروط يعرفها البنك وأنه قد حصل عليه من زوجة رجل الأعمال إديت جيركينس وليس منه هو شخصيا ـ لذلك فهو يري انه لم يرتكب خطأ في هذا الشأن غير أنه عاد واعتذر للشعب عن خطئه غير المقصود في إخفاء هذا القرض.
لكن منظمة الشفافية الألمانية تريد توضيحاً اكثر دقة من الرئيس عن سر إخفائه أسم زوجة رجل الأعمال اديت جيركينس طيلة السنوات الماضية ، غير أن مكتبه ذكر ردا علي ذلك في بيان صحفي قال فيه quot;إنه امر يتعلق بسرية المعلومات المتعلقة بالأشخاصquot; وشدد علي مقولة الرئيس في هذا الشأن من أنه يجب الفصل بين العمل والحياة الخاصة.
في تلك الأثناء يقوم مكتب محاماة خاص بالرئيس في إعداد ملف كامل يحتوي كافة الوثائق لطرحها علي الرأي العام من اجل تبرئة الرئيس من اي مخالفات قد تتسبب في الضغط عليه لتقديم الاستقالة.
من ناحيتها علقت مجلة دير شبيجل علي ذلك الحدث وقالت إن هذا المنصب يجب ان يتمتع كل من يصل اليه بالمصداقية العالية وان يكون نظيف اليد ،وليس في سجله أخطاء. وتتساءل المجلة بدورها لماذا اخفي الرئيس هذا القرض؟ وماهي المصلحة في ذلك ؟ وتؤكد بأن عليه ان يعرف ان السياسين في القمة لابد وان تكون أمورهم المالية أكثر شفافية ووضوح.
يصف شتيفن فيتسل من حزب الخضر في سكسونسيا السفلي ذلك الحدث بان ما فعله الرئيس هو خدعة، من جهته يقول توماس اوبرمان من الحزب الاشتراكي الاجتماعي ان الرئيس لم يقول الحقيقة ، ول لم يعلق احد من الحزب الإجتماعي المسيحي غير ان المخاوف من استقالة الرئيس واعادة ترشيح خليفة له تبدو امراً صعباً في الوقت الحالي ، اذ ان الرئيس الجديد قد نجح بصعوبة شديدة بعد ثلاث مرات إعادة.
التعليقات